اليوم 9 من الشهر المبارك أمشير, أحسن الله استقباله، وأعاده علينا وعليكم، ونحن في هدوء واطمئنان، مغفوري الخطايا والآثام، من قِبَل مراحم الرب، يا آبائي وأخوتي.
آمين.
09- اليوم التاسع - شهر أمشير
نياحة القديس برسوما أب رهبان السريان
في مثل هذا اليوم من سنة 458 م تنيح الأب المغبوط الأنبا برسوما أب رهبان السريان . وكان أبوه من ساموساط ، وتنبأ عنه رجل قديس قبل ولادته قائلا لوالديه سيخرج منكما ثمر صالح وينتشر ذكره في الأرض . وقد تم هذا القول إذ انه عندما شب برسوما قليلا ترك أبويه وقصد نهر الفرات حيث أقام زمانا عند رجل قديس يدعي إبراهيم . وبعد ذلك انفرد في الجبل , فاجتمع حوله تلاميذ كثيرون . وكان يصوم أسبوعا أسبوعا . وقد اجري الله علي يديه أيات كثيرة . وحدث في بعض الأيام غلاء في تلك البلاد ، فعرفه الرب بصلاته . وكان معاصرا للقديس سمعان العمودي ، الذي لما علم به زاره وتبارك الاثنان من بعضهما . وقد اشتهر بمقاومته لشيعة نسطوريوس . وشهد مجمع أفسس بدعوة من الملك ثاؤدسيوس الصغير الذي أكرمه كثيرا ، بعد إن يسعى به البعض إليه بأنه يعيش ببذخ ، وإذ استدعاه ورأي صلاحه ة تقشفه ، وكذب المتقولين عليه ، أعاده إلى ديره بالإكرام والإجلال . ولما جمع مرقيان الملك المجمع الخلقدوني ، طلب الأباء من الملك إلا يدعي برسوما إلى المجمع لعلمهم بالنعمة التي فيه . ولما قرر المجمع القول بالطبيعيتين ، قاوم القديس برسوما هذه التعاليم الباطلة فنالته شدائد كثيرة من شيعة الخلقيدونيين . وبعد ذلك لما أراد الرب إن ينقله من هذا العالم أرسل إليه ملاكه يعرفه انه لم يبق له إلا أربعة ايام ، فأوصى تلاميذه إن يذهبوا إلى بعض البلاد المجاورة ، ويثبتوا أهلها علي الإيمان الأرثوذكسي ، ثم باركهم وتنيح بسلام . وقد ظهر وقت نياحته عمود نور قائم علي باب قلايته ، أبصره المؤمنون من بعد ، فأتوا ووجدوه قد تنيح ، فتباركوا منه ودفنوه بإكرام . صلاته تكون معنا آمين .
استشهاد القديس بولس السريانى
في مثل هذا اليوم استشهد القديس بولس السرياني ، الذي ولد بمدينة الإسكندرية من أبوين سرياني الجنس ، ثم شكنا في مدينة الاشمونين ، واقتنيا أموالا كثيرة عن طريق التجارة ، وسمع القديس بولس بتعذيب الولاة للمسيحيين . فلما توفي أبواه . وزع الأموال علي المساكين وصلي إلى الله إن يهديه إلى الطريق الذي يرضيه . فأرسل له ملاكه سوريئيل وقال له : قد رسم لي الرب إن اكون معك وأقويك فلا تخف . فقام وأتى إلى والي انصنا واعترف أمامه بالسيد المسيح ، فأمر بان يعري من ثيابه . ويضرب بالسياط ، ثم توضع مشاعل في جنبيه . فلم يخف . ثم حاول إغراءه بالمال فقال له : قد ترك لي أبواي كثيرا من الذهب والفضة فلم التفت إليها حبا في الرب يسوع المسيح ، فكيف انظر إلى مالك الآن ؟ فغضب الوالي وعذبه بكل أنواع العذاب . فجاء إليه الملاك سوريئيل وشفاه وعزاه وقواه . وبعد ذلك أمر الوالي إن يطلقوا عليه حيات سامة فلم تؤذه . ولما مضي الوالي إلى الإسكندرية ، آخذه معه إلى هناك وأودعه في السجن ، حيث التقي بصديقيه القديسين الأنبا إيسى وتكله أخته ، فصافحهما وابتهجت أرواحها . وأوحى إليه الرب انه سيستشهد في هذه المدينة . ولما عزم الوالي علي العودة أمر فقطعوا راس القديس بولس علي شاطئ البحر . فأتى قوم من المؤمنين واخذوا جسده وكفنوه وحفظوه عندهم . صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا آمين .
استشهاد القديس سمعان
في هذا اليوم تذكار استشهاد القديس سمعان . صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائما أبديا آمين .
باكر
يونان 3 : 1 - 4 : 11
الفصل 3
1 | ثم صار قول الرب إلى يونان ثانية قائلا |
2 | قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ، وناد لها المناداة التي أنا مكلمك بها |
3 | فقام يونان وذهب إلى نينوى بحسب قول الرب . أما نينوى فكانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام |
4 | فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ، ونادى وقال : بعد أربعين يوما تنقلب نينوى |
5 | فآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلى صغيرهم |
6 | وبلغ الأمر ملك نينوى ، فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه ، وتغطى بمسح وجلس على الرماد |
7 | ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك وعظمائه قائلا : لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا . لا ترع ولا تشرب ماء |
8 | وليتغط بمسوح الناس والبهائم ، ويصرخوا إلى الله بشدة ، ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم |
9 | لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك |
10 | فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم ، فلم يصنعه |
الفصل 4
1 | فغم ذلك يونان غما شديدا ، فاغتاظ |
2 | وصلى إلى الرب وقال : آه يارب ، أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي ؟ لذلك بادرت إلى الهرب إلى ترشيش ، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر |
3 | فالآن يارب ، خذ نفسي مني ، لأن موتي خير من حياتي |
4 | فقال الرب : هل اغتظت بالصواب |
5 | وخرج يونان من المدينة وجلس شرقي المدينة ، وصنع لنفسه هناك مظلة وجلس تحتها في الظل ، حتى يرى ماذا يحدث في المدينة |
6 | فأعد الرب الإله يقطينة فارتفعت فوق يونان لتكون ظلا على رأسه ، لكي يخلصه من غمه . ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحا عظيما |
7 | ثم أعد الله دودة عند طلوع الفجر في الغد ، فضربت اليقطينة فيبست |
8 | وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحا شرقية حارة ، فضربت الشمس على رأس يونان فذبل . فطلب لنفسه الموت ، وقال : موتي خير من حياتي |
9 | فقال الله ليونان : هل اغتظت بالصواب من أجل اليقطينة ؟ . فقال : اغتظت بالصواب حتى الموت |
10 | فقال الرب : أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها ، التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت |
11 | أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم ، وبهائم كثيرة |
باكر
مزمو باكر
من مزامير وتراتيل أبينا داود النبي.
بركاته علينا،
آمين.
مزامير 103 : 13 , 12
الفصل 103
13 | كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه |
12 | كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا |
مبارك الآتي باسم الرب، ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا، يسوع المسيح ابن الله الحي، له المجد من الآن وإلى الأبد.
آمين.
إنجيل باكر
قفوا بخوف أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس.
فصل شريف من بشارة معلمنا متى الإنجيلي.
بركته تكون مع جميعنا، آمين.
متى 11 : 25 - 30
الفصل 11
25 | في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال : أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض ، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال |
26 | نعم أيها الآب ، لأن هكذا صارت المسرة أمامك |
27 | كل شيء قد دفع إلي من أبي ، وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له |
28 | تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا أريحكم |
29 | احملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم |
30 | لأن نيري هين وحملي خفيف |
والمجد لله دائماً أبدياً، آمين.
قراءات القداس
البولس
بولس، عبد يسوع المسيح، المدعوّ رسولاً، المُفرَز لإنجيل الله.
البولس، فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى افسس .
بركته تكون مع جميعنا، آمين.
افسس 2 : 1 - 22
الفصل 2
1 | وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا |
2 | التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم ، حسب رئيس سلطان الهواء ، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية |
3 | الذين نحن أيضا جميعا تصرفنا قبلا بينهم في شهوات جسدنا ، عاملين مشيئات الجسد والأفكار ، وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضا |
4 | الله الذي هو غني في الرحمة ، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها |
5 | ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح - بالنعمة أنتم مخلصون |
6 | وأقامنا معه ، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع |
7 | ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق ، باللطف علينا في المسيح يسوع |
8 | لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالإيمان ، وذلك ليس منكم . هو عطية الله |
9 | ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد |
10 | لأننا نحن عمله ، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة ، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها |
11 | لذلك اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلا في الجسد ، المدعوين غرلة من المدعو ختانا مصنوعا باليد في الجسد |
12 | أنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح ، أجنبيين عن رعوية إسرائيل ، وغرباء عن عهود الموعد ، لا رجاء لكم ، وبلا إله في العالم |
13 | ولكن الآن في المسيح يسوع ، أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين ، صرتم قريبين بدم المسيح |
14 | لأنه هو سلامنا ، الذي جعل الاثنين واحدا ، ونقض حائط السياج المتوسط |
15 | أي العداوة . مبطلا بجسده ناموس الوصايا في فرائض ، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانا واحدا جديدا ، صانعا سلاما |
16 | ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب ، قاتلا العداوة به |
17 | فجاء وبشركم بسلام ، أنتم البعيدين والقريبين |
18 | لأن به لنا كلينا قدوما في روح واحد إلى الآب |
19 | فلستم إذا بعد غرباء ونزلا ، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله |
20 | مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية |
21 | الذي فيه كل البناء مركبا معا ، ينمو هيكلا مقدسا في الرب |
22 | الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا ، مسكنا لله في الروح |
نعمة ربنا يسوع المسيح فلتكن معكم ومعي، يا آبائي وأخوتي،
آمين.
الكاثوليكون
فصل من رسالة 1 لمعلمنا يوحنا .
بركته تكون مع جميعنا،
آمين.
1 يوحنا 2 : 12 - 17
الفصل 2
12 | أكتب إليكم أيها الأولاد ، لأنه قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه |
13 | أكتب إليكم أيها الآباء ، لأنكم قد عرفتم الذي من البدء . أكتب إليكم أيها الأحداث ، لأنكم قد غلبتم الشرير . أكتب إليكم أيها الأولاد ، لأنكم قد عرفتم الآب |
14 | كتبت إليكم أيها الآباء ، لأنكم قد عرفتم الذي من البدء . كتبت إليكم أيها الأحداث ، لأنكم أقوياء ، وكلمة الله ثابتة فيكم ، وقد غلبتم الشرير |
15 | لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم . إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب |
16 | لأن كل ما في العالم : شهوة الجسد ، وشهوة العيون ، وتعظم المعيشة ، ليس من الآب بل من العالم |
17 | والعالم يمضي وشهوته ، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد |
لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم؛ لأن العالم يمضي وشهوته. أما الذي يصنع إرادة الله فيثبت إلى الأبد.
آمين.
الإبركسيس
فصل من اعمال آبائنأ الرسل الأطهار الحواريين المشمولين بنعمة الروح القدس،،
بركتهم تكون معنا. آمين.
اعمال 15 : 12 - 20
الفصل 15
12 | فسكت الجمهور كله . وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم |
13 | وبعدما سكتا أجاب يعقوب قائلا : أيها الرجال الإخوة ، اسمعوني |
14 | سمعان قد أخبر كيف افتقد الله أولا الأمم ليأخذ منهم شعبا على اسمه |
15 | وهذا توافقه أقوال الأنبياء ، كما هو مكتوب |
16 | سأرجع بعد هذا وأبني أيضا خيمة داود الساقطة ، وأبني أيضا ردمها وأقيمها ثانية |
17 | لكي يطلب الباقون من الناس الرب ، وجميع الأمم الذين دعي اسمي عليهم ، يقول الرب ، الصانع هذا كله |
18 | معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله |
19 | لذلك أنا أرى أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم |
20 | بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام ، والزنا ، والمخنوق ، والدم |
لم تزل كلمة الرب تنمو وتعتز وتثبت في كنيسة الله المقدسة.
آمين.
مزمور القداس
من مزامير وتراتيل أبينا داود النبي،
بركته تكون مع جميعنا، آمين.
مزامير 32 : 1 , 5
الفصل 32
1 | لداود . قصيدة . طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته |
5 | أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي . قلت : أعترف للرب بذنبي ، وأنت رفعت أثام خطيتي . سلاه |
مبارك الآتي باسم.
الرب، ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا، يسوع المسيح ابن الله الحي، له المجد من.
الآن وإلى الأبد آمين.
إنجيل القداس
قفوا بخوف أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس.
فصل شريف من بشارة معلمنا متى الإنجيلي
بركته تكون مع جميعنا، آمين.
متى 15 : 32 - 16 : 4
الفصل 15
32 | وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال : إني أشفق على الجمع ، لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون . ولست أريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق |
33 | فقال له تلاميذه : من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار ، حتى يشبع جمعا هذا عدده |
34 | فقال لهم يسوع : كم عندكم من الخبز ؟ فقالوا : سبعة وقليل من صغار السمك |
35 | فأمر الجموع أن يتكئوا على الأرض |
36 | وأخذ السبع خبزات والسمك ، وشكر وكسر وأعطى تلاميذه ، والتلاميذ أعطوا الجمع |
37 | فأكل الجميع وشبعوا . ثم رفعوا ما فضل من الكسر سبعة سلال مملوءة |
38 | والآكلون كانوا أربعة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد |
39 | ثم صرف الجموع وصعد إلى السفينة وجاء إلى تخوم مجدل |
الفصل 16
1 | وجاء إليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه ، فسألوه أن يريهم آية من السماء |
2 | فأجاب وقال لهم : إذا كان المساء قلتم : صحو لأن السماء محمرة |
3 | وفي الصباح : اليوم شتاء لأن السماء محمرة بعبوسة . يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء ، وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون |
4 | جيل شرير فاسق يلتمس آية ، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي . ثم تركهم ومضى |
والمجد لله دائماً أبدياً، آمين.
علي الرغم من كل هذه الإنذارات والضربات الإلهية, لم يرجع يونان. لم يقل أخطأت يارب في هروبي, سأطيع وأذهب إلي نينوي… فضل أن يلقي في البحر ولا يقول أخطأت..!
لم يستعطف الله, لم يعتذر عن هروبه, لم يعد بالذهاب. أن يموت بكرامته دون أن تسقط!! وهكذا ألقوه في البحر…
أما مشيئة الله فكانت لابد أن تنفذ. هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح؟! هيهات, لابد أن تذهب مهما هربت, ومهما غضبت. إن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت, ذهبت أم هربت…
ألقي يونان في البحر, وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان.
يا يونان, صعب عليك أن ترفس مناخس. إن شئت فبقدميك تصل إلي نينوي. وإن لم تصل إلي نينوي. وإن لم تشأ فستصل بالبحر والموج والحوت. بالأمر, إن لم يكن بالقلب.
وفي جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة, ففكر في حاله. إنه في وضع لا هو حياة, ولا هو موت. وعليه أن يتفاهم مع الله, فبدأ يصلي. إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها, وفي نفس الوقت لا يريد أن يبقي في هذا الوضع. فاتخذ موقف العتاب, وقال: دعوت من ضيقي الرب, فاستجابني… لأنك طرحتني في العمق… طردت من أمام عينيك.
من الواضح أن الله لم يضع يونان في الضيق, ولم يطرحه في العمق, ولم يطرده, ولكن خطيئة يونان هي السبب.
هو الذي أوقع نفسه في الضيقة, ثم شكا منها, ونسب تعبه إلي الله.. ولكن النقطة البيضاء هي أنه رجع إلي إيمانه في بطن الحوت. فآمن أن صلاته ستستجاب, وقال للرب أعود أنظر إلي هيكل قدسك آمن أنه حتي لو كان في جوف الحوت, فلابد سيخرج منه ويري هيكل الرب.
أتت هذه الضيقة الكبري بمفعولها, ونجح الحوت في مهمته, والظاهر أن يونان نذر نذرا أنه إذا خرج من جوف الحوت, سيذهب إلي نينوي لأنه قال للرب وهو في جوف الحوت أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك, وأوفي بما نذرته (2:9). أي نذر تراه غير هذا؟! ثم إنه لما قذفه الحوت إلي البر, وصدر إليه أمر الرب ثانية, نفذ نذره, وذهب إلي نينوي…
ولكن الظاهر أنه ذهب بقدميه مضطرا, وليس بقلبه راضيا. ذهب من أجل الطاعة, وليس عن اقتناع.
بلغ الرسالة إلي الناس. ونجحت الرسالة روحيا.. وتاب أهل نينوي وتذللوا أمام الرب, وصاموا, وصلوا. وقبل الرب توبتهم, ولم يهلك المدينة. ورأي النبي أن كلمته قد سقطت, ولم تهلك المدينة فاغتاظ.
وكان غيظ يونان دليلا علي الذاتية التي لم يتخلص منها.
ما كان يجوز إطلاقا أن يغتاظ النبي لخلاص أكثر من 120000 نسمة, قد رجعوا إلي الله بالتوبة وقلب منسحق, لأن الكتاب يقول يكون هناك فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب. لا شك إذن أنه قد كان هناك فرح عظيم جدا في السماء بخلاص أهل نينوي. ولكن يونان لم يشارك في هذا الفرح من أجل ذاتيته. كما أن الابن الأكبر لم يشارك في الفرح برجوع أخيه الصغير وفي الحفل الذي أقيم له لأجل ذاتيته أيضا. (لو15).
في كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله.
ولم يكتف يونان بهذا, بل عاتب الله, وبرر ذاته, وظن أن الحق في جانبه. فصلي إلي الله وقال آه يارب, أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي. لذلك بادرت بالهرب إلي ترشيش, لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم (4:2).
كيف صلي, وهو في تلك الحالة القلبية الخاطئة المغتاظة؟ وكيف تكلم كما لو كان مجنيا عليه وقال آه يارب؟ وكيف ظن الحق في جانبه قائلا أليس هذا كلامي وكيف برر هروبه قائلا لذلك بادرت بالهرب…. لم يقل ذلك في شعور الندم أو الانسحاق, بل شعور من له حق, وقد رضي بالتعب صابرا!.
عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه علي حساب الحق ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة!!
علي أن الله استخدم في علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التي كلفت بمهام صعبة, وأدتها علي أكمل وجه, دون نقاش: الأمواج التي لطمت السفينة حتي كادت تغرق, الحوت الذي بلع يونان, الشمس التي ضربت رأسه فذبل, الدودة التي أكلت اليقطينة…
أما يونان فجلس شرقي المدينة ليري ماذا يحدث فيها. كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان؟!!
وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التي كانت أكثر تنفيذا لمشيئته من هذا النبي العظيم, الذي لم يتركه الرب بل هداه إلي طريقه, بركة صلواته فلتكن مع جميعنا.
إن قصة يونان النبي وتوبة أهل نينوي, إنما تقدم لنا تأملات كثيرة…
لقد دخل شعب نينوي في التاريخ, ولم تكن لهم مظاهر عظمة تدعو إلي ذلك علي الإطلاق…
كانوا شعبا أمميا لا يعرف الله. وكانوا في حالة من الجهل لا يعرفون يمينهم من شمالهم (يون 4:11. وكانوا أيضا خطاة تلزمهم التوبة…
ولكن الذي سجل اسمهم, وخلد صتهم في الكتاب المقدس, هو أنهم تابوا…
وقال عنهم السيد المسيح انهم سيقومون في يوم الدين ويدينون هذا الجيل, لأنهم تابوا بمناداة يونان (متي12: 41).. ومما أعطي توبة أهل نينوي أهمية في التاريخ, أنها كانت توبة جادة وسريعة وقوية. كما أنها شملت الشعب كله من الملك إلي عامة الناس. واستطاعت هذه التوبة أن تكسب رضا الله, بل ودفاعه عن هؤلاء التائبين…
كثيرون سجل التاريخ أسماءهم بسبب أعمال عظيمة قاموا بها, أو بسبب نبوغ أو ذكاء خاص. أو ارتفاع في حياة الروح, أو قدرة علي إتيان المعجزات, أو ما منحهم الله إياه من مواهب…
أما نينوي فنالت شهرتها بالتوبة, نذكر هذه التوبة, لكيما نقتدي بها في حياتنا…
هناك نوعيات من التوبة لا يستطيع التاريخ أن يتجاهلها, وبخاصة إذا كانت تلك التوبة نقطة تحول في الحياة, ولا رجعة فيها. وما بعدها يختلف تماما عن حياة الخطية الأولي..