مقالات مختارة | منى أبوسنة
09.11.2020 05:01
Articles مقالات
منى أبو سنة
مقالات مختارة | منى أبوسنة
Font Size
منى أبو سنة

الإرهاب حتى الآن موضع تناول عسكرى سواء قيل عن هذا التناول العسكرى إنه استباقى أو متزامن مع الإرهاب، وعنوان هذا المقال يشير إلى إمكان تناول الإرهاب تناولًا معرفيًا، ومن هنا يحق لنا التساؤل عما إذا كان سبب الإرهاب هو خلق عقل متعصب، وعما إذا كان هذا العقل المتعصب مكتسبًا أم فطريًا. وأنا أستعير لفظى «مكتسب» و«فطرى» من علم النفس، حيث يقال سلوك مكتسب وسلوك فطرى. أما أنا فأريد أن أنقل هذين المصطلحين إلى العقل، فهل هذه النقلة ممكنة؟. هذا هو السؤال العمدة الذى ينبغى إثارته فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ الحضارة الإنسانية حيث يهدد الإرهاب بفناء كوكب الأرض، خاصة أن ثمة اتجاهًا فى السياسة الدولية يقول بأن التعليم هو المدخل إلى القضاء على الإرهاب، ومن البين أن التعليم على علاقة عضوية بالعقل.

 

أبدأ بتحليل التعصب قبل أن أبدأ بتحليل العقل المتعصب؛ حتى يمكن تحديد العلاقة بين الإرهاب والعقل المتعصب. التعصب - أو بالأدق «الدوجماطيقية»- لفظ مشتق من الـ«دوجما»، وهى تعنى الأمر المطلق، ولا تعنى الحق كما هو شائع، وهى ضد الشك ومع الالتزام بمذهب مغلق، وهى تستند إلى مبادئ لم يتم اختبار صحتها فكريًا أو واقعيًا، وبناءً عليه فإن الشخص الدوجماطيقى أو المتعصب يمارس الحكم السلطوى. والعقل المتعصب هو مجموعة من الدوجمات مستمدة من سلطة خارجية وليس من التفكير الذاتى الأصيل النابع من العقل الذاتى الحر للفرد، ولذلك فإن أفضل تعريف للمتعصب هو ما قاله فولتير، وهو ذلك الذى يكون مستعدًا للقتل من أجل الدفاع عن فكره. والذى يجعل المتعصب هكذا هو اقتناعه التام أنه يقتل باسم شىء أعلى منه وأقوى منه، وهو فى الأغلب إرادة الأمة أو إرادة الله. ومن هذه الزاوية، ومنها وحدها، يمكن القول بأن العقل المتعصب هو عقل أصولى. وحيث إن الإرهاب الحاصل الآن على هذا الكوكب هو إرهاب يستعين بالدين الإسلامى، ويؤوله تأويلًا أصوليًا يقوم على الفهم الحرفى للقرآن ويجرم تأويله، فمن اللازم إذن إضافة سمة الإسلامى إلى العقل الأصولى فيصبح لدينا العقل الأصولى الإسلامى. ولفظ «الأصولى» مشتق من الأصول، أى الأسس، ومعنى ذلك أن الأصولى يزعم أنه يستند فى عملية القتل إلى أسس دينية، أو بالأدق أسس إسلامية، وكتابات الخومينى أقوى دليل على ما نذهب إليه، بالإضافة إلى كتابات على شريعتى منظر الثورة الإسلامية الإيرانية، ومن قبلهما أبو الأعلى المودودى فى باكستان فى السبعينيات، ومن قبل كل هؤلاء سيد قطب منظر تيار الإخوان الأصولى. وكل هؤلاء يلحون على ضرورة التزام العقل بحرفية النص الدينى وبمبدأ السمع والطاعة. وهذه الأسس مستمدة من فكر الفقيه ابن تيمية فى القرن الثالث عشر.

 

وحيث إن التعليم على علاقة عضوية بالعقل، أو بالأدق التعليم هو المدخل إلى تأسيس البنية الذهنية، فإن مجاوزة العقل الدوجماطيقى هى مسؤولية النظام التعليمى فى المقام الأول. ويبقى السؤال الآن: هل المسؤولون عما يسمونه «تحديث التعليم» من خلال «الرقمنة» والاستعانة بالكم الهائل من المعلومات التى تبثها وسائل التكنولوجيا، هل هم على وعى بضرورة القضاء على العقل الدوجماطيقى وتأسيس عقل مفتوح مبدع؟، أم هم يكتفون بميكنة التعليم ويتصورون أنه قادر على تحقيق تلك النقلة من دوجماطيقية العقل إلى الإبداع؟.

 

إذا كان الجواب بالإيجاب، فى هذه الحالة فلا أمل فى تغيير العقل.

 

أما إذا أردنا تغييرًا حقيقيًا، أى تغيير الذهنية، فلا مناص من علمنة التعليم أو بالأدق «علمنة المدرسة»، وتفصيل ذلك فى مقال الدكتور مراد وهبة المنشور بالمصرى اليوم فى 21/10/2020، والذى جاء فيه أن «علمنة المدرسة» مصطلح وارد فى الدستور الجديد الذى سيطرح على الاستفتاء فى الجزائر فى الأول من شهر نوفمبر من هذا العام. وقد أثار هذا القرار اعتراضات كثيرة من قبل القوى الإسلامية الأصولية فى الجزائر، وفى مقدمتها «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» بدعوى أن علمنة المدرسة تؤدى إلى تحييد الدور الأيديولوجى للمدرسة، الذى ينبغى أن يقوم على الأصولية الإسلامية كأيديولوجيا تُحَرم إعمال العقل فى النص الدينى. وهذا يكشف عن الدعوة الخفية وراء تغلغل التيار الأصولى الإخوانى فى التعليم فى مصر، وهو نشر الفكر الدينى الإخوانى باعتباره أيديولوجيا يتأسس عليها العقل المتعصب.

 

ويستطرد د.مراد وهبة فى مقاله فى شرح معنى علمنة التعليم تأسيسًا على تعريفه للعلمانية باعتبارها «التفكير فى النسبى بما هو نسبى، وليس بما هو مطلق»، فيقول إن علمنة المدرسة تعنى تغييرًا جذريًا فى أسلوب تدريس العلوم فى المدرسة يقوم على مفهوم الإبداع باعتباره «قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم»، وفى هذا الإطار يصبح تدريس العلوم محصورًا فى بيان تاريخية النظريات العلمية، أى الظروف التاريخية والاجتماعية التى أبدع فيها العلماء نظرياتهم، وفى هذا السياق يمكن للطالب أن يتمثل تلك التاريخية، مما ينتج عنه توليد وتنمية العقل العلمانى النسبى بديلًا عن العقل المتعصب المطلق التفكير.

 

فإذا كانت ثورة 25 يناير2011 قد جاءت فى أعقاب ثورة تونس وداعمة لها، فعلينا اليوم أن نقتفى أثر المشروع الجزائرى المتمثل فى دستورها الجديد الذى ينص على علمنة التعليم، وذلك لأن العلمانية باعتبارها أسلوبًا للفهم والتفكير، قبل أن تتحول إلى تشريعات وقوانين، هى المضاد الحيوى الذى يمكن أن يقضى على العقل المتعصب الذى يفرز الإرهاب. ومن هذه الزاوية يمكن أن يكون نسق التعليم العلمانى هو صمام الأمان للمجتمع المصرى ضد الفكر الدينى الأصولى، كما أنه يعين عقل المواطن المصرى أن يكون على وعى بمسؤوليته تجاه الوطن والدولة من خلال إدراك العدو الداخلى، وهذا ما يطالب به الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى المواطن المصرى، وهذا يستلزم أن يستطيع المواطن المصرى التمييز بين الدين كإيمان بالقلب والعقل معًا، والفهم الأصولى الإخوانى للدين الذى ينطوى على العنف والإرهاب بالضرورة.

 

وختامًا، أقترح على القائمين على تحديث التعليم فى مصر قراءة مقال الدكتور مراد وهبة «علمنة المدرسة».

 

كلمة أخيرة، إذا كان الرئيس ماكرون رئيس فرنسا قد أدرك أخيرًا أهمية بل ضرورة الاستعانة بفكر الفيلسوف الإسلامى ابن رشد كأساس لإعادة بناء عقل المسلم على منهج عقلانى يقوم على إعمال العقل فى فهم النص القرآنى والحديث النبوى، من خلال قواعد التأويل الذى «يُخرج دلالة اللفظ من المعنى الحقيقى إلى المعنى المجازى» على حد تعريف ابن رشد، فإنه يصبح من الضرورة بمكان أن تتبنى مؤسسة الأزهر، وعلى رأسها فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب، قيادة العالم فى هذا الاتجاه الرشدى العقلانى. وطالما نادى «منتدى ابن رشد» برئاسة د.مراد وهبة بتأسيس «الرشدية العربية»، وأعتقد أن الظرف التاريخى ملائم تمامًا لتحقيق تلك الدعوة بريادة مؤسسة الأزهر.

نقلا عن المصرى اليوم

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.