في إطار احتفالات كنيسة السيدة العذراء مريم بعياد بك في شبرا بنهضه العذراء، استقبلت الكنيسة القمص أنجليوس جرجس والذي ألقى عظة بعنوان “العذراء في حياتنا”.

وجاء في العظة:

نحن نعيش فترة مفرحة من طقوس الكنيسة، وهي فترة الصوم، الذي نصومه بشفاعة العذراء، وباسم العذراء، ولكني أقول دائماً أن صلواتنا وأصوامنا هي عبادة لله، ولكننا نتشفع بالقديسين، والعذراء هي أعظم من في البشر، وهي تشفع فينا بصورة قوية جداً، كما رأينا في علاقتها بالسيد المسيح، والعذراء في حياتنا لها مكانة ليست فقط على مستوى عاطفي أننا نحبها كشخص، وأنها تشفع فينا أيضاً على مستوى كنسي، فنحن نراها هي الشجرة التي خرجت منها ثمرة الحياة التي أعطتنا دواء الخلود، ولذلك فنحن نطوبها، وتطويبها هو أمر كتابي، فمن الذي لا يطوب العذراء، ولا يمجدها، ولا يضعها في صورة عظيمة، هو بذلك يخالف أوامر الكنيسة، فقد قالت: “هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني” (لو 48:1)
يقول القديس كيرلس الكبير: ( نمجد العذراء مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدسة).

وتسابيح الفرح مرتبطة بالعذراء، ونحن نري في العذراء صورة الكنيسة، لأن المسيح حينما جاء ليتحد بالبشرية، وحينما حل الروح القدس حسب قول الملاك في أحشاء العذراء، وحل اللوغوس الكلمة في أحشائها، صار في داخلها، وصارت تحمله، ثم حينما ولد السيد المسيح وتجسد وفدانا وقام من الأموات، صرنا نستطيع نحن أيضاً أن نحمله في داخلنا، مثلما قال القديس مار أغناطيوس في القرن الثاني: ( أن المسيحي حامل الإله “ثيؤفوروس”).

العذراء مصاحبة لكل شئ في الكنيسة، ومصاحبة لكل شئ في حياتنا، ففي كل الأمور الإيمانية التي نؤمن بها، نجد العذراء لها دور.
نحن في إيماننا نطوب العذراء، ونرفض كل من يرفض تطويبها وتمجيدها مثل البروتستانت، وذلك نتيجة أفكار كثيرة تسللت إلي الكنائس الأوربية في الغرب بداية من القرن الـ 14، كانوا يرفضون كل ما هو مقدس، فقد رفضوا أيضاً القديسين، ورفضوا الشفاعة.

ولا نعطي العذراء صورة إلهية مثل بعض الهرطقات التي ظهرت في الكنيسة الكاثوليكية مؤخراً، بداية من القرن الـ 16، فقد وضعوها شريكة للعرش الإلهي، وشريكة للخلاص، وذلك نتيجة تغلغل بعض الأفكار الوثنية، والأفكار الفلسفة المرتبطة بأفكار شرق آسيا، وأفكار عبادة النجوم، فقد دخلت عبادة الآلهة الوثنية إلى الكنائس الغربية في القرون المتأخرة، ووضعوا العذراء في صورة من صور آلهة الوثنيين.

ولكن في كنيستنا القبطية هي في كل عقائدنا، فحينما بشرها الملاك فٌتحت أعيننا علي صورة السماء الجديدة، ورأينا في بشارة الملاك ما يؤكد الثالوث “الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، لذلك المولود منك يدعي إبن الله” (لو 35:1)
فالروح القدس الذي يحل، وقوة العلي: الآب، والمولود منك: هو الابن
وكذلك نرى سر التجسد ” المولود منك يدعي ابن الله”
ولهذا دافعت الكنيسة بكل قوة عن لفظ “ثيؤطوكوس” وكان هذا اللفظ هو صورة من صور الإيمان الذي أجتمع فيه آباء مجمع أفسس الأول لكي يقرر لقب (والدة الإله).

نحن نرى في كل أمور الكنيسة العذراء موجودة، حتي في الصليب، وحينما نتكلم عن الشفاعة نتكلم عن العذراء (عرس قانا الجليل)، وحينما نذكر القيامة نذكر العذراء أنها ذهبت أيضاً إلى القبر، وبشروا بالقيامة، وفي وقت حلول الروح القدس كانت موجودة في وسط الكنيسة، مصاحبة لطقوسنا، وفي شهر كيهك نرتل تماجيد للتجسد، وفيها نمجد العذراء.

وفي القداس الإلهي، نذكر العذراء في مواضع كثيرة:
ـ في صلاة الصلح، نتذكر أن الصلح تم بالتجسد، ونطلب بعدها (بشفاعات والدة الإله القديسة مريم) لأن منها جاء الذي بدمه، صار الصلح بين الأرضيين والسمائيين.

ـ وفي كل دورة بخور، والبخور بحسب ما رأي القديس يوحنا الرائي أن البخور الذي يصعد إلي السماء هو صلوات القديسين، فتسبح الكنيسة في كل دورة بخور جزء عن العذراء.

ـ ففي دورة البولس تقال الهيتنات، وأولها شفاعة العذراء.
ـ دورة الإبركسيس: يقال لحن شيري/ السلام للعذراء.
ـ وفي كل صلاة من صلوات الأجبية، تضع الكنيسة قطعة تطلب شفاعة العذراء، لأننا وجدنا أن طلباتها عند المسيح، هي طلبة لا تُرد.

العذراء أيضاً مصاحبة لتاريخنا، سواء تاريخنا القومي المصري، فقد جاءت العائلة المقدسة إلى مصر، والأيقونة الخالدة هي والدة الإله تحمل الطفل يسوع، وتطوف في كل أراضي مصر، وتباركها.

وأثناء خدمتي في كنيسة أبي سرجة مصر القديمة، كنت أصر أن يكون عيد دخول السيد المسيح أرض مصر عيد قومي، ليس فقط كنسي، وكنت ولا أزال أطالب في مقالاتي في الأهرام أن يكون هذا العيد هو عيد قومي، وليس كنسي فقط، لأنه لا توجد بلد أخدت هذة البركة في العالم كله، لأن السيد المسيح أختار أرضنا على وجه الخصوص، وكانت العذراء تبارك كل الأماكن في مصر.

وهي مصاحبة لتاريخنا أيضاً، ومصاحبة لهمومنا كأبناء لها، حتي إنه حينما صارت الهزيمة في 1967م وكان الشعب المصري يتألم جداً، وكنا نشعر بنوع من أنواع اليأس، ظهرت في الزيتون، وظلت شهور تبارك الشعب.

وهي مصاحبة لنا في ضيقاتنا، أثناء معجزة نقل جبل المقطم، كان المصريون مهددون بالفناء، حينما أراد أحد الوزراء اليهود الذين أسلموا في عهد الأخشيدي، ثم جعله المعز لدين الله الفاطمي وزيراً وهو (يعقوب بن كلس) وقد كان يكره الأقباط، وأثناء تواجده في محضر الخليفة قال: أن الأقباط لديهم آيه “إن كان لكم إيمان مثل حبة خردل تقولون لهذا الجبل أنتقل من ههنا فينتقل” (مت 20:17) وأقباط مصر إما أن يكون عندهم إيمان لينقلوا جبل، أو ليس لهم إيمان فيكونوا كفرة ويموتوا.
فأستحضر الخليفة البابا إبرام بن زرعة، وسأله إما أن تنقل الجبل أو سأصدر أمر بقتلكم.

وظل الأنبا إبرام هو وكل الشعب القبطي يصومون ويصلون لمدة ثلاثة أيام، وطلب من كل الأديرة والكنائس أن تصلي، حتي ظهرت له السيدة العذراء، وأعلمته أن يذهب إلي شخص يدعي سمعان الخراز، بصلاته سينقل الله الجبل، وبالفعل حدثت المعجزة.

هي موجودة في كل ضيقاتنا، هي شفيعة قوية ، من منا لم يتشفع بالعذراء، من فينا لا يشعر أنها أمه.
حتي في العهد القديم لها وجود “هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانوئيل” (إش 14:7) ويقول عنها سفر النشيد: “أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم” (نش 12:4) .

والعذراء في حياتنا كلها حينما نذكرها نشعر بفرح وقوة، لذلك في فترة صوم العذراء، تقدم كل الكنائس تسابيح ونهضات، وتكون الكنائس كلها فرحه، ولكن الأهم أن تكون بيوتنا أيضاً كنائس، وكل بيت في صوم العذراء يقدم لها تمجيد، فأرواح القديسين موجودة في وسطنا، فيجب علي كل واحد منا اليوم أن يضع أيقونة للعذراء وأمامها شمعة، ويجمع بيته ويطلب شفاعة العذراء من أجل العالم المضطرب، ومن أجل الكنيسة أن يحافظ الله علي إيمانها وعلي وجودها، وأن يطلب أيضاً من أجل كل المتضايقين، وأن تنتهي الحروب، حينما نصلي جميعاً صلاة واحدة تنفتح السماء، ونتأكد تماماً أن شفاعتها وصلاتها مقبولة.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد أمين