بقلم خالد منتصر
جدد الخطاب الدينى فى أى قضية وأى شىء من الممكن أن يغفر لك رجال الدين، إلا قضية المرأة عموماً والحجاب خصوصاً، فدونها -كما يقولون- خرط القتاد ومرارة الحصرم وإراقة الدم على الجوانب!، لذلك كانت العاصفة والبركان والهياج والثورة على الكاتب شريف الشوباشى، الذى نادى بخلع الحجاب فى سطرين على الفيس بوك فقامت القيامة، صارت معركة وثارت قبيلة، فضحت تلك المعركة عورات العقل المصرى وتشوهاته النفسية، وكان لا بد من توثيقها ليخرج لنا هذا الكتاب صغير الحجم كبير القيمة نداء عاجل إلى نساء مصر،
الصادر عن دار العين، الذى كنت أتمنى أن يكون عنوانه معركتى مع الحجاب، لأنه يتناول ويركز على تلك القضية تحديداً، التى كان بوست الفيس بوك شرارتها الأولى وحجرها الصغير الذى حرك المياه الراكدة، الشوباشى كاتب متمرد ضمن طابور طويل من كتيبة الاستنارة المصرية التى كانت المرأة المصرية همها الأول ورقمها الصعب ومعادلة التغيير المضنية، لأنها ببساطة لوحة التنشين السهلة التى يصوب إليها المجتمع كل سهام العُقد والكبت والكلاكيع وأمراضه النفسية المزمنة وتفسيراته الدينية المدمنة، معركة شريف الشوباشى مختلفة عمن سبقوه من كتاب ورواد ومفكرين، لأن ميدانها الأول أفرزته وسائل التواصل الاجتماعى، وهى الاختراع الحديث الذى استغله -للأسف- المصريون والمسلمون أسوأ استخدام، لذلك كان من أهم فصول الكتاب الفصل التوثيقى لتعليقات الفيس بوك على نداء الشوباشى لنساء مصر بخلع الحجاب،
غطاء بلاعة الصرف الصحى قد تم رفعه، لتخرج كل هوام الأرض بعفن السباب والقذارة تحت شعار نحن ندافع عن الله والدين!!، ولا أعرف كيف يستقيم هذا مع ذاك؟!، وكيف يتوافق الضمير والإيمان مع التطاول وقلة الأدب والتهديدات بالقتل والاغتيالات المعنوية، التى قادت الكاتب إلى مقاطعات من الأصدقاء وشبه عزلة أحياناً عن نشاطات المجتمع، كشف لنا الكتاب عن عورات عقلية ونفسية للمجتمع المصرى والثقافة الإسلامية، منها التلذذ بالقمع والقهر واستعذابهما، خاصة من المرأة!!، إنها عقدة ستوكهولم، المرأة تدافع عن جلادها وقيودها، المجتمع كاره للمنطق، عدوانى ضد العقل، فاشى تجاه الآخر، من فرط إحساسه بالدونية يغتال التحضّر، الشوباشى لم يكتب لأنها طقت فى دماغه، أو لركوب موجة، أو للموضة، أو حباً فى الفرنجة، إنه فعلاً ابن ثقافة فرنسية، ويتقن لغتها، لكنه قبل ذلك ابن مصر الستينات، عاش فى كلية الآداب مع زميلات فى زمن لم يعرف التحرش رغم الملابس القصيرة، وعدم ارتداء الحجاب، فقد كانت الزميلة فى الكلية هى شياكة عقل وشياكة زى وليست قطعة لحم، ابن جيل الاستنارة والتفتح على العالم وثقافاته، وهذا سر حماسه ودهشته وصدمته ومرارته وحزنه وغضبه،
فالحجاب لم يكن قطعة قماش، لكنه باكيدج أفكار وحزمة مفاهيم، استطاع الإخوان زرعها فى عقل ووجدان المرأة بعد هزيمة 1967، فكرة أنها عورة وشيطان ومصدر غواية ومفهوم أنها نجاسة وخطيئة ومركز شهوة، باختصار شطب إنسانية وإلغاء هوية، تلك الفكرة هى الجسر الذى عبر عليه الإخوان لاستعمار واستحمار المصريين، فضح الكتاب النخبة التى تصرح فى العلن بغير ما تقوله فى السر، وتهرب من المعارك الاجتماعية الدينية، إيثاراً للسلامة وهرباً من وجع الدماغ، وقد قابل المؤلف منهم الكثير ممن تركوه عارى الصدر بلا درع فى معركة تكسير عظام من ضباع جائعة. الكتاب ليس مجرد توثيق لمعركة، لكنه إطلالة على خريطة العقل المصرى التى احتلت بخرافات وأوهام جعلت مصر تتقهقر حضارياً وتتكلس وجدانياً، بعد أن كانت مركز الجمال والبهجة ومنارة العقل والحكمة.