تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مثل هذا اليوم 17 من الشهر المبارك طوبة بتذكار القديسين الجليلين مكسيموس وأخيه دوماديوس .
كان أبوهما “الندينيانوس” ملك الروم رجلا خائف الله قويم المعتقد ، فرزقه هذين القديسين، وكانا منذ صغرهما مثل الملائكة قي الطهر والقداسة ، ملازمين الصلاة ومطالعة الكتب المقدسة .
ولما تحقق لهما زوال هذا العالم وكل مجده ، قررا تركه وعزما علي العيشة الرهبانية ، فطلبا من أبيهما ان يسمح لهما بالذهاب إلى مدينة نيقية ، ليصليا في مكان اجتماع المجمع المقدس المسكوني الاول ، الذي انعقد سنة 325 م ، ففرح أبوهما وأرسل معهما حاشية من الجند والخدم كعادة أولاد الملوك . ولما وصلا أمرا الجند ان يرجعوا إلى أبيهما ويقولوا له انهما يريدان ان يمكثا هناك أياما .
ثم كشفا أفكارهما لأحد الرهبان القديسين من انهما يريدان لباس الإسكيم المقدس . فلم يوافقهما علي ذلك خوفا من أبيهما ، وأشار عليهما ان يذهبا إليه وظلا عنده حتى تنيح .
وكان قبل نياحته قد البسهما شكل الرهبنة ، وعرفهما بأنه رأي في رؤيا الليل القديس مقاريوس وهو يقول له أوص ولديك ان يأتيا إلى بعد نياحتك ويصيرا لي بنينا . ثم قال لهما : أنني كنت اشتهي ان انظر هذا القديس بالجسد ، ولكنني قد رايته بالروح . فبعد نياحتي امضيا إليه بسلام .
وقد انعم الله عليهما بموهبة شفاء المرضي ، وشاع ذكرهما في تلك البلاد وخصوصا بين التجار والمسافرين ، وتعلما صناعة شراع ( قلوع ) السفن. فكانا يقتاتان بثمن ما يبيعان منها ويتصدقان علي الفقراء والمساكين بما يفضل عنهما . وذات يوم رأي أحد حجاب أبيهما شراع إحدى السفن مكتوبا عليه ” مكسيموس ودوماديوس ” ، فاستفسر من صاحب السفينة فقال له : هذا اسم أخوين راهبين ، كتبته علي سفينتي تبركا ، لكي ينجح الله تجارتي .
ثم أوضح له أوصافهما بقوله ، ان أحدهما قد تكاملت لحيته والأخر لم يلتح بعد ، فعرفهما الحاجب واخذ الرجل وأحضره أمام الملك . ولما تحقق منه الأمر أرسل إليهما والدتهما والأميرة أختهما . فلما تقابلتا بالقديسين وعرفتاهما بكتا كثيرا . ورغبت أمهما ان يعودا معها فلم يقبلا، وطيبا قلب والدتهما وأختهما . وبعد ذلك بقليل تنيح بطريرك رومية ، فتذكروا القديس مكسيموس ليقيموه بدلا عنه . ففرح والده بذلك . ولما وصل هذا الخبر إلى القديس مكسيموس وأخيه ، تذكرا وصية أبيهما الانبا أغابيوس ، فغير الاثنان شكلهما ، وقصدا طريق البحر الأبيض. وكانا إذا عطشا يبدل الله لهما الماء المالح بماء عذب، وتعبا كثيرا من السير حتى أدمت أرجلهما، فناما علي الجبل وقد أعياهما التعب ، فأرسل الله لهما قوة حملتهما إلى برية الاسقيط ، حيث القديس مقاريوس، وعرفاه انهما يريدان السكني عنده . ولما أراهما من ذوي التنعم ، ظن انهما لا يستطيعان الإقامة في البرية لشظف العيشة فيها . فأجاباه قائلين : ان كنا لا نقدر يا أبانا فأننا نعود إلى حيث جئنا . فعلمهما ضفر الخوص ثم عاونهما في بناء مغارة لهما . وعرفهما بمن يبيع لهما عمل أيديهما ويأتيهما بالخبز . فأقاما علي هذه الحال ثلاث سنوات ، لم يجتمعا بأحد ، وكانا يدخلان الكنيسة لتناول الأسرار الإلهية وهما صامتين ، فتعجب القديس مقاريوس لانقطاعهما عنه كل هذه المدة ، وصلي طالبا من الله ان يكشف له أمرهما وجاء إلى مغارتهما حيث بات تلك الليلة . فلما استيقظ في نصف الليل كعادته للصلاة ، رأي القديسين قائمين يصليان ، وشعاع من النور صاعدا من أفواهها إلى السماء ، والشياطين حولهما مثل الذباب ، وملاك الرب يطردهم عنهما بسيف من نار . فلما كان الغد البسهما الإسكيم المقدس وانصرف قائلا : صليا عني فضربا له مطانية وهما صامتين . ولما اكملا سعيهما وأراد الرب ان ينقلهما من أحزان هذا العالم الزائل . مرض القديس مكسيموس فأرسل إلى القديس مقاريوس يرجوه الحضور . فلما أتي إليه وجده محموما فعزاه وطيب قلبه . وتطلع القديس مقاريوس وإذا جماعة من الأنبياء والقديسين ويوحنا المعمدان وقسطنطين الملك جميعهم قائمين حول القديس إلى ان اسلم روحه الطاهرة بمجد وكرامة . فبكي القديس مقاريوس وقال : طوباك يا مكسيموس .
أما القديس دوماديوس فكان يبكي بكاء مرا ، وسال القديس مقاريوس ان يطلب عنه إلى السيد المسيح لكي يلحقه بأخيه . وبعد ثلاثة ايام مرض هو ايضا ، وعلم القديس مقاريوس فذهب إليه لزيارته . فيما هو في طرقه رأي جماعة القديسين الذين كانوا قد حملوا نفس أخيه ، حاملين نفس القديس دوماديوس وصاعدين بها إلى السماء . فلما آتي إلى المغارة وجده قد تنيح ، فوضعه مع أخيه الذي كانت نياحته في الرابع عشر من هذا الشهر . وأمر ان يدعي الدير علي اسمهما فدعي دير البراموس نسبة إليهما ، وهكذا يدعي إلى اليوم .