
هدد تنظيم داعش الإرهابي باستهداف الأقباط في مصر، وسط تصاعد في وتيرة الهجمات التي ينفذها التنظيم في شمال سيناء بحق شخصيات مسيحية، فيما أكدت مصادر أمنية لـ الحياة أن أجهزة الأمن تضع مسألة استهداف الأقباط نصب أعينها، وهناك بالفعل تعزيزات أمنية جرت للمنشآت القبطية للحيلولة دون تكرار استهدافها.
وكان داعش نشر تسجيلاً مصوّراً، مساء أول من أمس، تبنى فيه حادث تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية الذي وقع أواخر العام الماضي وتسبب في سقوط 29 قتيلاً من المصلين داخل الكنيسة. لكن التنظيم لم يكتفِ بتبني الحادث، لكنه توعد الأقباط في مصر الذين يستحوذون، كما قال، على 40 في المئة من الاقتصاد المصري، ويتربع ثلاثة منهم على رأس قائمة أغنياء مصر (عائلة ساويرس)، ويمتلكون المنابر الإعلامية ويحظون بدعم دولي، بمزيد من الهجمات. وظهر في التسجيل المصوّر رجل يرتدي اللباس العسكري، لُقّب بـ أبو يحيى المصري وخلفه مبنى بدا مهدماً، وهو يدعو أنصار داعش إلى استهداف الأقباط، عارضاً قائمة بشركات مصرية يملكها أقباط. وأشار المتحدث في الفيديو إلى أن الأقباط لهم تواجد أيضاً في الجهاز القضائي ويصدرون أحكاماً مشددة ضد الإسلاميين، وذكر بالاسم القاضي إميل حبشي عبدالمسيح (رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية)، والذي كان عاقب بالإعدام 14 من أعضاء التنظيم في سيناء في شأن تفجيرات وقعت في العريش عام 2011.
وبعدما أعاد الفيديو عرض لقطات لعملية ذبح استهدفت أقباطاً مصريين على أيدي عناصر داعش في ليبيا، عاود أبو يحيى المصري الظهور متحدثاً عن دعم الأقباط للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وبعدها أورد الفيديو مشاهد من تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية (شرق القاهرة) قبل أسابيع، ثم ظهر شخص ملثّم يحمل سلاحاً ولُقّب بـ أبو الزبير المصري، مكرراً التهديد باستهداف الأقباط، ومتوجّهاً إلى أنصار التنظيم الذين عجزوا عن النفير إلى دولة الإسلام (في سورية والعراق) ... ها هو سوق الجهاد قد فُتح لكم. وتضمن الفيديو ما قال إنها وصية أبو عبدالله المصري (منفّذ حادث البطرسية)، حيث ظهر رجل ملثّم ويحمل سلاحاً آلياً وسط منطقة أحراش، موجهاً حديثة إلى أنصار التنظيم في العراق والشام واليمن وليبيا وأفريقيا وفي سيناء داعياً إياهم إلى الثبات، قبل أن يشجّع المسلحين إلى تحرير الإرهابيين المعتقلين في السجون المصرية.
ورأى وكيل جهاز أمن الدولة السابق العميد خالد عكاشة من جانبه، أن نشر الفيديو لم يأتِ بجديد سوى بعض التفصيلات. فاستهداف الأقباط موجود في أدبيات داعش في شكل واضح وهم أعلنوا ذلك طوال الوقت، مشيراً إلى أن التنظيم المتشدد نفّذ عمليات ضد الأقباط طيلة مسيرته، وحتى قبل أن تعلن جماعة أنصار بيت المقدس ولاءها لداعش، نفّذت تفجيراً لكنيسة في مدينة رفح، وقتلت كاهناً ومواطناً قبطياً، وفجّرت سيارة تابعة للكنيسة في العريش، ناهيك عن أحداث استهداف المنشآت القبطية بعد فض اعتصامي الإخوان في رابعة والنهضة العام 2013. ولفت إلى أن الفيديو يبدو منسجماً مع ما يرتكبه داعش في سورية والعراق باستهداف الأقليات والمخالفين في الدين ... هذا منهجهم، وهم سعوا طوال الوقت إلى تصدير مساحة رعب إلى الغير أياً كان انتماؤه.
وقال عكاشة لـ الحياة: مقطع الفيديو يوضح للرأي العام ومن شكك في الرواية الرسمية، أن خلية داعشية نفّذت بالفعل حادث التفجير في الكنيسة البطرسية. لكنه استبعد تصاعد الهجمات ضد الأقباط، قائلاً: الأمر سيسير بالوتيرة نفسها على الأرجح .. الأقباط طوال الوقت مستهدفون. هو مقطع دعائي يعوّض غياب التنظيم عن الساحة خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن الدولة أيضاً نفّذت بالفعل تكثيفاً لإجراءاتها الأمنية تجاه المنشآت والتجمعات القبطية.
لكن الناشط القبطي القريب من الكنيسة نجيب جبرائيل دعا في المقابل إلى عدم الاستهانة بتحريض داعش على الأقباط، وأخذ الأمر بمحمل الجد، منبّهاً إلى أن داعش عندما يهدد ينفّذ بعدها عمليات، مشيراً إلى أن التنظيم في سيناء استهدف بالفعل خلال الأسبوعين الماضيين عدداً من الشخصيات المسيحية و بينهم كاهن، ورأى أن داعش يصفّي الآن حساباته مع المسيحيين لوقوفهم مع الثورة (التي أطاحت الرئيس المعزول محمد مرسي). وقال جبرائيل لـ الحياة: على السلطات المصرية أن تأخذ هذا التهديد مأخذ الجد وتكفل الحماية للأقباط المصريين، مشيراً إلى أنه في أعقاب حادث البطرسية كثّفت السلطات المصرية بالفعل من إجراءاتها التأمينية لكل الشخصيات العامة القبطية باستثناء بطريرك الأقباط (البابا تواضروس الثاني) الذي لم تعيّن له حراسات.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي تطرق خلال لقائه في القاهرة أمس نائب رئيس البرلمان الألماني يوهانيس زينغهامر، إلى عرض جهود الدولة في التنمية وترسيخ مفهوم المواطنة وتعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر، فضلاً عن مكافحة الإرهاب والتصدي للتطرف من خلال تبني منهج شامل لا يستند إلى التدابير الأمنية وحدها، بل يشمل تصويب الخطاب الديني وتنقيته مما علق به من أفكار مغلوطة تُنافي صحيح الدين. ودعا السيسي إلى تطوير التعاون بين مصر وألمانيا في مجال مكافحة الإرهاب، وتفعيل التعاون مع المؤسسات الدينية المصرية، وفي مقدمها الأزهر الشريف، من أجل مواجهة الفكر المتطرف والفتاوى المنحرفة.
ونقل البيان الرئاسي عن نائب رئيس البرلمان الألماني تأكيده على ما تمثّله مصر من دعامة رئيسة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.