بقلم الأنبا موسى
يمر الشباب بثلاث مراحل:
1- المرحلة الثانوية: ويسميها علماء التربية مرحلة الذات، حيث ينضج الشباب جسديًا، ويدخل إلى الرجولة (والفتاة تدخل إلى الأنوثة)، ومن هنا تتضخم الذات وتنمو، فيصير حساساً لأى إساءة أو إهانة، كما يشعر بأنه قادر على أن يتخذ قراراته وحده، دون تدخل أسرته، وربما متأثرًا بأصدقائه. ونحن نحب أن نسميها مرحلة تكوين الشخصية، أى أن نساعد المراهق على تكوين شخصيته بحيث:
- تشبع روحيًا. - تستنير فكريًا. - تنضبط نفسيًا. - تصح جسديًا. - تنجح اجتماعيًا.
لهذا يجب أن نقدم لهذه المرحلة نشاطات عديدة: روحية، وثقافية، وترفيهية، واجتماعية، حتى تتكامل شخصيته فى كل زواياها.
2- المرحلة الجامعية: ويسميها علماء التربية مرحلة الصداقة الوثيقة، ففيها يتعرف الشباب إلى أصدقاء من الجنسين. وفترة الدراسة الجامعية أطول من الدراسة بالمرحلة الثانوية، وفيها اختلاط وانطلاق واستقلالية عن الأسرة... إلخ.
وهذا يعطيهم فرصة تكوين صداقات وثيقة مع آخرين، فى دور العبادة والجامعة. وربما يفكر الشباب فى اختيار شريك الحياة فى هذه المرحلة المبكرة، ونحن دائمًا ننصحهم بأن يجتازوا مرحلة الجنسية الغيرية العامة (تحت العشرين)، أى الاهتمام بالجنس الآخر بصورة عامة، ينتقل بعدها الشباب إلى الجنسية الغيرية الأحادية، أى النضج اللازم لكى يختار شريك الحياة.. وهذه المرحلة تبدأ بعد العشرين. ومن واجب دور العبادة والمجتمع تقديم دراسات لهذه المرحلة حول التعامل السليم مع الجنس الآخر، وحول النضج اللازم للارتباط، الاستعداد السليم للزواج.
3- مرحلة الخريجين: (من20 - 40) ويدعوها علماء التربية مرحلة الخصوبة، إذ فيها يتم الزواج (الخصوبة الجسدية وإنجاب الأطفال)، وينمو الشباب فى الدراسة (الخصوبة العلمية والنجاح فى الماجستير والدكتوراه)، كما ينمو أيضًا فى العمل (النجاح العملى والتقدم فى الكادر الوظيفى)، وكذلك الخصوبة الروحية، إذ ينضج الشباب روحيًا، وفى هذه المرحلة قد يصير له دور فى النشاطات الخدمية، أو يتم التفرع الكامل للخدمة... إلخ. ودور الكنيسة والمسجد هو أن تجهز الخريجين والخريجات للحياة العملية والمجتمعية، بقضاياها وإيجابياتها ومشكلاتها اليومية، وأن تساعدهم فى تنمية دخلهم المادى، وتجهزهم لعقد زيجات جيدة، وتكوين أسرات ناجحة.
■ ■ ■
من هذا كله تتضح أهمية تكوين شخصيات متكاملة قادرة على التفاعل مع الداخل الإنسانى بعواطفه وغرائزه وعاداته وحاجاته، وكذلك مع الخارج الإنسانى: فى الأسرة، ودور العبادة، والصداقة، والمجتمع، وهكذا نعدهم لتكوين أسرٍ ناجحة.
فما هى أبعاد الشخصية المتكاملة؟ وكيف نقتنيها؟
■ ■ ■
أولاً- أبعاد الشخصية المتكاملة:
فى الشخصية الإنسانية 5 مكونات هى:
1- جسد.. يتحرك. 2- نفس.. تحسّ وتشعر. 3- عقل.. يفكر. 4- روح.. تصلى. 5- علاقات.. تُصنع.
ومن المهم أن تتكون لدينا شخصيات متكاملة، سماتها كما يلى:
1- روح شبعانة بالتدين. 2- ذهن مستنير بالثقافة. 3- نفس منضبطة بالاجتهاد. 4- جسد صحيح: بالسلوك المستقيم، والغذاء والدواء. 5- علاقات ناجحة.
ويجب أن تتكامل الشخصية، أى أن تتواجد فيها هذه العناصر الخمسة. ويجب أيضاً أن تتناسق الشخصية؛ بحيث لا يطغى عنصر على العناصر الأخرى. فلا يصح للإنسان المتدين أن يهمل جسده؛ فيتركه للذبول والمرض، ولا للإنسان المفكر أن يهمل الرياضة والترويح... إلخ.
يجب أن تشبع كل العناصر الخمسة بطريقة متناسقة. كذلك يجب أن تبدع الشخصية بنعمة الله والاجتهاد الإنسانى، فيكون لها حضورها ودورها فى المجتمع الأسرى والدينى والعام... ويجب أن تشع الأسرة نورها الداخلى، من خلال التعاملات اليومية، فتصير نورًا، وملحًا، ورسالة حية، معروفة ومقروءة من جميع الناس، رائحة زكية يفرح بلقائها كل من يتعرف عليها، بسبب الله العامل فيها، فالمطلوب إذن هو:
1- التكامل: حضور كل العناصر الخمسة فى الشخصية الإنسانية. 2- التناسق: لا يطغى عنصر على العناصر الأخرى.
3- الإبداع: تكون الشخصية حاضرة ومؤثرة ومبتكرة. 4- الإشعاع: يكون للإنسان دور فى الأسرة ودور العبادة والمجتمع.
ثانيًا- كيف نقتنى الشخصية المتكاملة؟
1- الروح الشبعانة: التى تشبع بالإلهيات. والتدين يكون من خلال:
أ- شركة الصلاة. ب- الاجتماعات الدينية. ج- دراسة الكتب المقدسة. د- القراءات الدينية. هـ- الصلوات المستمرة.
فمن خلال هذه الوسائط تشبع الروح الإنسانية بالإلهيات، وينطبق عليها قول سليمان الحكيم: اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ (أم 7:27)، أى أنها تكون قادرة على رفض عسل الخطيئة، وبخاصة أنه عسل مسموم!
2- الذهن المستنير: وأذهاننا تستنير بثلاثة مصادر:
أ- الثقافة الدينية: فدراسة وقراءة الكتب المقدسة تنير الفكر، وتقدس الكيان الإنسانى، حيث يتعرف الشباب على أبعاد الحياة المتدينة ومصادرها.
ب- الثقافة العامة: حيث دراسة التاريخ، والسياسة، والاقتصاد، وعلم النفس والتربية وعلم الاجتماع، والفلسفة... إلخ، كمعرفة عامة، ويستحسن أن يتخصص الشاب فى واحدة منها.
ومن خلال هذه الثقافة الثنائية (الدينية والعامة) يستنير ذهن الشباب، فيميزون بين الغث والسمين!.
■ ■ ■
3- النفس المنضبطة: والنفس عبارة عن خمسة مكونات، وهى:
أ- الحاجات النفسية: كالحاجة إلى الأمن، والحب، والانتماء، والخصوصية، والمرجعية، وتحقيق الذات.
ب- الغرائز: كالجوع والعطش والخوف وحب الحياة والجنس والأمومة والأبوة وحب الاستطلاع وحب الزيارات... إلخ.
ج- العواطف: نحو أشياء أو أشخاص أو صفات معينة.. ينفعل بها الإنسان، ويتكرر الانفعال، فيثبت ويتحول إلى عاطفة.
د- العادات: إذ يكرر الشباب أمرًا ما، فيصير عادة، سواء كانت إيجابية أو سلبية. وقديمًا قالوا: الشخصية مجموعة عادات تمشى على قدمين!
هـ- الاتجاهات: أى ما فى أعماق الإنسان من توجهات معينة سائدة، تظهر فى حياته اليومية: كالاهتمام بالصلاة والدراسات الدينية وخدمة الآخربن، أو- بالعكس- الاهتمام بالمادة أو الذات أو اللذات.
والشخصية السليمة تتكون بعمل الله فينا وبالاجتهاد الإنسانى- هذه النفس بمكوناتها- فتقودها حسنا، فى تغليب للروح على الجسد، وعمل الله على الروح الإنسانية.
وهكذا يقود الإنسان (بروحه وبعقله) الغرائز والحاجات النفسية، وكذلك العواطف والعادات والاتجاهات، مختارًا منها جميعًا ما يبنيه، ورافضًا ما يهدمه!
4- الجسد الصحيح: ولا يكون صحيحًا إلا بالرياضة والنوم الكافى والاهتمام الصحى، أما ما يفسد الجسد، فيبتعد عنه الشباب ابتعادًا عن حية مهلكة، وذلك مثل:
أ- تدخين السجائر: الذى يدمر الرئتين بالسرطان، والقلب بالأمراض.
- المخدرات: التى تدمر خلايا المخ والحياة كلها.
- الخمور: التى تدمر الكبد والمثانة بالسرطان.
- النجاسة: التى تدمر الإنسان كله بالأمراض المنقولة جنسيًا، كالإيدز، والهربس، والكالاميديا، والزهرى، والسيلان... إلخ.
فما أحوج شبابنا إلى أنشطة دينية وترويحية ورياضية وكشفية، تساعده فى تكوين جسد صحيح، وتبعده عن السلبيات المدمرة التى ذكرناها.
5- العلاقات الناجحة: وهى علامة مهمة من علامات نضوج الشخصية، ويسمونها Social Fittness، حيث ينجح الإنسان فى تكوين علاقات جيدة فى الأسرة ومكان العبادة والمجتمع، وتكون له صداقات جيدة بناءة، وحضور مجتمعى ناجح، فيسهم فى تكوين مجموعات ناجحة، وتكون له عضوية ناجحة فى الأحزاب والنقابات، والاتحادات الطلاب، مقدمًا الصورة المثالية البناءة، التى يقتدى بها الآخرون، شاهدًا لإلهه القدوس: فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ (مت 16:5).
إن السلبية والانعزالية والانسحاب من المجتمع وعدم الإسهام فى النشاطات المجتمعية والجمعيات والمنتديات العامة- أمور لا تشهد لإلهنا، بل تجلب لنا النقد، فالإنسان كائن اجتماعى متفاعل، والنجاح الاجتماعى شهادة للنجاح الدينى.
■ ■ ■
لهذا يحتاج الجيل الرقمى المعاصر إلى تقديم خدمات وأنشطة تتناسب مع الاحتياجات السابقة لدى شبابنا المبارك، وهذا معناه برنامج عمل ضخم، يجب أن ترعاه أماكن العبادة، ويسهم فيه الشباب أنفسهم بأكبر قدر من المسؤولية: فى التفكير والابتكار والإعداد والتنفيذ والمتابعة والتقييم، حتى يندمجوا بتفاعلهم هذا فى أسراتهم ودور العبادة والمجالات المجتمعية ويصيروا شهودًا أمناءَ لعمل الله فيهم.
* أسقف الشباب
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية