مصر وإعادة إعمار غزة.. ما وراء القصد
06.03.2025 07:43
اهم اخبار العالم World News
الدستور
مصر وإعادة إعمار غزة.. ما وراء القصد
حجم الخط
الدستور

لم يكن اجتماع القمة العربية الطارئة في القاهرة مجرد مناسبة دبلوماسية للتعبير عن الدعم للقضية الفلسطينية، بل كان محطة شهدت إقرار خطة مصرية طموحة للتعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزة، على نحو يتجاوز مجرد إعادة بناء ما دمرته الحرب، إلى وضع تصور استراتيجي لمستقبل القطاع وسكانه.

جوهر الخطة يرتكز على تأهيل قطاع غزة لاستيعاب 3 ملايين نسمة بحلول 2030، بكثافة سكانية معقولة، وتوفير نصف مليون فرصة عمل في قطاعات حيوية كالإسكان والصناعة والسياحة والزراعة والصيد. لا يتوقف الأمر عند الأرقام، بل يمتد إلى فلسفة إعادة الإعمار ذاتها، التي تستند إلى تجارب عالمية تاريخية، من هيروشيما وبرلين إلى بيروت بعد الحرب الأهلية، لتؤكد أن لا شيء مستحيلا، وأن حجم الدمار ليس ذريعة لتكريس الأمر الواقع، بل دافعا لإعادة البناء على أسس أكثر صلابة واستدامة.

التحديات السياسية والإدارية

لخطة لا تتجاهل السياق السياسي المعقد، بل تعترف به وتسعى للتعامل معه بواقعية. فهناك لجنة إدارية مقترحة من التكنوقراط لإدارة القطاع لمدة ستة أشهر، بالتوازي مع تدريب كوادر للشرطة الفلسطينية، مع إشارة ضمنية إلى ضرورة معالجة مسألة تعدد الجهات المسلحة داخل القطاع. لكن هذه المعالجة تأتي ضمن تصور سياسي أكبر، لا ينحصر في نزع السلاح، وإنما يربطه بعملية سياسية حقيقية تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وفق ضمانات واضحة، وليس مجرد إملاءات أحادية الجانب.

الأرقام التي تتضمنها الخطة بشأن الوضع الإنساني في القطاع تعكس حجم المأساة بوضوح: 47 ألف شهيد، بينهم 13 ألف طفل و7 آلاف امرأة، و110 آلاف جريح، و1.9 مليون نازح، فضلًا عن خسائر مادية تقدر بـ30 مليار دولار. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل حقائق دامغة ترسم صورة كارثية لا يمكن تجاهلها.

لا تنفصل عملية إعادة الإعمار عن السياق السياسي والأمني، وهو ما تعكسه الخطة المصرية بوضوح. هناك إدراك عميق بأن غزة ليست مجرد مشروع عمراني، بل ملف سياسي بامتياز. لهذا السبب، تطرح الخطة تشكيل لجنة من التكنوقراط لإدارة القطاع لمدة ستة أشهر، إلى جانب تدريب الشرطة الفلسطينية بالتعاون مع الأردن، تمهيدًا لنشر قوات أمنية مدربة، وبالتوازي، الدعوة إلى نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية وفق جدول زمني واضح، وصولًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

لكن السؤال الأبرز الذي يطرحه هذا السياق: ماذا عن فصائل المقاومة وسلاحها؟ هنا، تطرح الخطة مقاربة ذكية، لا تتعجل الحديث عن نزع السلاح بمعزل عن حل سياسي شامل. ربطُ هذه المسألة بعملية سلام تفضي إلى الدولة الفلسطينية، هو موقف يتسق مع المصالح العربية، ويقطع الطريق على أي محاولات للقفز على الحقوق الفلسطينية، أو فرض حلول جزئية تُبقي غزة في دائرة اللا حل.

الجانب الإنساني في الخطة، يضع الأرقام في سياقها الحقيقي. أكثر من 47 ألف شهيد، بينهم 13 ألف طفل و7 آلاف امرأة، وما يزيد على 110 آلاف جريح، ومليون و900 ألف نازح، يعيشون في مأساة إنسانية غير مسبوقة، بينما تُقدَّر الخسائر المادية بـ30 مليار دولار، في قطاع يكاد يفقد كل مقومات الحياة من كهرباء ومياه وأمن غذائي.

الإسكان المؤقت.. بديل التهجير

تضع الخطة الإسكان المؤقت في مقدمة أولوياتها، عبر تحديد سبعة مواقع موزعة على طول محور صلاح الدين، تستوعب مجتمعة نحو 1.2 مليون نسمة، مع تصميم مدروس يضمن توفير الخدمات الأساسية، مثل المدارس والمراكز الصحية والأسواق ونقاط الأمن. هذه الرؤية تهدف إلى منع تفريغ الشمال الغزاوي، الذي تعرض لمحاولات إسرائيلية واضحة لخفض كثافته السكانية وفرض واقع ديموغرافي جديد.

الخطة تنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية:

التعافي المبكر (6 أشهر – 3 مليارات دولار): إزالة الركام، تجهيز مناطق الإسكان المؤقت، ترميم 60 ألف وحدة سكنية متضررة جزئيًا.

المرحلة الأولى (عامان – 20 مليار دولار): بناء 200 ألف وحدة سكنية، استصلاح 20 ألف فدان للزراعة، دون التوسع في المباني الخدمية.

المرحلة الثانية (سنتان ونصف – 30 مليار دولار): إنشاء 200 ألف وحدة سكنية أخرى، استكمال البنية الخدمية، إنشاء ميناءين (تجاري وصيد)، مطار، وطريق كورنيش بطول 10 كم.

 

هيليست مجرد خطة إعمار، بل هي رؤية سياسية وإنسانية لمستقبل غزة، تتجاوز محاولات كسر إرادة الفلسطينيين عبر الدمار والتشريد. الخطة تضع غزة على طريق جديد، أشبه بما جرى في مدن دُمِّرت بالكامل، مثل هيروشيما وبرلين وبيروت، لكنها استطاعت أن تنهض من تحت الركام، وتتحول إلى مراكز حيوية. المقارنة هنا ليست مجرد إشارة تاريخية، بل رسالة واضحة، بأن ما تحاول إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الترويج له بشأن استحالة الإعمار، ليس سوى محاولة أخرى لتكريس واقع الدمار واليأس في القطاع لإجبار أهله على الرحيل، فالقصد الصهيوني هو تصفية القضية الفلسطينية مرة واحدة وللأبد

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.