قال الانبا نيقولا أنطونيو، متحدث كنيسة الروم الأرثوذكس في مصر، في تدوينة منذ قليل عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: إن الصوم تهذيب وليس تعذيب للجسد. فالمرضى جسدهم مُهذب بالمرض، كذلك كبار السن جسدهم مهذب بالوهن. وهؤلاء ليس عليهم فروض الصوم كالأصحاء حتى لا يكون الصوم تعذيب لجسدهم المُهذب بالمرض وبسنين العمر.
فعلى الكهنة ورعاة الشعب المؤمن في رعاياهم، خاصة صغار السن منهم وكذلك الذين يمارسون الصوم الرهباني، أن يكونوا رحماء على مثل هؤلاء ويضعوا أمام أعينهم قول يسوع المسيح:
فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ" (متى 7:12)..في هذا يقول القديس ثيوفانوس الناسك الحبيس: "تسألينني إذا كان بإمكان أحد المرضى أن يشرب الحليب في فترة الصيام. لا الحليب فقط بل سائر الأطعمة الملائمة له يستطيع أن يتناولها، طالما أن حالته الصحية تتطلب ذلك".
كما أن على الأُسر التي لديها أطفال أن يكونوا رحماء بأطفالهم، بأن يشجعونهم على الصوم لفترات تناسب أعمارهم ونموهم الجسدي.
شبه أباء الكنيسة رحلة الصوم المقدسة بالنسر في ارتفاعه إلى السماء. فالنسر يستخدم جناحيه للارتفاع، كما يستخدم ذيله لتصحيح مسارة. وبدون هذه الثلاثة لن يرتفع إلى السماء.
لذلك رأوا أن أحد جناحيه هو "الصوم"، وجناحه الآخر هي "الصلاة"، وذيله هو "أعمال الرحمة". وبدون هذه الثلاثة مجتمعة لن يرتفع المؤمنون في رحلة صومهم إلى السماء. وهذه الثلاثة معًا هي واجبة على كل مؤمن. "صَالِحَةٌ الصَّلاَةُ مَعَ الصَّوْمِ، وَالصَّدَقَةُ خَيْرٌ مِنِ ادِّخَارِ كُنُوزِ الذَّهَبِ"
فـ"الصوم" في جوهرة ليس الامتناع عن أكل بعض المأكولات. بل هو عودة إلى حالة الإنسان الأولى (حالة آدم وحواء) بالعيش في الفردوس والاغتذاء من عشب الأرض بالقرب من الله الذي يُنير عليه، واللذين (آدم وحواء ومعهم نحن) لم يشعرا بعريهما إلا بعد مخالفتهما لوصية الله "بعدم الأكل" من شجرة معرفة الخير والشر. فالصوم هو حالة روحية تقرب المؤمن الصائم من الله، وذلك بالتذلل أمام الله والرجوع إليه بطلب المغفرة؛ لأن الله قريب من البشر الذين ليس أحد منهم بدون خطيئة وينتظر رجوعهم إليه. "الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ"
و"الصلاة" في جوهرها هي ليس طلبات مادية وطلبات أرضية، وكأن الله لا يعرف حاجة الإنسان ويعطيه ما هو فيه خَيْرَه. بل، الصلاة، هي تمجيد الله، وتواضع أمامه، وطلب رحمته، وشكره على كل وهبنا من عطايا إن كان صحة أو رزق أو بنون أو خيرًا وغيرهم. "لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ"
و"أعمال الرحمة" في جوهرها هي موجه إلى الله في وجه إخوتنا الذين في ضيق، وليس من أجل طلب تمجيد الآخرين لنا أو تمجيد أنفسنا. فمن يُطعم جائع فهو يُطعم يسوع نفسه، ومن يسقي عطشان فهو يسقي يسوع نفسه، ومن يأوي غريب فهو يأوي يسوع نفسه، ومن يزور مريض فهو يزور يسوع نفسه، ومن يفتقد محبوس فهو يفتقد يسوع نفسه. وذلك كما أوضح لنا يسوع المسيح نفسه، مبينًا لنا أن هذه الأعمال التي نفعلها للآخرين إنما هي مفعولة له، وذلك بقوله: "أَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ... بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ"
الصوم الأربعيني المقدس في أديرة الروم الأرثوذكس
في أحد مرفع اللحم تقام سهرانية. بعد الانتهاء من خدمة الساعة التاسعة تُرتل ترانيم القيامة ثم صلاة الغروب وبعدها صلاة السهرانية والقداس الإلهي للأحد. ذلك أن مَن من الرهبان لن يتسنى له أن يكون حيًا حتى عيد الفصح يكون قد شارك في الابتهاج بالعيد.
ويوم الإثنين التالي لأحد مرفع الجبن يطلق عليه "إثنين الراهب". ويصوم فيه المؤمنين الأرثوذكس صيام إنقطاعي حتى الغروب تشبهًا بالرهبان. وفي بلاد مثل اليونان وقبرص وروسيا وغيرهم تعطل فيه جميع الأعمال، أي أنه يوم عطلة.
أما الرهبان ففي الثلاث الأيام الأولى من هذا الأسبوع يكون صومهم صوم إنقطاعي بدون طعام ولا ماء، ولا ترتب فيها مائدة للطعام. أما الذين لهم ظروف صحية خاصة فيسمح لهم بالأكل في قلاياتهم ويكون طعامهم نيء بدون تعرضه للنار وبدون زيت، مثل الفول السوداني غير المحمص والزيتون جاف والبلح المجفف وما هو مثلهم.
بانتهاء هذه الثلاثة أيام للصوم الانقطاعي، في غروب يوم الأربعاء يتناول الرهبان القرابين الإلهية في خدمة صلاة القدسات السابق تقديسها. ثم يسمح ترتب مائدة للطعام وذلك لمن قطع صيامه ويكون طعام صيامي نباتي ولمرة واحدة في اليوم بعد صلاة الغروب، ويكون هذا حتى انتهاء الصوم.
بعد هذه الثلاث أيام الصوم الانقطاعي يسمح لبعض الرهبان، بسماح من أبيهم الروحي، بأن يواصلوا هذا الصوم الانقطاعي مدة سبعة أيام، أي حتى يوم الأحد الجديد أحد الأرثوذكسية. وبعد ذلك يمارسوا الصوم المسموح فيه بأكل طعام صيامي نباتي ولمرة واحدة في اليوم بعد صلاة الغروب. وهؤلاء يطلق عليهم "الأسبوعيون".