أكد معهد الدراسات الأمنية، الذي يتخذ من جنوب إفريقيا مقرا له، أن التكامل الإقليمي هو المفتاح لرفاهية إفريقيا وتقدمها، فإنشاء مجتمع اقتصادي قاري يضمن حرية تداول السلع والخدمات وحركة الأفراد من شأنه أن يساعد في مواجهة التحديات التنموية للقارة ومن ثم يحقق طموحات وآمال رؤية 2063 للاتحاد الإفريقي، وعليه يمكن القول بأن حرية الحركة تتجه في مسار مواز للتجارة.
وأشار المعهد في تقرير له، إلى أن إفريقيا في أمّس الحاجة لسياسات ونظم وممارسات بهدف التقليل من قيود حرية الحركة، وتشجع على التجارة الإقليمية وتطور من الاستراتيجيات المشتركة، في الوقت الذي تسير فيه إفريقيا على مسار تحقيق التجارة الحرة، مضيفا أن حرية الحركة للأفراد مازالت متأخرة.
وأضاف أنه في عام 2018، تبنى قادة دول الاتحاد الإفريقي أداتين مكملتين لبعضهما البعض، الأولى هي اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والثانية هي البروتوكول اللاحق لمعاهدة تأسيس المجموعة الاقتصادية الإفريقية الخاص بحرية حركة الأفراد، وحق الإقامة، وحق التأسيس.
وتمنح العديد من السياسات القارية التقدمية، دعما قويا للأهداف من وراء تلك الأدوات، بما في ذلك إطار سياسة الهجرة لأفريقيا، وسوق النقل الجوي الأفريقي الموحد، واستراتيجية الاتحاد الإفريقي لحوكمة الحدود، بحسب ما جاء في تقرير معهد الدراسات الأمنية الأفريقي.
ويأمل الاتحاد الإفريقي أن يتمكن الأفراد بحلول عام 2023 من التحرك بشكل حر بين الدول الأعضاء، وذلك عن طريق إلغاء تأشيرات الدخول في السفر بين الدول الأفريقية، على سبيل المثال، كما أنه تم تحديد العام القادم كهدف لاستكمال أول مرحلتين من اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية.
وأشار التقرير إلى أنه رغم أن هناك فهما كاملا بأن هذه العناصر تسير مع بعضها البعض سويا، إلا أن معدل المصادقة على هذه الأدوات وتنفيذها مازال غير متجانس.
وتؤكد تقديرات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن الصادرات بين الدول الأفريقية بنهاية عام 2021 توقفت عند 14.4%، وكل من الأونكتاد واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، التابعة للأمم المتحدة، تؤمنان بأن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية من شأنها أن تُحدث تغييرا دراماتيكيا، حيث تتوقع اللجنة أن الاتفاقية قد ترفع معدل الصادرات بنسبة 3%؛ ما يزيد من قيمة التجارة داخل إفريقيا إلى ما بين 15% و25%، أي من 50 إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2040.
وأكد التقرير أن تلك الإحصاءات لا تتضمن التجارة غير الرسمية العابرة للحدود، وهي منتشرة بشكل كبير في أفريقيا، فبالنسبة للدول الهشة والتي تعاني من الصراعات يعد هذا الأمر على درجة من الأهمية، نظرا لأن قنوات التجارة الرسمية قد تتأثر سلبيا، وخاصة في ظل الواقع الذي يؤكد أن التجارة غير الرسمية توفر للتجار سوقا خارج إطار السوق الداخلي المتعثر وغير الناجع.
ونبه إلى أن الهجرة تلعب أيضا دورا حاسما في التكامل الإقليمي لأفريقيا عن طريق إسهامها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل من بلاد المنشأ وبلاد الوجهة، حيث تُظهر الدراسات أن التجارة الثنائية تتزايد بين الدول بسبب وجود العمالة المهاجرة في بلد ما.
ولذلك، يمكن القول إن إقامة جسور من التواصل في مجالات استثمار رأس المال، والعمل الخيري، ونقل المعرفة، ومجتمع الأعمال هي أمور على درجة كبيرة من الأهمية، والعمالة المهاجرة تمثل مصدرا حيويا في هذا الصدد.
ووفقا لتقرير معهد الدراسات الأمنية، فإن الهجرة المنظمة يمكنها أيضا المساهمة في تنمية الدول المضيفة عن طريق توفير الخبرات والمعرفة لها، علاوة على الخدمات التي تحتاجها تلك الدول، والتي توفرها العمالة الماهرة وغير الماهرة.
وعلى الرغم من أن التأثير الإيجابي للهجرة وتوجهات التجارة تميل لصالح الدول المضيفة، إلا أن الخلل في ميزان التجارة لدول المنشأ يمكن تصحيحه من خلال التحويلات المالية والاستثمار المباشر.
وهناك بُعد آخر، وهو أن الدول الأفريقية يتعين عليها، بموجب اتفاقية التجارة الحرة، أن تمنح بعضها البعض نفاذا تقدميا أفضل للخدمات داخل أسواقها، ففي عام 2018 وافقت الدول الأفريقية الأعضاء على خمس خدمات ذات أولوية كبرى كنقطة بداية لعلاقات أقوى، وهي الخدمات المالية، والاتصالات، والنقل، والسياحة، وخدمات الأعمال، وخلال شهر سبتمبر الماضي تقدمت 43 دولة بعروض مبدئية للحصول على تلك الخدمات التجارية.
ويرى معهد الدراسات الأمنية أن أفريقيا تسير على الطريق الصحيح لإنجاز هذا العنصر الأساسي لتلك العملية، وهي توفير الخدمات المتعلقة بالأنشطة التجارية، مشيرا إلى أن آلية الإطار السياسي للهجرة التابعة للاتحاد الإفريقي، وأيضا الموقف المشترك الإفريقي الخاص بالتنمية، يوضحان أن إفريقيا يمكنها إحراز تقدم في مجال التنمية الاقتصادية من خلال إدارة وحوكمة أفضل لقضية الهجرة، وعلى الدول الأعضاء بالاتحاد وأيضا المجموعات الاقتصادية الإقليمية أن تصيغ سياسات لاستغلال الهجرة في إحراز التنمية.
وأكد أنه رغم أن بروتوكول حرية الحركة هو اتفاق قاري، إلا أن حوكمته وتنفيذه بشكل مؤثر هو أمر قومي وإقليمي، وقد شاركت بالفعل عدة دول إفريقية من خلال المجموعات الاقتصادية الإقليمية في إعلانات خاصة بقضية حرية الحركة وتدرك أيضا في الوقت نفسه المسؤولية المترتبة على ذلك، ويجب أن تترجم تلك الاتفاقية لأخذ الواقع الداخلي للدول والاستراتيجيات طويلة الأجل لأفريقيا في الاعتبار ووضعها في السياق الصحيح.
ويشمل ذلك الوسائل التي يتم بها تنفيذ هذه الاتفاقية وإلى أي مدى يمكنها أن تعمل على إقامة نموذج مرن لإفريقيا فيما يختص بالتحرك وأن تدعم الانتقال إلى مفهوم يتجاوز حدود الدول بالقارة.
وبحسب التقرير، تمتد تلك الوسائل لتوفير إطار توحيد السياسات لرقمنة السجلات المدنية؛ ما يساعد بالتالي في تحقيق الطموحات طويلة الأجل في تحويل أفريقيا بالكامل إلى وطن كبير، ولكن مازالت الخطوات في مصادقة وتنفيذ هذا البروتوكول تتسم بالبطء، وأكثر بطئا من خطوات تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة.
ولا تزال الدول الأفريقية على مضض في الموافقة على بروتوكول حرية الحركة مقارنة باتفاقية التجارة الحرة لأربعة أسباب، بحسب تقرير معهد الدراسات الأمنية، أولها المخاوف من الهجرة بأعداد كبيرة من الدول الأقل نموا إلى تلك الأكثر نموا أو ذات الدخول المتوسطة، ولكن هذا الأمر لا يجب أن يصرف الانتباه عن المكاسب التي تحققها الهجرة إلى الدول المضيفة وكيفية توفيرها لفرص العمل للمهاجرين لحياة أفضل، ولا شك أن التطوير التدريجي لسوق المال والعمالة وسياسات الهجرة التي تدعم من دمج المهاجرين هو أمر حيوي بالنسبة للدول الأفريقية.
أما السبب الثاني، فهو أن بعض الدول تنتابها مخاوف حول سيادتها أو أن المهاجرين غير الموثقين وأيضا حرية الحركة قد تجلب معها زعزعة للأمن الداخلي، وعلى الرغم من أن بعض تلك المخاوف ليس لها أساس، إلا أنه لا يجب التغاضي عنها عند تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة.
وثالث الأسباب هو أنه في ظل ما تسبب به فيروس كورونا من أضرار باقتصاديات الدول، اكتسبت النداءات بتفضيل مواطن الدولة على المهاجر زخما كبيرا، وفي الوقت الذي تبشر فيه اتفاقية التجارة الحرة بالانتعاش الاقتصادي من آثار الفيروس وإعادة بناء صمود إفريقيا في مواجهة الأزمات، لا يزال بروتوكول حرية الحركة يمثل عائقا.
أما السبب الرابع، فهو أن الدول تتلقى تشجيعا بالتساهل حول تنظيم الحدود والسيطرة عليها دون هياكل حماية قوية للحدود، فتطوير البنية التحتية الضرورية لضمان حصول الدول الأعضاء على قدر متساو من المكاسب من اتفاقية التجارة الحرة ومن البروتوكول هو أمر مهم للغاية، حيث إن التطرف العنيف والإتجار في البشر وغسيل الأموال تمثل مخاطر للعديد من الدول.
ويرى معهد الدراسات الأمنية أن حرية الحركة بدون إجراءات تنظيمية للتخفيف من حدة المخاطر تمثل تحديا أكثر منها فرصة، ويعد تصميم نظام نشط للهوية الرقمية يتيح للدول تعقب تحركات الأفراد بشكل عالي الكفاءة، أمرا أساسيا.
وشدد على أن اتفاقية التجارة الحرة وبروتوكول حرية الحركة يمثلان مسارا ذا قدرة كبيرة للتنمية على المدى الطويل، والالتزام بتنفيذ هذين الإطارين بالتوازي معا، سوف يكون له مردود اقتصادي ومكاسب تنموية لأفريقيا.
ونبه إلى أن التنافر الحالي بين تبني هاتين الأداتين هو عرض للمرض الذي تعاني منه القارة باستمرار والمتمثل في أزمة تطوير وتنفيذ السياسات.
واختتم المعهد تقريره بأنه يتعين على الدول الإفريقية أن تحشد جهودها على كلتا الجبهتين، ويشمل ذلك الإسراع في المصادقة على لوائح نظام الحركة وتنفيذ السياسات والبروتوكولات الخاصة بالاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية الإقليمية، مؤكدا أن بروتوكول حرية الحركة يعد بداية جيدة لذلك.