حمل الكنيسة القبطية المصرية صفحات سطرت من ذهب في تاريخها الوطني، والدفاع عن الوطن وما قدمته في حرب اكتوبر يسجله التاريخ، سواء من أبطال ضحوا بحياتهم مع أشقائهم في الوطن للدفاع عنه، أو سواء ما قدمته الكنيسة القبطية ورأسها قداسة البابا شنودة الثالث الذي زار الجبهة عدة مرات لتشجيع الجنود.
نشر المؤرخ الكنسي إبرام راجي، المتخصص في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المعاصر، عدد من المحطات لقداسة البابا شنودة، ومنها نشر صورة للبابا الراحل شنودة فى المؤتمر الشعبى الذي عقده بالكاتدرائية المرقسية؛ احتفالًا بالذكرى الأولى لنصر أكتوبر وقام وقتها ظابط بتحية البابا ردًا منه على خطبته الوطنية والتي قرر فيها البابا شنودة أن تدق أجراس الكنائس في سائر أنحاء البلاد بصفة مستمرة لمدة نصف ساعة، اعتباراً من الساعة 2 ظهراً يوم الأحد 6 أكتوبر 1974 وتقام القداسات في هذا اليوم على أرواح الذين استشهدوا في سبيل الدفاع عن الوطن ومصر والمصريين.
شار إلى أن المؤتمر الشعبي حضرة كبار رجال الدولة وكبار الضباط الجيش وأبطال العبور وزوجاتهم، وأمهات وزوجات الشهداء من مسلمين ومسيحيين.
كما قام بنشر صورة نادرة لأول مرة لقداسة البابا شنودة الثالث على الجبهة تفقد خلال الزيارة أحوال جنودنا الأبطال وصلى على قبر الجندي المجهول وشاهد خط بارليف بعد سقوطه.
كما نشر مقال لقداسة البابا بمجلة المصور عام 1973 أيام حرب اكتوبر المجيدة قال خلاله إن الواجب الوقوف مع الدولة والجيش وأن نشترك جميعًا في التضحية وحمل العبء وأن نصلي ليكون الله معنا لأن قوتنا الشخصية ليست كل شئ فان كان الله معنا فمن علينا ونثق أن الله الذي نقلنا من الهزيمة للنصر قادر أن يكمل الطريق حتى نصل إلى النصر الشامل بمعونته الإلهية.
وأوضح أنه في يوم الأحد الموافق 24 مارس 1974م زار قداسة البابا شنودة الثالث بزيارة محافظة السويس وزار كنيسة العذراء مريم وصلى بها، ثم توجه بعد ذلك لزيارة خط بارليف و قبر الجندى المجهول.
وقد استقبل البابا اللواء أحمد بدوي قائد الجيش الثالث ومحافظ السويس وأمين الاتحاد الاشتراكي فكان يوم حافلًا ومجيدًا في تاريخ السويس، ولم يكن يفتقد أولاده الأقباط فقط بل كل المصريين وكان يزور الجرحى ويصلي من أجلهم أقباط ومسلمين.
وفي أيام الحرب، قام قداسة البابا شنودة بعقد اجتماع مع الكهنة والأساقفة في جميع الابروشيات والجمعيات القبطية لحثهم على الإسهام في دعم المجهود الحربي وطلب من كل كنيسة وجمعية تقديم تقرير يومي له عما تقدمه من إعانات.
وبعث قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عدة منشورات إلى الجنود على الجبهة، والشعب المصري ككل في وقت الحرب، كذّب فيها فكرة أن “إسرائيل هي شعب الله المختار”.
المنشور الأول للبابا شنودة الثالث (سيناء مقبرة الإسرائيليين)
“إننا ندافع عن أراضينا، ودفاعا عن الحق، لا شك أن قلوبنا جميعا وأفكارنا وكل مشاعرنا مركّزة فى الحرب التى تخوضها بلادنا دفاعا عن أراضينا، واستردادنا لحقوقنا المسلوبة، ولعلّ أول ما نقوله فى موضوع الحرب، هو أن بلادنا حاليا قد عاشت محبة للسلام طول تاريخها، ولم تدخل الحرب إلا مضطرة ، فقد بذلنا كل جهودنا من أجل حل مشكلتنا حلا سلميا، وصبرنا أكثر من 6 سنوات، نفاوض ونناقش ونعرض الحلول بلا جدوى.
وخلال هذه السنوات كلها كانت إسرائيل معتزة بذاتها، شاعرة أنها فى مركز القوة، رافضة كل حل سلمى، بل كانت لها آمال فى التوسع تزداد يوما بعد يوم، ولعلها كانت تظن أن محبتنا للسلام لون من الضعف أو الخوف، لذلك اضطرت بلادنا أخيرا أن تدافع عن حقها بالقوة، وأن تعمل على استرجاع أراضيها وصيانة كرامتها، وقد قال الكتاب المقدس (إن الملك لا يحمل السيف عبثا) فإننا لا نخوض حربا عدوانية ولا نعتدى على أملاك أحد، بل إننا نحارب داخل أراضينا، دفاعا عنها، لهذا فإن بلادنا تحارب بضمير مستريح، وبقلب نقى، بل إنها كسبت إلى جوارها ضمير العالم، غير المتحيز، المحب للعدل.
إن جنودنا تحارب فى الميدان والله فى السماء يرى ويسمع ويعمل أيضا ،وقد قال الكتاب المقدس إن الحرب للرب والله قادر أن يغلب بالكثير والقليل، ومصر صاحبة التاريخ المجيد الطويل العريق، البلد الذى قال عنه (مبارك شعبى مصر)، كم من غزاة حاربوك وبقيتِ كما أنت مرفوعة الرأس، لم يقو الباطل الذى فيهم على الحق الذى فيك، إننا متفائلون، ونشكر الله أن الضيقات باستمرار تزيدنا قوة، وتجعل صفوفنا أكثر وحدة، وأصلب عودا وأشد إصرارا وعنادًا على الجهاد من أجل الحق.
وفى هذه الأيام، ترى الكنيسة والجامع يعملان بكل قوتهما، من أجل الوطن المفدّى، والشيخ والقس كلاهما يعمل على توعية الشعب وحثّه على التفانى فى خدمة الوطن، إن الحرب جعلت الكل جنودا، ولقد هز قلبى التأييد الروحى والمادى أيضا الذى يقوم به أبناؤنا فى كنائس أمريكا وكندا وأوروبا وأستراليا، وما يجمعونه من تبرعات من أجل مصر”.
كلمة البابا شنودة للجنود على الجبهة
زار البابا شنودة، الجنود على الجبهة أكثر من مرة، مثل زيارته لهم فى 10 أبريل 1972، وألقى كلمة على الجنود، جاء فيها:
أحييكم كواحد منكم، فقد تخرجت فى مدرسة المشاة للضباط الاحتياط سنة 1947، وأمضيت المدّة العسكرية متطوعا، فلم أضطر للدخول وإنما تقدّمت برغبتى متطوعا، لأن العسكرية تعلّم النظام والشجاعة، نحن هذه الأيام نخوض معركة بيننا وبين اليهود، فهم عدونا المشترك، وهم أعداء المسيحية والإسلام، فالمسيحيون والمسلمون يؤمنون أن المسيح قد جاء، أما اليهود فلا يؤمنون، وإنما ينتظرونه من نوع شمشون الجبار، أما عن علاقة اليهود بشبه جزيرة سيناء، فإنها أبدا لم تكن أرض الميعاد، وإنما كانت أرض المتاهة، لقد أراد الله أن يبدد هذا الشعب المتمرد، فأتاهه 40 عاما كاملة، حتى هلك الشعب ولم ينج منه سوى اثنين، لقد تاهوا فى شبه جزيرة سيناء، وضاعوا، ولم تكن أرض ميعاد أو الرضا لليهود، أما فكرة أرض الموعد، فقد انتهت بمجيئ المسيح.
ومضى البابا يحمّس الجنود قائلا: إننا نجاهد من أجل قضية عادلة، ودائما الحرب الدفاعية حرب عادلة، ونحن في مصر فى حرب دفاعية، ولقد أصبح الهجوم دفاعا، والدفاع لا إثم فيه ولا خطيئة، بل هو واجب مقدس، ونحن نفرق بين العمل العام والخاص، فلك أن تتنازل عن حقك الشخصي، أما حق الله وحق الوطن فليس لك أن تتنازل عنه، والسيد المسيح الذي تكلّم عن المحبة باستمرار، قال “لا يوجد حب أعظم من هذا، أن يبذل أحد نفسه عن أحبّائه”، وأنتم هنا تبذلون حياتكم عن أحبائكم وأسركم وعمن تعرفون، تدافعون عن الوطن الذي تقدّست كل حبة رمل فيه.
إن مصر بلاد عظيمة جاء إليها إبراهيم ويوسف الصديق، إن بلادكم عظيمة، والدفاع عنها شرف وواجب، إننا نصلي باستمرار من أجلكم، أن يحفظكم الله، ونرجو أن تنتهى الحرب دون أن نفقد واحدًا منكم، وأشكر قيادتكم على الحلة العسكرية التي أهدتها لي، إننى أفارقكم إلى حين، وصوركم في قلبي، فكل فرد يدعو للجنود البواسل في أثناء الحرب”.