منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي تدفقت آلاف أطنان من المساعدات الإنسانية على مطار العريش الدولي قادمة من معظم أنحاء العالم، وخصوصًا الدول العربية وبعض دول أوروبا وأمريكا اللاتينية، فضلًا عن روسيا والصين، في تأكيد واضح على دعم القضية الفلسطينية ورفض العدوان رغم مرور 100 يوم على الحرب.
وقد واجه دخول هذه المساعدات إعاقة كبيرة في البداية بعد ما رفضت إسرائيل تأمين دخول المساعدات باعتبارها الدولة المحتلة للقطاع، بل قصفت معبر رفح من الجانب الفلسطيني 4 مرات، ما تسبب في أضرار بالغة فيه حالت دون دخول المساعدات، حتى عملت مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة لمدة 48 ساعة متواصلة على إصلاح الأضرار التي لحقت بالمعبر.
وانتقدت الأمم المتحدة قرارات إسرائيل بمنع دخول المساعدات، ووجهت لها اتهامات بتجويع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهي الاتهامات التي رفضتها إسرائيل، وألغى السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة اجتماعه مع أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي زار مصر وتوجه إلى معبر رفح، وانتقد التعنت الإسرائيلي ورفض إدخال المساعدات.
وادعت إسرائيل أن المساعدات تصل إلى حركة حماس، ما دفعها لمنع دخولها في أول أيام الحرب، ثم وافقت على إدخالها بعد ضغوط مصرية وأمريكية كبرى، ومنعت دخول الوقود في البداية لتمارس مصر ضغطًا جديدًا حتى تمكنت من إدخال الوقود اللازم لإبقاء المستشفيات تعمل.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو، تثبت أن الشعب المصري كان يلقي بالمساعدات على النازحين الفلسطينيين بالقرب من معبر رفح.
دعم عربي بقيادة مصر للقضية الفلسطينية
ومع بدء العدوان أعلنت العديد من الدول دعمها لقطاع غزة، وكانت مصر أول المستجيبين من خلال تجهيز وإرسال مئات الشاحنات التي تحمل كل أشكال المساعدات تلتها الكويت والإمارات والسعودية والأردن والمغرب والجزائر، حيث فتحت بعض هذه الدول جسرًا جويًا مفتوحًا بينها وبين مطار العريش الدولي.
وبحسب وسائل الإعلام الدولية، أرسلت الأردن والعراق مساعدات لقطاع غزة عن طريق الإنزال الجوي في الفترة التي منعت إسرائيل فيها إدخال المساعدات.
وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، مارست مصر ضغوطًا كبرى على الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل السماح بإدخال المساعدات، ورفضت إجلاء الرعايا الأجانب بشكل كامل إلا بعد إدخال المساعدات أولًا.
وتابعت أن جهود مصر نجحت في البداية، حيث أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن اتصالات مكثفة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال رحلة عودته من زيارة تل أبيب، ونجح في إقناع الجانب الإسرائيلي بتأمين دخول المساعدات.
وأضافت أن مصر سمحت بإجلاء محدود للأجانب بعد دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع، حيث اشترطت إسرائيل على عدد معين من الشاحنات التي يجب أن تدخل القطاع، بينما اصطفت مئات الشاحنات على جانب معبر رفح في مصر في انتظار دخول المساعدات.
وأوضحت الصحيفة أن مصر أوقفت مرة أخرى إجلاء الرعايا الأجانب بعد ما رفضت إسرائيل دخول المزيد من المساعدات وإجلاء المرضى ممن تتطلب إصابتهم علاجًا خارج القطاع والأطفال الخدج، الذين عانوا من قصف المستشفيات في قطاع غزة وانقطاع التيار الكهربائي عن الحضانات.
وأشارت إلى أن جهود مصر نجحت وتم إجلاء المرضى مقابل خروج الرعايا الأجانب من معبر رفح في مصر.
وعلى جانب آخر، أكدت وكالة الأنباء الفرنسية أن الكويت والإمارات كانتا أكثر الدول إرسالًا للمساعدات، حيث أرسلت الكويت مساعدات قوية تمثلت في المستشفيات الميدانية والعلاج الضروري، كما أقدمت الإمارات على بناء مستشفى ميداني في مدينة رفح من الجانب الفلسطيني.
مساعدات روسية وصينية ودعم سياسي قوي للقضية الفلسطينية
وبحلول شهر نوفمبر الماضي، كانت روسيا قد أرسلت الدفعة الثالثة من المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، حيث قامت الطائرات الخاصة التابعة لوزارة الطوارئ الروسية بتسليم 60 طنًا من المساعدات الإنسانية لمواطني قطاع غزة، وقالت الوزارة، في بيان نقلته وكالة الأنباء الروسية "تاس"، إن طائرات وزارة الطوارئ من طراز إيل- 76 أقلعت من مطار جروزني الدولي إلى جمهورية مصر العربية مطلع شهر نوفمبر.
وأوضحت الوكالة الروسية أن هذه كانت الدفعة الثالثة من المساعدات الإنسانية التي ترسلها روسيا إلى سكان غزة بعد تصاعد الوضع في المنطقة، وفي وقت سابق، قامت طائرات وزارة الطوارئ بتسليم 55 طنًا من البضائع.
وتابعت أن مساعدات روسيا لغزة لم تتوقف على الدعم الإنساني، بل أعلنت دعمها لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات بشكل فوري إلى القطاع ورفع الحصار الإسرائيلي الشامل.
وأفادت وكالة "رويترز" الإخبارية الدولية بأنه بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، أعلنت وكالة التعاون الدولي للتنمية الصينية أن الصين ستقدم مساعدات إنسانية قيمتها 15 مليون يوان (2.05 مليون دولار) لسكان غزة تشمل الغذاء والدواء.
وتابعت أن الصين أدانت العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ورفض الاحتلال تأمين دخول المساعدات للقطاع.
دعم أوروبي للقضية الفلسطينية تحت الضغط الشعبي
ومع بداية الحرب، هدد الاتحاد الأوروبي بقطع المساعدات المالية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو القرار الذي واجه موجة من الغضب الداخلي التي دفعت الاتحاد للتراجع عن قراره.
وأكدت وكالة "رويترز" أن إسبانيا كانت أكثر الدول التي انتقدت إسرائيل منذ بداية الحرب وأعلنت دعمها للقضية الفلسطينية، وبعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، قال خوسيه مانويل ألباريس، القائم بأعمال وزير الخارجية الإسباني، إن إسبانيا ستزيد مساعداتها الإنسانية لقطاع غزة بحزمة قيمتها مليون يورو (1.06 مليون دولار)، وإنها مستعدة لإرسال المزيد.
وتابع ألباريس أن المساعدات يجب أن تصل إلى السكان المدنيين في غزة، وإسبانيا مستعدة وراغبة في المشاركة في الجهود الإنسانية، مضيفًا أن المزيد من المساعدات ستأتي، لأن كل شيء يشير إلى الحاجة لمزيد من المساعدات.
وأضافت الوكالة أن ألمانيا قررت الإفراج عن مساعدات بقيمة 71 مليون يورو (75.80 مليون دولار) في إطار مراجعة مستمرة لدعمها للفلسطينيين، وتعهدت بتقديم 20 مليون يورو إضافية في شكل تمويل جديد، عقب تعليقها المساعدات في أعقاب عملية طوفان الأقصى.
بينما أكدت شبكة "يورو نيوز" الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي بحث زيادة المساعدات الإنسانية للاستجابة للأزمة المستمرة في الشرق الأوسط.
وتابعت أنه خلال شهر ديسمبر، خطط الاتحاد الأوروبي لإطلاق 6 رحلات جوية إنسانية جديدة لتوصيل المساعدات الأساسية إلى المحتاجين في غزة، وبذلك يرتفع إجمالي الإمدادات التي قدمها الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 1000 طن، مع التخطيط لـ30 رحلة جوية على الجسر الجوي حتى الآن.
وأضافت أن هذه الرحلات الجوية الأخيرة ستنقل إمدادات المأوى ومستلزمات النظافة والمعدات الطبية، من بين أشياء أخرى، يقدمها الشركاء في المجال الإنساني بالإضافة إلى تبرعات المساعدات من بلجيكا وأيرلندا وألمانيا واليونان ولوكسمبورغ والبرتغال وسلوفاكيا وإسبانيا وألمانيا.
مساعدات يابانية طارئة لغزة
وبالنسبة لطوكيو، قال وزير الخارجية الياباني، يوكو كاميكاوا، خلال جولة في إسرائيل والأردن مطلع نوفمبر الماضي، إن اليابان ستقدم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 65 مليون دولار (9.7 مليار ين) للفلسطينيين، بسبب القلق بشأن الصراع في غزة، حسبما ذكرت صحيفة "جابان تايمز" اليابانية.
وقال كاميكاوا متحدثًا للصحفيين في الأردن بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، ونظيره الفلسطيني رياض المالكي: "من الضروري أن تتمكن إسرائيل وفلسطين من التعايش بسلام من أجل منع تكرار عمل إرهابي مأساوي آخر".
ضغوط دولية كبرى على إسرائيل لإدخال المساعدات
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن الدعوات تزايدت بصورة كبير للسماح بإدخال المساعدات لقطاع غزة، والسماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع التي عرقلت إسرائيل دخولها.
وتابعت أن العالم مارس كل الضغوط المتاحة على إسرائيل، وخصوصًا الولايات المتحدة والدول العربية، من أجل السماح بإدخال المساعدات والتوقف عن قصف معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني.