لكل أجل كتاب، وإذا جاء أجلهم، دعوات ورجوات أن يرحم الله من مات، ويمنّ بالشفاء على من أصيب في حادثة طبيبات المنيا، ويخفف من وقع الحادثة على الأحباء.
المحادثات المسجلة المحزنة، التي تخلو من الرحمة بين الطبيبات ومسؤولى التدريب المتعنتين، والتشدد المقيت على حتمية الحضور فجرا، للانتقال إلى القاهرة بالميكروباص لتلقى التدريب حسب تعليمات الوزارة، واللى عندها طفل تجيبه، ورفض الأعذار جميعا.. التوسلات من قسوة صقيع الشتاء وضعف الرؤية في الشبورة المائية، لم تشفع عند أصحاب الضمائر الميتة.
وكأنه تدريب بالإكراه، تدريب بالغصب، ما جرى من تعنت فاضح لأوضاع بيروقراطية مأساوية تدير منظومتنا الطبية، أن تجلب طبيبات شابات في ميكروباص على طريق تحفه الأخطار، ما استشعرنه المطلوبات للتدريب، وخشين منه، وأفصحن بالقلق من طائر الموت يرفرف على الطريق، لقد أسمعت لو ناديت حيًا، ولكن لا حياة لمن تنادى.
قلوب قاسية، ونفوس متصحّرة، وضمائر خربة، وتعليمات قراقوشية صارمة، تجمعت الأسباب كلها لتصنع مأساة إنسانية رهيبة هزت الضمير الإنسانى، وخلعت قلوب المجتمع الطبى.. نعم لو تفتح باب الشيطان، والشيطان يكمن في التفاصيل، ولكن الوقائع التي تشى بها مخاوف الطبيبات خشية السفر محزنة، والتصلب والعناد والتهديد بالنقل، والعقوبات المالية والإدارية، كلها كلها رسمت ملامح المشهد الحزين..
فقد عظيم، عد الجروح يا ألم، نعى الوزيرة هالة زايد، وبذل رحلات حج لأولياء الأمور، لن تطيب جرحا نافذا في حشا القلب، ولا الإعانات المالية تعوض فقداً، الضنى غالى، القضاء والقدر واقع لا محالة، اللهم لا اعتراض، ولكن ثابت أن هناك قراقوش في وزارة الصحة يجلب الطبيبات فجرًا ليتلقين تدريبًا إلزاميًا، ولا يراعى ظروفًا مناخية وإنسانية، ويشهر في الوجوه بطاقات حمراء.
حسنًا نفرت الوزيرة لتحريك طواقم طبية على مستوى عال للإحاطة بالكارثة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح، وجبر الكسور وقبلها جبر الخواطر، ولكن من باب أولى أن تنفر إلى تلافى المصائب القادمة، وتآمر كبار موظفيها للتعاطى برحمة وشفقة ومراعاة ظروف الضحايا (للأسف الأطباء صاروا ضحايا قراقوش في الوزارة).
التدريب يصلح في المنيا وأسيوط والمنوفية، كتاب التدريب الإلزامى لم يحدد القاهرة، كان من اليسير إقامة الدورة التدريبية في جامعة المنيا، فركة كعب، ويستوجب مستقبلا أن تتم هذه الدورات في الجامعات والمستشفيات، لماذا جلجبة الأطباء للتدريب مركزيا في القاهرة، تعليمات الوزارة على راسى، ولكن الرحمة فوق التعليمات، قراقوش الوزارة عليه أن يخفف من غلوائه، ليس بالغصب تنجح الدورات، البيروقراطية المهلكة متجسدة في الحادثة، استقيموا يرحمكم الله.