
تصدّر قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أمس، الصفحات الأولى للصحف العالمية ونشرات الأخبار ووسائل الإعلام الدولية، حيث اتهمت الصحف ووسائل الإعلام «ترامب» بالفشل الدبلوماسى والسياسى والتخريب المتعمد للمصالح الأمريكية، بسبب قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، فيما انتقد مسئولون بارزون بـ«البيت الأبيض» القرار، وقالوا -فى بيان- إن «هذا القرار يعرقل عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية». وانتقدت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية إقدام «ترامب» على تهويد القدس، ووصفت ذلك بأنه «يفتح أبواب الجحيم على نفسه»، ونقلت عن صحف ألمانيا وصفها «ترامب» أنه «يلعب بالنار».
وتساءلت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن جدوى خطوة «ترامب»، وقالت إن «مصالحنا الخارجية تتماشى مع مصالح إسرائيل ولكنها ليست متطابقة، ومن شأن السياسة الخارجية الأمريكية أن توازن بين الأمور وأن تحاول الإبقاء على جميع حلفائنا فى بوتقة واحدة، وألا ينطوى ذلك على مخاطر لا لزوم لها لإرضاء أطراف بعينها»، مؤكدة أن مسألة الاعتراف بالقدس تضر بالمصالح الأمريكية أكثر مما تنفعها. وتابعت الصحيفة: «القرار يعطى الدول العربية ألف سبب لتوبيخنا وتجاهلنا وتحدى مصالحنا، وإذا خسرنا على المدى الطويل علاقاتنا مع الدول العربية التى نحتاج إلى تعاونها فى هذه الأيام أكثر من المعتاد فسنكتشف أن هذه الخطوة لها نتائج عكسية على المدى الطويل». وتابعت الصحيفة: «جميع الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة فى أوروبا والشرق الأوسط، بما فى ذلك بريطانيا وفرنسا ومصر والسعودية، قد رفضوا قرار (ترامب) الذى سوف يمثل ضغطاً كبيراً على الأردن، حيث الملك عبدالله الثانى يعتبر نفسه حامياً للأماكن الإسلامية المقدسة فى القدس، ومن المحتمل أن يضعف ذلك القرار التحالف الضمنى بين إسرائيل والدول العربية السنية ضد إيران، حيث ستستغل طهران قضية القدس، كما سيضمن ذلك عدم استجابة القادة الفلسطينيين لمبادرة السلام».
«واشنطن بوست»: الاعتراف يضر بالمصالح الأمريكية.. و«جارديان»: خطأ سياسى.. و«إندبندنت»: يعكس قلة إدراك «ترامب» لقضايا المنطقة
من جهتها، وصفت صحيفة «ذا جارديان» البريطانية قرار الرئيس الأمريكى بـ«الخطأ السياسى». وأشارت إلى أن «توابع قرار ترامب ستؤثر سلباً على الولايات المتحدة»، مضيفة: «خطأ ترامب بالنسبة للقدس هو كارثة للعالم العربى والولايات المتحدة أيضاً.. هذه الخطوة لها عدة تداعيات سلبية على السياسة الأمريكية على المدى البعيد لا يمكن التنبؤ بها.. وبسبب طبيعة الملف الحساسة، فإن هذه مسألة لا يجرؤ أى سياسى فلسطينى أو قائد عربى على التنازل عنها». وقالت إن «قرارات ترامب تقوّض رأى العالم العربى بأسره، ومهما كان القادة والزعماء العرب يحاولون الحفاظ على علاقاتهم مع الولايات المتحدة، فإن الشعوب العربية توافق بالإجماع على دعم الموقف الفلسطينى من القدس، كما أن ردود فعلهم الحتمية على تلك الخطوة سوف تؤثر على المصالح الحيوية الأمريكية فى جميع أنحاء المنطقة». وقالت الصحيفة البريطانية إن «هذا الفشل الدبلوماسى الأخير هو مثال آخر للإدارة الأمريكية يُظهر ازدراءها التام لآراء بقية العالم، حيث لا تعترف أى دولة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهناك اتفاق عام فى الآراء على أنه كان يجب التوصل إلى تسوية لحل الأزمة الفلسطينية، ومن الصعب الآن أن نرى كيف يمكن التوصل إلى اتفاق فلسطينى- إسرائيلى مستدام، كما أن قرار ترامب سيكون له جرح غائر فى السياسة الأمريكية لأجل طويل فى سجل العلاقات الدبلوماسية، وسيزيد من تقليص مكانة الولايات المتحدة». وقال أستاذ الدراسات العربية بجامعة «كولومبيا» الأمريكية، لـ«جارديان»: «سيكون هناك عدة تداعيات سلبية من المستحيل التنبؤ بها».
فى الوقت ذاته، قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن «قرار دونالد ترامب يعكس مدى قلة إدراكه لقضايا منطقة الشرق الأوسط.. لقد أثبت ترامب تفهُّمه الضعيف لطبيعة منطقة الشرق الأوسط مع قراره بالقدس، فقد كان من المفترض أن يكون الحوار الودى الذى كان يحتفظ به جاريد كوشنر صهر ترامب، وولى العهد السعودى محمد بن سلمان، له تأثير على عملية السلام المخطط لها، خاصة أن القدس ليست مهمة للفلسطينيين وحدهم بل مهمة للعالم العربى كله». وقالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن «الاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل هو استفزاز لا معنى له»، وأضافت: «نقل السفارة الأمريكية هناك هو عمل تخريبى دبلوماسى، والأمر الأكثر غرابة هو احتمال عدم استفادة أحد من ذلك، على الأقل من المهتمين بعملية السلام ولا حتى (ترامب) نفسه، فقد توحد الجميع ضده تقريباً، بما فى ذلك أقرب حلفائه فى المنطقة، وأثار الغضب بين المسلمين، ووفّر الوقود للمتطرفين». ووصفت «فاينانشال تايمز» قرار «ترامب» بأنه «يمثل انقلاباً على عقود من السياسة الخارجية الأمريكية وتحدياً لتحذيرات حلفاء الولايات المتحدة». وتابعت الصحيفة، فى افتتاحيتها، أن «القرار يمثل خطوة رمزية كبيرة يخاطب بها (ترامب) أنصاره وما سمته بـ(الجهات المانحة الرئيسية) له خلال حملته الانتخابية، كما أن مستشارى «ترامب» وصفوا قراره بأنه اعتراف حتمى بالأمر الواقع». وأشارت الصحيفة إلى أنه «رغم أن إسرائيل تعتبر القدس عاصمة موحدة لها، وتطالب بالسيادة على المدينة بأكملها، فإن المجتمع الدولى ينظر إلى القدس الشرقية على أنها أرض محتلة ويعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم المستقبلية، كما أنه لا يوجد لأى دولة سفارة فى القدس، ودائماً كان موقف المجتمع الدولى منذ فترة طويلة هو أن وضع القدس يجب أن تحدده محادثات السلام».
«فاينانشيال تايمز»: عمل تخريبى دبلوماسى.. وصحف ألمانية: الرئيس الأمريكى «يلعب بالنار»
من جانبها، أبرزت صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية، أمس، دعوة وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون، إلى تدخل عسكرى بريطانى فى مناطق الحرب فى الشرق الأوسط. ونقل الكاتب البريطانى بيتر فوستر مقتطفات من خطاب ألقاه «جونسون» عقب ما سماه «فوستر» «تصاعد التوتر فى الشرق الأوسط بعد قرار (ترامب) الاستفزازى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما أثار تساؤلات فى أوروبا حول الدور الأوسع للولايات المتحدة فى المنطقة». وقال «جونسون» فى خطابه: «يجب على بريطانيا التحلى بالجرأة الكافية للعودة إلى بعض مناطق الصراع الأكثر تعقيداً فى العالم فى الشرق الأوسط لتجنب عقود من الإرهاب وعدم الاستقرار».