"أصابع إسرائيل" في "القُفاز الإثيوبي".. "أحفاد أبرهة" ثالث أقوى جيوش إفريقيا بدعم "تل أبيب" السري
14.01.2017 18:34
Middle East News انباء الشرق الاوسط
Font Size

"في سبيل شعور الدول بالأمان قد تتحالف مع الشيطان، ونظير مواجهة مخاوفها قد تتبع أفكاره".. على نهج هذه الفرضية سارت العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل، لتترك ورائها حالة من التوجس المصري تجاه "الأصابع الإسرائيلية" في "القُفاز الإثيوبي".

لم تكتف إسرائيل بإشعال فتيل الحروب في المنطقة العربية، بل استغلت النزاعات الإريترية، والمناوشات الصومالية في توطيد علاقاتها مع أديس أبابا، وإمدادها بكمية كبيرة من الأسلحة، لتأجيج منطقة القرن الإفريقي، التي بدت وكأنها سابحة فوق "برميل بارود" على وشك الانفجار.

حدد موقع "جلوبال باور فاير" المتخصص في الشئون العسكرية 40 عنصرًا في تصنيفه لجيوش العالم، ليحتل الجيش الإثيوبي المركز الثالث إفريقيا وفقا لهذا التصنيف بعد مصر والجزائر.

الدولة الإفريقية التي يقترب عدد سكانها من 100 مليون نسمة، يضم جيشها 185 ألف شخص، ويصل إلى سن التجنيد مليونا نسمة سنويا.

يحتل الجيش الإثيوبي المرتبة 42 على مستوى العالم، بقوة 2300 دبابة، و800 مركبة، و183 صاروخ متعدد الإطلاق، و80 طائرة، و33 هليكوبتر، وقد تنوعت مصادر تسليحه بين عدد من دول العالم، أبرزها إسرائيل.

لم يكن التسليح الإسرائيلي لإثيوبيا وليد اللحظة، ولا أمرًا فرضته "الغيوم" التي ملأت "سماء" العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، ولكنها علاقة ممتدة منذ ستينيات القرن الماضي.

سيظل تاريخ 15 مايو 1948، ذكرى أليمة في حياة العرب، حين أعلنت إسرائيل اغتصاب أرض فلسطين التاريخية، وإعلان قيام الدولة العبرية، لتعيش تل أبيب بعدها في شبه عُزلة، دعت إليها دول عربية وإسلامية، ودول عُرفت فيما بعد بـ"دول عدم الانحياز".

فرض التهميش العربي والإفريقي على تل أبيب التفكير في أسلوب جديد، تستطيع من خلاله النفاد إلى الدول العربية والإفريقية، التي وطنت نفسها بجوارهم، إلى أمد يبدو أنه سيطول.

لم تجد إسرائيل سبيلًا لكسر عزلتها، إلا بكتابة فصول في أبواب المساعدات للدول الفقيرة، واستخدام أسلوب "طرق الأبواب" عبر تقديم المساعدات الإسرائيلية للأفارقة دون قيود، لتحتل إثيوبيا رأس قائمة الدول التي تود تل أبيب تقديم المساعدات لها.

نظرة إسرائيل إلى إثيوبيا لم تكن فقط لاعتقاد تل أبيب أن دعم أديس أبابا، سيضعف قدرة مصر ودول الخليج على بسط سيطرتهم على البحر الأحمر وباب المندب، الذي يمثل المنفذ الجنوبي للموانئ الإسرائيلية، ولكن أيضا نظرا لاستقرار الإثيوبيين الذين رفضوا حركات المد التنصيري بها واعتنقوا اليهودية، بما يعد امتدادا لهم في تلك الأرض.

كانت المساعدات العسكرية أولى المنح التي طرقت بها إسرائيل أبواب إثيوبيا؛ لتحقيق رؤيتها بوجود حليف إستراتيجي لها على البحر الأحمر، يساعدها في تأمين مضيق باب المندب، واستمرت أديس أبابا في الحصول على "عطايا" تل أبيب، حتى أصبحت إسرائيل واحدة من أكبر موردي المساعدات العسكرية إلى إثيوبيا.

على وتر عمليات التمرد، وتسليح "الميليشيات"، عزفت إسرائيل "لحن البقاء" في إفريقيا، فأوفدت في أوائل الـستينيات عددا من المستشارين؛ لتدريب عدد من المظليين الإثيوبيين، ووحدات مكافحة التمرد التابعة للفرقة الخامسة وتسمى فرقة "Nebelbal" أو "لهب"؛ لمساعدة حكومة أديس أبابا على مواجهة جبهة التحرير الإريترية.

استمر وصول المساعدات العسكرية الإسرائيلية إلى إثيوبيا حتى بعد وصول "مانجستو هيلا مريام" الرئيس الإثيوبي ذو التوجه الماركسي إلى السلطة في عام 1974.

ورغم إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا وإسرائيل، إبان حرب أكتوبر عام 1973، أرسلت تل أبيب قطع غيار وذخيرة للأسلحة المُصنّعة في الولايات المتحدة، وكذلك للطائرات المقاتلة من طراز "F-5" إلى أديس أبابا، وحافظت تل أبيب على تواجد مجموعة من مستشاريها العسكريين في العاصمة الإثيوبية.

تسبب تصريح صحفي في تعكير صفو علاقة تل أبيب بأديس أبابا، بعد اعتراف وزير الخارجية الإسرائيلي "موشيه ديان"، تقديم مساعدات أمنية لإثيوبيا في صراعها مع إريتريا عام 1978، وهو الأمر الذي وضع إثيوبيا في حرج مع جيران القارة، بسب إعلانها المسبق قطع العلاقات مع إسرائيل، تنفيذا لقرارات مجلس الوحدة الإفريقية.حيث اتخذ "مانجستو" على إثرها قرارا بطرد جميع الإسرائيليين من بلاده.

بعد 5 سنوات من القطيعة، شهد عام 1983 إذابة "جبل الجليد" الذي شكلته تصريحات "ديان"، ورغم استمرار قطع العلاقات بين تل أبيب وإثيوبيا- في العلن- إلا أن إسرائيل درّبت إثيوبيين في مجال الاتصالات عام 1983-في السر- كما قدمّت تدريبات عسكرية للحرس الرئاسي والموظفين التقنيين بجهاز الشرطة الإثيوبي في العام التالي.

كان لتهجير يهود "الفلاشا" من إثيوبيا دور محوري في تسليح أديس أبابا، فقد عقد "موشي ديان" وزير الخارجية الإسرائيلي اتفاقًا سريًا عام 1977 -قبل سنوات القطيعة- مع حكومة إثيوبيا، لتوطين "الفلاشا" في إسرائيل، نظير إمداد أديس أبابا بالسلاح، لكنه لم يبدأ التنفيذ إلا بعد 7 سنوات تقريبا.

وقوبل دعم "مانجستو" لتوطين "الفلاشا" في إسرائيل، وموافقته على هجرتهم القانونية بمعدل 500 يهودي شهريًا، بتقديم تل أبيب لأديس أبابا عام 1985، ذخائر سوفيتية الصنع، وقطع غيار تم الاستيلاء عليها من الفلسطينيين في لبنان، بقيمة 20 مليون دولار.

استمر هذا الدعم حتى عام 1987، حيث تلقى نظام "مانجستو" ما قيمته 83 مليون دولار كمساعدات عسكرية - وفقا لتقرير واشنطن لشئون الشرق الأوسط- فضلا عن نشر إسرائيل نحو 300 مستشار عسكري على الأراضي الإثيوبية، وتدريب 38 طيارًا إثيوبيًا في إسرائيل.

بعد مرور 4 سنوات على رحلات هجرة "الفلاشا" إلى إسرائيل، عقدت تل أبيب اتفاقا سريا جديدًا مع أديس أبابا، قدمت إسرائيل بموجبه مزيدا من المساعدات العسكرية في عام 1989، مع وعد جديد من "مانجستو" بالسماح بهجرة "الفلاشا" المتبقين إلى إسرائيل.

وعادت العلاقات الدبلوماسية إلى مجاريها، في ظل هذه التفاهمات وتنفيذ الوعود المتبادلة، وافتتحت إسرائيل سفارتها في أديس أبابا في 17 ديسمبر 1989.

استمرت العلاقات (الإسرائيلية –الإثيوبية) في الازدهار خلال 1990- وفقا لتقرير نشرته نيويورك تايمز- ومنحت تل أبيب مجموعة جديدة من المساعدات العسكرية إلى أديس أبابا، لتضيف إسرائيل إلى القائمة التي اكتظت بالأسلحة، نحو 150 ألف بندقية وقنبلة عنقودية.

رأت دولة الاحتلال الصهيونية عقب عودة العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا التوغل في القرن الإفريقي بأسلوب جديد، تفاوضت عليه مع أديس أبابا، بتقديم مزيد من المساعدات، ولكن هذه المرة في مجالات الصحة والاقتصاد الزراعي.

مع اقتراب نظام "مانجستو" من نهايته، وقبل فراره إلى زيمبابوي في عام 1991 هربا من التمرد الشعبي ضد نظامه، واستطاعت تل أبيب الحصول على إذن بتنفيذ جسر جوي يضم 41 رحلة طيران في إثيوبيا؛ لنقل ما يقرب من 15 ألف يهودي إلى إسرائيل مباشرة، نظير 35 مليون دولار، دفعتهم تل أبيب نقدا للرئيس الإثيوبي مقابل موافقته.

لم تُضيع إثيوبيا سنوات تحالفها مع إسرائيل هباء، فقد أدى اعتمادها على مدار 30 عاما تقريبا على التسليح الإسرائيلي، ودعم تل أبيب الاستخباراتي واللوجيستي، وتطوير منظومة التدريب أن يُصنف جيشها كثالث أقوى الجيوش الإفريقية، رغم ضعف ميزانيتها العسكرية، التي تبلغ 0.8% من إجمالي ناتجها المحلي في 2016.

ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن إثيوبيا واحدة من بلدان القارة القليلة التي انخفضت فيها ميزانية الدفاع خلال العقد الماضي، بالتوازي مع تكثيف استثماراتها في تدريب وإنتاج أسلحتها الخاصة، مثل بندقية (AK-47)، والمدفع الإثيوبي الرشاش (PKM) الذي يجمع بين مميزات قاذفات القنابل والذخائر.

مجريات الأمور على الأرض تؤكد أن الأطماع الإسرائيلية في إثيوبيا تتحقق لأنها تتم بتخطيط ودأب شديدين. ورغم عدم توافر أرقام أو إحصاءات حول التعاون العسكري بين "بني صهيون" وأحفاد أبرهة القائد العسكري الحبشي في الوقت الحالي، إلا أن المؤكد أن "أيادٍ" إسرائيلية كثيرة تمتد في الساحة الإثيوبية.   

وفي الوقت الذي رأت فيه تل أبيب التقرب إلى أديس أبابا بالمساعدات، أضاعت مصر تاريخًا طويلًا من التقارب والإخاء الإفريقي سدى.

مع تضخم أوراق "فصل المساعدات" في رواية "العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا" يوما بعد يوم، ملأت إسرائيل الساحة الإثيوبية، فيما تقلصت الفرص المصرية في التقارب مع إثيوبيا، وبينما يعلو بناء "سد النهضة" الإثيوبي فإن الاستثمار الإسرائيلي –غير المباشر- حول السد لن يكون الكابوس الأخير الذي يؤرق أحلام المصريين.

 

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.