عيد أحد الشعانين.. وتاريخ من الاحتفالات الشعبية للأقباط
09.04.2023 06:23
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
وطنى
عيد أحد الشعانين.. وتاريخ من الاحتفالات الشعبية للأقباط
حجم الخط
وطنى

عرف كنسيًا باسم أحد الشعانين، وهي كلمة عبرانية بمعنى يا رب “يا رب خلص” ويسمى أحد السعف أو أحد الخوص أحد الزيتون أو عيد الزيتونة وهذا لأن الجموع التي خرجت لاستقبال السيد المسيح في هذا اليوم كانت تحمل معها فروع سعف النخيل وأغصان الزيتون ويوافق الاحتفال بهذا العيد الأحد السابع من أيام الصوم الكبير وهو الأحد الذي يسبق عيد القيامة مباشرة، كما يوافق اليوم الأول من الأسبوع الأخير من الصوم والمسمى بأسبوع الآلام وأحد السعف هو أحد الأعياد الدينية الكبرى وله احتفالية شعبية تتميز بالمشغولات اليدوية من الخوص وما يدور حولها من عادات تعرضها على النحو الآتي:

تمثل أيقونة هذا العيد مناسبة دخول السيد المسيح إلى مدينة أورشليم يمتطي حمارًا وحوله موكب الجموع حاملين أغصان الشجر وسعف النخيل، وقد افترش البعض ثيابه في الطريق أمام الموكب.

احتفالية العيد

فرغم مرور مئات السنين على هذا الاحتفال لا يزال ممسكًا بكل طقوسه وعاداته المتوارثة والاحتفال بأخذ طابعًا شعبيًا وعادات مصرية يعود بعضها إلى قبل ميلاد المسيح، رغم أن الحدث المحتفل به وقع في فلسطين ولم يحدث في مصر، ولكن كطبيعة المصريين لابد أن يصهروا كل ما هو وافد ليتناسب معهم ومن خلال جماعات البحث وجدنا أن الاحتفالية تبدأ بتزين الكنيسة، ثم قيام القداس في الصباح وتستخدم الصلبان المصنوعة من الخوص في إتمام الصلوات. ويأتي أهل القرية إلى الكنيسة حاملين معهم باقات السعف المجدول والعديد من الأشكال الأخرى كي تمنح البركة أثناء الاحتفال ومع انتهاء الصلوات تكون فتة العدس معدة وجاهزة للتوزيع على المصلين والزوار.

ويذكر بعض المؤرخين، مثل المقريزي وإدوار وليم لين وغيرهم، أن الأقباط يأكلون السمك في هذا اليوم ولكن هذا غير صحيح؛ إذ يقع أحد السعف ضمن أيام الصوم الكبير الذي يمتنع فيه أكل السمك الذي يأخذ طابعاً خاصاً في الصوم والتقشف، بل أن هناك بعض الناس تصوم عن الحلويات في هذا الأسبوع وتظهر أهمية أسبوع الآلام ودور في جميع المستويات، فعلى المستوى الكنسي تحتفل الكنيسة به فخصص له قراءات لا تقرأ إلا فيه فقط من كل عام، وقد تبين احتفال الكنيسة بهذا الأسبوع الذي تقتصر فيه آثار السيد المسيح مروراً بالعذابات التي تحملها وصولا بصلبه حتى قيامه.اما عن المستوى الشعبي فقد وصفه المقريزي، قائلًا: أما في أحد الشعانين السعف فكان الأقباط يخرجون من الكنائس حاملين الشموع والمجامر والصلبان خلف كهنتهم ويسير معهم المسلمون أيضاً ويطوفون الشوارع، وهم يرتلون وكانوا يضربون / سك عملة ذهبية لتوزيعها، خمسمائة دينار على شكل خراريب ويوزعونها على الناس وكان يباع في أسواق القاهرة البيض الملون ما يتجاوز حد الكثرة فيقامر به العبيد والصبيان والغوغاء وكان القبط يتبادلون الهدايا من البيض الملون والعدس المصفى وأنواع السمك المختلفة ويقدمون لإخوانهم المسلمين.

أما أبو المكارم فيقول :”وكان من عادة النصارى من أهل الإسكندرية أن يخرموا الزيتونة في احتفال يوم عيد الشعانين في الليل ويشقوا بها المحجة والسوق، أي يسيروا بها من كنيسة القديس أبو سرجة إلى كنيسة الطير، كنيسة المخلص، مارين فى الشوارع بين الكنيستين مرتين في فرح بالآلحان والقراءات الكنسية والدعاء إلى ربنا حتى ضايق المسملون الأقباط ومنعوهم من هذا الاستمرار في هذا الاحتفال الديني بإلقاء الطوب عليهم من أسطح المنازل وافتعال المشاجرات وغيرها من الصغائر، واضطر الأقباط أن يوقفوا هذا الاحتفال لمدة خمسة عشر سنة متوالية وذهب رجال كبار الأقباط إلى الوالي المسلم الأمير حصن الدولة أين مروا فأمر بإعادة الاحتفال الذي اعتاد الأقباط أقامته مئات السنين قبل الفتح العربي لمصر، وبعد ذلك أيضًا وأرسل بعض الحراس لحراسة الاحتفال وأمرهم بأن يفعلوا ما يقوله أن أي دار تلقى حجرا تغلق ويختم بابها وينادي في الشوارع باغلاقها حتى يعلم الجميع وأي مسلم يتكلم أو يفعل شيئًا مخالفًا بالقراءة والتمجيد والصلبان والمباخر كما جرت العادة، وكان سنة 44 فراجية، وحدث في هذه السنة أن بيع القمح ليلة الزيتونة الويبة بدينار ونصف وكان قبلاً غالي السعر لا يباع إلا بالدنانير وحدث أيضاً ليلة احتفلوا بالزيتونة أي وصل شعير جديد في الصباح من البحيرة فأصبح القمح ويبة ونصف ديناروفي اليوم التالي 2 ويبة بدينار وبعد عشرة أيام أصبح الأردب بدينار وتحقق المسلمين بالإسكندرية من بركة خروج الزيتونة وبطوافها بالشوارع بالإسكندرية وصاروا يفرحون بخروجها من كل سنة في ليلة عيد الشعانين.

كما كانت الدولة في العصر الفاطمي تُعطي أجازة لكتاب الدواوين ومسؤولي الحسابات والدفاتر وغيرهم من موظفي الدولة وعلى المستوى المدني يسمح للعبيد بالراحة من أعمالهم طوال أسبوع الآلام، وحاليًا تكتفي المصالح بالسماح بإجازة مدفوعة الأجر من رصيد الاعتيادي للموظف أيام أحد السعف وخميس العهد.

كما أن هذا العيد على المستوى الشعبي تكثر فيه الصلوات، وكذلك أوقات الوجود في الكنيسة والتقشف في الصوم والامتناع عن بعض الأطعمة وكلها مظاهر للمشاركة الجماعية .

تاريخية سعف النخيل

كان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة لعيد رأس السنة، حيث كان سعف النخيل الأخضر يرمز إلى بداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة، كما أنه يخرج من قلب الشجرة فكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة التي يعلقونها على أبواب المنازل كما كانوا يحملون باقات السعف وتوجد تصوير الكاهن يحمل سعف النخيل للمقابر، وكذلك جموع الناس ليضعوه على المقابر في العيد ويوزعون ثماره الجافة على موتاهم ومازالت هذه العادة الموروثة، والتي لم يطرأ عليها أي تغيير حتى يومنا هذا كما كانوا يصنعون من سعف النخيل أنواعاً مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس في العيد على صدورهم وحول أعناقهم كرمز لتجديد الحياة في العام الجديد وحفظها من العين الشريرة، وكان يقوم سعف النخيل وثماره من البلح إلى أنه النيل معبى.

كما كان يلعب دور الإعلام في استقبال الملوك والقادة عند عودتهم منتصرين في الحروب، وذلك لأن سعف النخيل أكثر تفصيلاً من أغصان الأشجار الأخرى ولسهولة حمله وانتظام أوراقه وقدرته على التلويح به يمينا ويسارًا كما أن لونه الأخضر بشير الخير والحياة المتجددة .

ومع بداية حياة الرهبانية في مصر كان لسعف النخيل دور مهم في حياة الراهب فقد كانت صناعته الخوص من الأعمال الرئيسية للراهب بعد الصلاة والصوم، بالإضافة لكونها جزءًا من الطقوس اليومية للراهب كانت تتمثل أيضاً المورد المادي الذي ربما يكون الوحيد له، وفي بعض الكنائس يقام حوض من الحجر لتبليل الخوص بالماء؛ تمهيداً لاستخدامه في جدل “تضفير” الخوص .

مجدولات أحد السعف

البداية الحقيقية لاحتفالات أحد السعف تكون من صباح يوم الجمعة السابق، حيث ينتقل الأقباط يوم الجمعة وحتى يوم السبت لتقطيع الخوص من قلب النخيل أو شرائه من المحترفين، ويقوم بقطع النخيل أفراد لهم غيرة لاختيار أنواع جيدة من الخوص فتسهل عملية الجدل، التضفير أما حمل السعف نفسه فهي طريقة تقليدية متوارثة لا تحتاج إلى خبرة كبيرة إنما تعتمد على المهارة اليدوية وإن كان للسعف المجدول أشكال معروفة إلا أنه لا توجد ضوابط تحكم من يقوم بالجدل فقد يقوده جدله إلى أشكال أخرى مختلفة، مما هو معروف ومع وجه العموم تنحصر مجدولات مجتمعات البحث في أنماط معروفة يمكن تصنيفها إلى المجموعات التالية :الجردية المجدول

حيث نجد أن أوراق السعف حول محور عود الجردي على شكل جناحي ملاك يمكن جدل زوج من جناحي الملاك مع العمود الواحد ويمكن تحوير شكل الأجنحة إلى شكل القلب فنجد الأجنحة على شكل قلب واحد أو أكثر.

مجدولات الزينة

وهي مجدولات صغيرة الحجم بسيطة الصنع أو رقيقة الشكل فنجد الأطفال يضعون على رؤوسهم تيجاناً أو طراطير من السعف، كما يلبسون خواتم وساعات السعف أو الغوايش والأساور ويحملون أشكالاً شبيهه بالدلايات يطلق عليها عش النمل ويشدون أوساطهم بأحزمة مجدولة على شكل حلقات من السعف وهذه الأنواع غالباً ما يهدى فيه المسيحين للمسلمين.

المجدولات الرمزية

ولأن هذا الاحتفال خاص بالسعف فكان لابد أن يكون الصليب من مجدولات هذا الاحتفال ويصنع منه أشكالًا مختلفة منها.

مجدولية الصليب

الصليب المجدول له مكانته عند الأقباط المسيحيين ولا توجد مناسبة دينية لا شارك فيها وله فيها دور بارز وتوجد منه أنواع عديدة منها البسيط الذي لا يحتاج في صنعته بها لزوج من الأوراق، ومنها المعقد في صنعته ويستخد منه عشرات الأوراق منها المقرون وهو يحتاج إلى مهد وخبرة كبيرة في صنعته وهناك الصليب المصنوع من الغاب أو سيقان القمح بدلا من السعف ويكثر وجوده بجانب صليب السعف ويطلق عليه البعض عروسة أحد السعف.

ويستخدم صليب السعف في إقامة الصلوات داخل الكنيسة في هذا اليوم بدلا من الصليب المعتاد كما يوضع ويعلق على أبواب الكنائس والمنازل أيضاً.

مجدولية القربانة

وهي مجدولية مربعة في الشكل يستخدم في صنعها إما ست أو عشرة أو عشرين ورقة من ورقات السعف، وهي: مكونة من طبقتين مجدولين من السعف في شكل حافظة يمكن فتحها من إحدى الجوانب لتوضع بداخلها خبز من خبز القربان فيها.

مجدولات أخرى

وهذه المجدولات تأخذ أشكالًا مختلفة مثل شكل الحمار أو الحمل وعادة نجدل في أحجام صغيرة غاية في الدقة والرقة، والحمار المجدول من السعف هو استدعاء لشكل الحمار المجدول من السعف هو استدعاء لشكل الحمار الذي ركبه السيد المسيح عند دخوله أورشليم في المناسبة التي يحتفل بها في هذا اليوم، أما الجمل فلم نجد له دور في هذه المناسبة، وخاصة أن الشعب المصري على مدى تاريخه وخاصة التاريخ القديم كان يعتبر الجمل تعبير التصحر والجدب وكان من رموز الإله ست وإن كان بعد ذلك أعطاه صفات الصبر والتحمل ويبدو هنا أن هذا المعنى أقرب لوجوده في الاحتفالية ومقدمة لآلام السيد المسيح، وهو رأي غير قاطع.

السعف الجديد بيخلص من القديم

يتوجه الأقباط إلى الكنيسة في صباح هذا اليوم حاملين معهم نتاج عملهم من الخوص من مجدولات وأشكال أخرى تشترك معهم في حضور الصلوات ورشها بالماء المصلى عليه وتتكرر فنتبارك به ويخرجون من الكنيسة في جماعات حاملين مجدولاتهم المكرسة غالبًا حتى يخال لمن يراهم إنهما مظاهرة تطالب بالخير والسلامة يحمل كل من فيها أغصان النخيل البيضاء ويعودون إلى منازلهم ليحتفظوا بهذه المجدولات في الأماكن التي تليق بها حتى يتبارك بها المنزل فتعلق بالمسمار في الحائط أو توضع على مكان مرتفع بعيدًا عن متناول الأطفال إلى العام التالي “يقعد السعف في البيت من السنة للسنة “إجباري” وهكذا تتحلى مجدولات العام السابق من مكانها ومكانتها للمجدولات الجديدة “نقلع دي ونحط دي” (اختياري) ويجمع الاخباريون على استخدامهم للمجدولات القديمة في إيقاد الأفران حتى لا ترمى في الشوارع أو تستخدم بشكل يسىء إليها، حيث أنها مكرزة بالماء ويكون استخدامه في إخماد الأفران أفضل وأنسب استخدام، حيث يخترق ولا يبقى منها شيء مثلها مثل الكثير من المقدسات الأخرى كالصور المقدسة أو صفحات الانجيل المقطوعة البالية، وكذلك يفعل المسلم مع صفحات القرآن المقطوعة.

المصدر:كتاب “مقدمة في الفولكلور القبطي” لـ عصام ستاتي

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.