يبدأ «أسبوع اآلام» لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذى يُطلق عليه «أحد الشعانين»، الأحد، ويأتى احتفالًا بذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة أورشليم.
ويستمر الاحتفال بـ«أسبوع الآلام» لمدة ٧ أيام كاملة، تنتهى يوم الأحد المقبل ١٦ أبريل الجارى، والذى يوافق عيد القيامة المجيد، ويؤدى خلاله الأقباط مجموعة متنوعة من الطقوس حزنًا على «صلب المسيحكما تشهد هذه الفترة تنظيم رحلات الحج المسيحى إلى مدينة القدس، التى انطلقت من مطار القاهرة، أمس، بتكلفة من ٨٩٠ دولارًا لـ١٣٥٠ دولارًا للفرد الواحد، وتستمر لمدة أسبوع كامل.
«الدستور» تسلط الضواء على أبرز طقوس الكنيسة خلال فترة «أسبوع الآلام»، ودلالات الاحتفالات الخاصة بكل يوم، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
البداية بـ«أحد الشعانين» فى ذكرى دخول المسيح «أورشليم».. ونغمات متنوعة فى الكنائس أغلبها «حزاينى»
تستهل الكنيسة «أسبوع الآلام» بـ«أحد الشعانين» ، وهو تذكار دخول السيد المسيح إلى مدينة «أورشليم»، وفق ما قاله أوسم جيد، الحاصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية للعلوم اللاهوتية ودبلوم معهد الدراسات القبطية.
وأضاف «جيد»: «دخول المسيح إلى أورشليم كان أمرًا حتميًا، حيث يوجد الهيكل، معقل رؤساء الكهنة الذين سيكونون اليد الضاربة فى مسألة القبض عليه، بعدما رآوا المسيح زعيمًا شعبيًا، يعطى تعاليم لليهود بشكل أكثر حيوية منهم، ما جذب الشارع اليهودى إليه». وواصل: «السيد المسيح سحب البساط الشعبوى من تحت أقدام هؤلاء الكهنة، ما أثار حفيظتهم وجعلهم يتآمرون عليه ويلصقون به تهمًا كاذبة، مثل تأليب الشارع على قيصر، ووقتها كان الرومان يحتلون الشرق الأوسط بالكامل».
وتُحى الكنيسة هذه المناسبة بشكل مختلف، عبر إقامة ما يسمى «الدورة»، صباح «أحد الشعانين»، التى تقرأ خلالها ١٢ نصًا من نصوص الإنجيل تروى قصة دخول المسيح إلى أورشليم، بجانب اقتلاع فروع وسعف النخيل وفرشها تحت أقدام الحمار الذى كان يستقله المسيح أثناء دخوله إلى هناك، لذا يمسك الأقباط بالسعف ويشكلون منه أشكالًا مختلفة، فى اليوم المعروف شعبيًا بـ«أحد السعف».
وعقب انتهاء هذه «الدورة»، يرتل الأقباط نشيدًا مشهورًا هو: «الجالس فوق الشاروبيم/ اليوم ظهر فى أورشليم.. راكبًا على جحش بمجدٍ عظيم/ وحوله طقوس نى انجيلوس.. فى الطريق فرشوا القمصان/ ومن الشجر قطعوا الأغصان.. وهم يصيحون بالألحان/ أوصنا يا بن داود.. اليوم تمت الأقوال/ من النبوات والأمثال.. كما تنبأ زكريا وقال// نبوة عن ايسوس بى اخرستوس».
وفى الكنائس الكاثوليكية يحتفل البعض من خلال جلوس أحد الخدام على حمار ووضع السعف تحت أقدامه، فى مشهد تمثيلى لما حدث مع السيد المسيح.
كما يتذكر الأقباط فى هذا اليوم ثورة المسيح واستياءه من وجود بعض الباعة الجائلين فى الهيكل، واهتمامهم فقط بتحويل النقود، ما دفعه إلى طردهم وقلب موائد تحويل الأموال قائلًا: «بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص».
وشهدت بداية الاحتفال بـ«أسبوع الآلام» للعام الحالى ٢٠٢٣ تغييرات طفيفة، أعلنها البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، خلال عظته الأسبوعية الأخيرة، فى ظل حلول «عيد البشارة» تزامنًا مع احتفال الكنيسة بـ«جمعة ختام الصوم»، أمس.
وكان من المعتاد أن تسيطر طقوس الصوم و«أسبوع الآلام» على المناسبات المتزامنة معه مثل «عيد البشارة»، لكن «لجنة الطقوس» فى المجمع المقدس رأت أنه لا يصح إلغاء الاحتفال بهذا العيد، لذا شهدت طقوس «جمعة ختام الصوم» بعض التغييرات الطفيفة، وذلك بشكل مَكن الأقباط من إتمام هذه الطقوس إلى جانب طقوس «عيد البشارة» بنغماته ذات الطابع المفرح. وبحسب مينا رءوف، خريج كلية التربية الموسيقية، الخادم فى «الكورالات» والموسيقى القبطية، تتنوع نغمات الصلاة الخاصة بـ«أسبوع الآلام»، بداية من «النغمة الفرايحى»، التى تصلى بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أفراد ومرتلين وشمامسة ورجال دين، سواء فى احتفال «عيد البشارة» أو فى قداس «عيد الميلاد»، وستطغى على الكنيسة طوال ٥٠ يومًا هى فترة «الخماسين المقدسة». النغمة الثانية هى «الأدريبى» أو «الحزاينى»، التى تسيطر خلال فترة «أسبوع الآلام»، خاصة فى الفترة من مساء غدٍ الأحد حتى ليل الجمعة المقبل، وتتسم ألحانها بحزن شديد على «خطايا البشر التى دفعت السيد المسيح إلى الصليب»، وفقًا للإيمان المسيحى.
أما النغمة الثالثة فهى «الشعانينى»، التى ستصلى بها الكنيسة غدًا الأحد، كما تستخدمها الكنيسة فى صلواتها خلال «أعياد الصليب» يومى ١٠ برمهات و١٧ توت من التقويم القبطى.
انطلاق رحلات الحج المسيحى للقدس.. والصلاة على المتوفى ممنوعة
انطلقت أولى رحلات الحج المسيحى لمدينة القدس فى هذا الموسم، من مطار القاهرة، أمس، بتكلفة من ٨٩٠ لـ١٣٥٠ دولارًا للفرد الواحد، على أن تستمر لمدة أسبوع كامل.
وتتواصل رحلات الحج المسيحى من «أحد الشعانين» حتى «أحد عيد القيامة»، وتتطلب مجموعة من الشروط، على رأسها أن يكون سن المسافر ٤٠ عامًا فما فوق. وقال عزيز إبراهيم نعيم، باحث فى التاريخ الكنسى، إنه كانت تُقام قداسات ويُرفع البخور فى «أسبوع الآلام»، حتى أصدر البابا خرستوذولوس (البطريرك ٦٦) قرارًا بمنع هذه الطقوس.
وسأل «الأكليروس» البابا خرستوذولوس: «ماذا لو تنيح شخص فى أسبوع الآلام، كيف نصلى عليه بدون رفع بخور؟»، فأجاب بإقرار صلاة «الجناز العام» يوم «أحد الشعانين»، ومن يتنيح فى «أسبوع الآلام» يُرش بالماء فقط، ومن هنا جاء إقرار «صلاة الجناز العام» لأول مرة، وفق «نعيم».
وأضاف: «لذلك تقيم الكنيسة جنازًا عامًا، أى صلاة متوفيين على كل أبناء الشعب فى الكنيسة، يوم أحد الشعانين، أى أنها تصلى على الشعب مقدمًا، فإذا توفى أحدهم خلال فترة أسبوع الآلام تكون قد تمت الصلاة عليه بالفعل».
وكعادتنا كمصريين نرتدى الأسود فى أيام الوفاة والحزن الشديد، لذا تتشح الكائس بأكملها بالسواد، وتُعلق الشارات والستائر السوداء فى كل جنباتها وأركانها، إيذانًا بـ«إعلان حالة حداد على خطية البشر التى دفع المسيح ثمنها دون أى ذنب».
كما تتسم الألحان بالحزن الشديد، ولعل أكثرها حزنا لحن «كى ايبرتو»، وهو اللحن الذى تُتلى على نغماته مزامير نبى الله داود، التى تتحدث عن الصلب، وكتبها قبل المسيح بسنوات عديدة.
وتنظم الكنيسة على مدار ليل الأحد وأيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ما يسمى بـ«البصخة المقدسة»، وهى كلمة تعنى «عبور»، وتشير إلى عبور المؤمنين من «الفساد والخطية» إلى «النور والقداسة» من خلال «فداء المسيح».
وتكرر الكنيسة جملة: «لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين» ما يقارب الـ١٠٠ مرة خلال فترة «أسبوع الآلام».
وقال الأب فيلبس ماهر، أستاذ الطقوس الكنسية فى معاهد إعداد وتأهيل الخدام، إن الأقباط فى «أسبوع الآلام» يصومون قرابة ١٥ إلى ١٧ ساعة متصلة، من ١٢ بعد منتصف الليل حتى بين ٣ و٥ عصرًا، مضيفًا: «هناك من يأكل وجبة واحدة، وهناك من يصم أكبر قدر من الأيام بشكل متصل».
وأضاف: «فى هذه الفترة لا يتناولون الأكل والشرب، ويمتنعون عن الأكلات الفاخرة، فبعضهم يتناول الخبز والملح، وهناك من يتناول أى شىء متاح دون تجهيز مخصوص، على أن يكون نباتًا وليس حيوانًا أو من البحر». وواصل: «كما ينقطعون عن مشاهدة التلفزيون أو سماع الأغانى، وكذلك عن الزيارات والتنزهات، وحتى تناول الحلوى والمقرمشات والمياه الغازية وما شابه».
البابا شنودة فى «أسبوع الآلام»: «عيش ناشف ودقة» ثم صوم تام.. وجولة فى 3 محافظات
كشف القمص ميخائيل إدوارد ميخائيل، كاهن الكنيسة القبطية فى كليفلاند، عن أبرز طقوس البابا الراحل شنودة الثالث فى «أسبوع الآلام».
وقال القمص ميخائيل، لـ«الدستور»، إن البابا شنودة الثالث كان يصوم أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء من «أسبوع الآلام»، وكان يأكل فقط «عيش ناشف ودقة»، ومن يوم «خميس العهد» إلى «ليلة عيد القيامة» يصوم صومًا انقطاعيًا.
ووصف عماد نصرى، المصور الشخصى للبابا شنودة الثالث، «أسبوع الآلام» بالنسبة للبطريرك الراحل بأنه «أكثر أسبوع ملىء بالنشاط والخدمة» لديه. وقال «نصرى»: «أسبوع الآلام لدى البابا شنودة كان يبدأ من (سبت لعازر)، وفيه كنا نذهب معه إلى دير الأمير تادرس فى حارة الروم، حيث يرسِّم راهبات فى الدير، ويجلس مع راهبات الدير القدامى يستمع إلى أسئلتهن الروحية ويجيب عنها»، مشيرًا إلى أن يوم السبت هذا معروف باسم «سبت لعازر»، لكن البابا كان يسميه «سبت الأمير».
وأضاف: «بعدها نعود إلى المقر البابوى، ليأخذ البابا متعلقاته وأدويته، ومن هناك ننطلق إلى دير الأنبا بيشوى، ويكون رئيس الدير الأنبا صرابامون والآباء والرهبان فى استقباله، ويستأذن قداسته لحضور قداس (أحد الشعانين) فى الدير».
وواصل: «فى الصباح يتم تجهيز أتوبيس ممتلئ بالورود والزعف، ويطوف به البابا فى مسافة صغيرة لا تستغرق ربع الساعة فى الوقت العادى، لكنه يستغرق حينها ما لا يقل عن ساعة ونصف الساعة، وذلك بسبب تزاحم الناس ووصول عددهم فى هذا اليوم إلى أكثر من ١٠ آلاف شخص، للتبرك به والاحتفال معه بأحد الشعانين، وسط الهتاف له (بابا شنودة يا مليح.. يا للى اختارك المسيح) و(بالطول بالعرض البابا زى الورد)».
وأكمل: «من نصف يوم الأحد ثم إثنين البصخة، يكون البابا معتكفًا فى غرفته يكتب المقالات الخاصة بالعيد، حيث كان يكتب لجرائد عديدة منها الأخبار والأهرام والجمهورية، إلى جانب الكرازة والمهجر.. حوالى ١٠ مقالات مختلفة عن بعضها البعض يكتبها البابا عن نفس الموضوع».
وتابع: «فى يوم ثلاثاء البصخة يمر قداسة البابا بأديرة وادى النطرون الثلاثة: السريان والأنبا بيشوى والبراموس، ويصلى ساعة فى كل دير، وفى آخر عامين أضاف إلى البرنامج السفر إلى الإسكندرية وزيارة المقر البابوى ودير مار مينا فى مريوط، حيث يصلى لمدة ساعة فى كل منهما ويلقى عظة».
وكشف عن أنه «خلال زيارته المقر البابوى فى الإسكندرية، يوم ثلاثاء البصخة، يعطى عيدية لعمال المقر، بعد إعداد الأب الوكيل كشفًا بأسمائهم، كما كان يزور فى ثلاثاء البصخة كنيسة مار جرجس فى سبورتنج».
ويعود البابا إلى دير الأنبا بيشوى، مساء الأربعاء، حيث يصلى «خميس العهد» و«الجمعة العظيمة»، ومنها يسافر إلى القاهرة.
وفى «أسبوع الآلام» عام ٢٠١٠، أضاف البابا لهذا البرنامج زيارة دير أبومقار فى وادى النطرون، وكان يصلى هناك ساعة ليلة الثلاثاء من «البصخة المقدسة»، ثم يترأس «جمعة ختام الصوم» و«خميس العهد» فى الدير.
وصباح «سبت النور» كان البابا شنودة الثالث يلتقى المسئولين والمهنئين بالعيد، ثم يعطى العيدية لعمال المقر البابوى فى القاهرة.
رعراع أيوب شفاء نبى الله المبتلى
يتذكر الأقباط فى يوم الأربعاء من «أسبوع الآلام» سنويًا قصة نبى الله أيوب، الذى صبر على الابتلاء فجازاه الله أحسن جزاء، لذا تقرأ الكنيسة فى هذا اليوم «سفر أيوب» كاملًا. كذلك يستحم بعض الأقباط بعشبة خشنة الملمس تسمى «رعراع أيوب»، ليتذكروا شفاء نبى الله أيوب من أمراضه الجلدية، ويؤمن كثيرون منهم أن لهذه العشبة فوائد صحية، بينما يستخدمها آخرون على سبيل العادة، علمًا بأن الأمر مجرد تقليد فلكلورى لا علاقة له بالكنيسة والعقيدة المسيحية.
خميس العهد احتفاء بـ«سر التناول» و«زفة» للخائن
فى «خميس العهد» تتذكر الكنيسة تأسيس السيد المسيح لـ«سر الأفخاريستيا» أو «سر التناول»، الذى يعتبر عنصرًا أساسيًا فى كل قداس إلهى. ويؤمن الأقباط بأن روح الله تحل على «القربان وعصير الكرم فى كل قداس إلهى، ليحولهما إلى جسد ودم السيد المسيح اللذين سُفكا على الصليب تكفيرًا لخطايا البشر»، وفق العقيدة المسيحية. ويبدأ «خميس العهد» بـ«زفة الخائن»، وهى زفة تنظمها الكنيسة عكس عقارب الساعة، وتشهد ارتداء «شماس» لـ«تونية»، وهى الزى الأبيض الذى يتم ارتداؤه فى القداس والمراسم الكنسية، ليدور بظهره فى مقدمة «الدورة»، التى تكون عبارة عن نحيب على خطية يهوذا فى إنكاره للمسيح، مع قرع «شماس» آخر للدف بالمقلوب، وتلاوة شمامسة آخرون ما يسمى بـ«لحن تبكيت يهوذا».
الجمعة العظيمة أشد أيام السنة حزنًا
هى أشد أيام السنة حُزنًا بالنسبة للأقباط، وفيه تتذكر الكنيسة اليوم الذى صُلب فيه السيد المسيح، وفق المعتقد المسيحى.
وتتذكر الكنيسة الكاثوليكية هذا اليوم بـ«تعليق» تمثال للسيد المسيح على صليب كبير، وبانتهاء الصلوات يفك الكهنة المسامير المعلق منها التمثال، ثم ينزلونه ويبدأون فى تكفينه بكفن أبيض، قبل دفنه فى قبر أبيض أيضًا، مثلما حدث مع السيد المسيح.
بينما تتذكر الكنيسة الأرثوذكسية صلب السيد المسيح بـ«تعتيم» الكنيسة تمامًا لما يقرب من ساعة فى منتصف الصلوات، وفى آخر الصلوات تقيم ما يسمى بـ«الدفنة»، والتى خلالها يحضر الكهنة أيقونة للسيد المسيح، يظهر فيها أثناء الصلب أو لحظة إنزاله من على الصليب أو الدفن، ثم يتم تكفينها بالورود وبالعطور، خاصة المسك، مع أداء ٤٠٠ سجدة فى الاتجاهات الأربعة. ومن العادات الشهيرة التى رفضتها الكنيسة فى هذا اليوم، شرب المسيحيين الخل عقب انتهاء الصلوات، والتى يقبل عليها بكثافة كبار السن، نظرًا لاعتقادهم فى شرب السيد المسيح الخل، بينما تحارب الكنيسة تلك العادة، نظرًا لأن المسيح لم يشرب الخل، بل ذاقه فقط ورفضه، بالإضافة إلى أضرار شرب الخل على الكبد، وفق ما أعلنته الكنيسة.
وتصلى الكنيسة فى «الجمعة العظيمة» أشهر وأطول ألحانها المسمى «بيك أثرونوس» والمعروف بـ«لحن الألف هزة» نظرا لطوله.