الغرب من اليوم الأول يبارك ما تفعله إسرائيل ولا يمانع مطلقًا فى مواصلتها المجازر التى ترتكبها كل يوم منذ 7 أكتوبر 2023
- لم يكن الرئيس يحرض على تصفية المقاومة كما فهم البعض أو حاول الترويج لذلك ولكنه كان يضع إسرائيل فى «خانة اليك»
لا تتناسب أبدًا الوحشية التى يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين العزل فى قطاع غزة مع اللغة الدبلوماسية العذبة التى تتحدث بها إسرائيل عن خطة التوطين فى سيناء.
فعندما وصفت صحيفة النيويورك تايمز ما تقوم به إسرائيل من حشد التأييد الدولى لخطتها، قالت عنه إنه جهد هادئ، وهو توصيف لا يعكس بالطبع حالة الصخب والجنون التى تمارسها تل أبيب على الأرض ضد مواطنى غزة، وهو ما بدا فى التصريح الذى أدلى به «أرييل كيلنر» أحد أعضاء حزب الليكود فى اليوم التالى مباشرة لعملية «طوفان الأقصى»، ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، فقد قال: لا بد من خلق نكبة أخرى ردًا على الهجوم الإرهابى الذى نفذته حماس.
النوايا الإسرائيلية بدت من اللحظة الأولى التى استوعب فيها الإسرائيليون ما حدث لهم على الأرض، قرروا أن يُبيدوا مَن هاجمهم بلا رحمة، وقدموا لأنفسهم قبل أن يقدموا للعالم المبررات التى تشفع لهم فيما بدأوا فى تنفيذه.
ولم يكن غريبًا أن يصرح وزير التراث الإسرائيلى «عميحاى إلياهو» بأن إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة أحد الخيارات المطروحة.
كان «عميحاى» يتحدث إلى راديو «كول بيراما» يوم ٥ نوفمبر ٢٠٢٣، واعترض فى حديثه على دخول أى مساعدات إنسانية إلى غزة، قائلًا: نحن لن نسلم المساعدات الإنسانية للنازيين.
لم يتوقف «عميحاى» عند هذا الحد من الجنون، فقال أيضًا: لا يوجد شىء اسمه مدنيون غير متورطين فى غزة، وأى شخص يلوح بعلم فلسطين أو علم حماس ينبغى أن يقتل، ولا ينبغى أن يستمر فى العيش على وجه الأرض.
كان ما قاله « عميحاى» مفزعًا... ومربكًا فى آن واحد.
صحيح أنه ليس عضوًا فى المجلس الوزارى الأمنى المصغر، وبالتالى فهو لا يملك أى تأثير على حكومة الطوارئ التى تدير الحرب الآن فى غزة، لكنه بما قاله يعكس الحالة العامة فى إسرائيل.
لم يلتفت كثيرون للفظائع التى تحدث بها «عميحاى» عن الفلسطينيين.
توقف العالم كله عند اعتباره إلقاء قنبلة نووية على القطاع أمرًا مطروحًا، ربما لأن الحديث عن السلاح النووى لا يزال الأكثر تأثيرًا على ذهنية وعواطف ومشاعر العالم، الذى لم يهتز لما يحدث على أرض غزة، رغم أن الأثر الذى خلفته وراءها آلة الحرب الإسرائيلية يفوق ما يمكن أن تفعله قنبلة نووية بالفعل.
قررت إسرائيل أن تقطع الطريق على المزايدة التى يمكن أن تواجهها بسبب تصريح «عميحاى» فقرر نتنياهو إيقافه عن اجتماعات الحكومة حتى إشعار آخر، معللًا ذلك بأن هذه التصريحات منفصلة عن الواقع.
وعزز وزير الدفاع الإسرائيلى «يوآف جالانت» قرار نتنياهو واصفًا تصريح «عميحاى» بأنه غير مسئول، ومن الجيد أنه ليس من المكلفين بأمن إسرائيل.
لم تعاقب الحكومة الإسرائيلية وزيرها- فيما يبدو لى- لأنها ترفض- لا سمح الله- ما صرح به، ولكنها فعلت ذلك فى الغالب لأنه كشف بوضوح نوايا إسرائيل فيما تريد أن تنفذه فى قطاع غزة، فما تخطط له وما تقوم به على الأرض يتجاوز بالفعل تأثير القنبلة النووية، فالعقاب على الفضح وليس لأنه منفصل عن الواقع كما قال وزير الدفاع.
هذه الحالة الهستيرية التى تتعامل بها إسرائيل، تتناقض تمامًا مع فلسفتها فى تسويق خطتها لتهجير الفلسطينيين وإخراجهم من بيوتهم ودفعهم دفعًا إلى الانتقال إلى سيناء.
فطبقًا لتقارير غربية اهتمت بنقل المباحثات التى تجريها إسرائيل مع المسئولين الغربيين عن خطتها، فإن تل أبيب تدفع بأن خطتها ليست إلا مبادرة إنسانية تهدف إلى تقليل المخاطر التى يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون فى القطاع، فهى تريد فقط نقلهم بشكل مؤقت حتى تنتهى من عمليتها ضد حماس، وبعدها يمكن أن يعودوا مرة أخرى إلى بيوتهم.
وطبقًا للتقارير التى تتسابق الصحف الغربية فى نشرها، فإنه قد حدث تحول نوعى فى رد فعل الدول الغربية على ما تقوله إسرائيل، فبعد أن كانت متحمسة للخطة باعتبارها حلًا للأزمة، إذا بها تضع تحفظات عديدة عليها، فالانتقال المؤقت يمكن أن يتحول إلى انتقال دائم، وهو ما يمكن أن يكون سببًا فى صناعة القلق فى مصر وهز استقرارها من جديد، بعد أن ظلت لعشر سنوات تحارب الإرهاب فى سيناء التى تستهدفها إسرائيل، ويعرف العالم أن هز استقرار مصر لن يكون فى مصلحة أحد على الإطلاق.
قد تعتقد أن التحول فى رد الفعل الغربى على ما تريده إسرائيل حدث بعد أن رأى الغرب ما تفعله إسرائيل على الأرض من مذابح ومجازر ومهازل، فبينما تتحدث عن مبادرة إنسانية، إذا بها تقوم بكل الأعمال التى تتنافى تمامًا مع أى مظهر من مظاهر الإنسانية، فهى تضع سكان غزة بين خيارين لا ثالث لهما، إما الموت بالقصف أو التهجير من البيوت إلى الأبد، لكننى أعتقد أن هذا ليس صحيحًا، فالغرب من اليوم الأول يبارك ما تفعله إسرائيل، ولا يمانع مطلقًا فى مواصلتها المجازر التى ترتكبها كل يوم منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
السبب الأساسى فى هذا التحول ومن قراءة دقيقة لتعاقب الأحداث هو الموقف المصرى الواضح من خطة التوطين، وهنا يمكن أن نتوقف قليلًا عند إدارة مصر السياسية والدبلوماسية لعملية تسويق هذه الخطة، وعلى هذه المساحة يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قلب الأحداث ويمسك بمعظم الخيوط بين يديه.
ما رأيكم أن نعود معًا مرة أخرى إلى يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، عندما كان الرئيس السيسى موجودًا فى مركز إدارة الأزمات الاستراتيجى لمتابعة أحداث الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى.
خلال هذه المتابعات جرت عدة مناقشات بين الرئيس والمجتمعين معه فى المركز.
كانت الرؤية واضحة فى هذا الاجتماع، فالأحداث التى بدأت لا معنى لها إلا أن الصراع هذه المرة سيكون صفريًا، فإما إسرائيل وإما حماس، ولن يكون هناك فى الغالب بديل آخر غير ذلك، فحجم الضربة التى وجهتها حماس إلى إسرائيل حتمًا سيطلق كل جنونها مرة واحدة، وسيكون انتصارها له معنى واحد فقط وهو أن تنتهى حماس إلى الأبد، وما دون ذلك فلن يكون كافيًا، ولن تستطيع إسرائيل أن ترفع رأسها فى المنطقة مرة أخرى.
هذه الزاوية قادت المجتمعين مع الرئيس إلى زاوية أخرى، وهى أن هذه الأحداث ستكون فرصة مناسبة لإسرائيل للحديث مرة أخرى عن مخطط التهجير، ولن يكون الحديث هذه المرة عابرًا، ولكن إسرائيل التى بدأت فى حصار كامل لغزة لن تتورع عن حصار مصر رغبة فى تنفيذه، فلن تواتيها فرصة أخرى تستطيع من خلالها تحقيق كل أهدافها مرة واحدة مثل هذه الفرصة.
لم يكن التنبؤ المصرى بطرح إسرائيل لخطة التهجير مستغلة ما يحدث مزعجًا للقيادة السياسية المصرية، لأن مصر كانت قد بدأت الاستعداد لمواجهة هذه الخطة على الأرض بالفعل، وأخذت خطوات جادة لمواجهتها، وهو ما يعيدنا إلى العام ٢٠١٨، حيث جرت مقابلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومسئول مصرى سيادى كبير.
جرى هذا اللقاء تحديدًا فى ١٨ يناير ٢٠١٨.
من واقع تقرير سجل تفاصيل المقابلة، أنقل لكم ما قاله المسئول السيادى المصرى، فقد نقل لنتنياهو أنه إذا أرادت إسرائيل أن تنعم بالأمن، فلا بد من تقديم شىء والتعامل الجدى مع مشكلات قطاع غزة، بدلًا من الحصار الذى كان ممتدًا منذ سنوات.
كانت رؤية المسئول المصرى تقوم على أن عدد سكان غزة يقترب من ٢ مليون مواطن، وأن عدد أعضاء حركة حماس لا يزيد بأى حال من الأحوال على ٣٢ ألفًا، وإذا أصرت إسرائيل على أن تواصل حصارها للقطاع، ومنع كل الخدمات عنه، ووضع الأهالى فى مواجهة المجهول، فإنهم سيضطرون للدفاع عن أنفسهم، ثم إن هذا الوضع سيكون من شأنه أن يزيد عدد أعضاء حركة حماس، لأنها ستكون الحاضنة التى يمكن أن تستوعب كل الغضب الغزاوى تجاه إسرائيل.
استفسر نتنياهو من المسئول السيادى المصرى عما يقصده بتقديم شىء لأهالى غزة؟
فبدأ المسئول المصرى يعدد له أوجه الخدمات والدعم التى يمكن أن يقدمها لأهالى القطاع، وكان من بينها التفكير فى مشروع اقتصادى كبير يوفر استثمارات ضخمة، وتوسيع مساحة الصيد، وتشغيل حقل غاز يقع داخل القطاع، ويمكن أن تتم إدارته ثلاثيًا بين مصر وإسرائيل والمسئولين الفلسطينيين، ويمكن منح الفلسطينيين أملًا وأفقًا لحل سياسى للقضية، وذلك من خلال إحياء مسار أوسلو مرة أخرى.
توقع المسئول السيادى المصرى أن يستوعب نتنياهو الرؤية التى تقدمها مصر ويتجاوب معها، لكنه كان صادمًا فى رده، عندما قال: يمكن أن نفعل ذلك كله معًا، لكن ما رأيكم أن تأخذوا الفلسطينيين عندكم فى سيناء حتى ننتهى من تنفيذ كل ما تطرحه؟
هنا بدت أمام المسئول المصرى نوايا إسرائيل كاملة، فهى لا تريد حلًا حقيقيًا على الأرض، ولا تلتفت إلى أثر الرؤية المصرية، لقد قال المسئول المصرى لنتنياهو إن من شأن تنفيذ هذه الأفكار ضمان الاستقرار فى المنطقة بشكل كبير، والحد من تصاعد الصراع بين فصائل المقاومة وإسرائيل، لكن يبدو أن ذلك لم يكن مهمًا لدى إسرائيل، فقد كان كل اهتمامها أن تتخلص من الفلسطينيين.
فى طريق عودته إلى القاهرة، تبلورت لدى المسئول السيادى المصرى الكبير فكرة سيطرت على كل تفكيره، وهى ضرورة تأمين سيناء من أى اجتياح قد تضطر إسرائيل سكان غزة إليه فى المستقبل، وهو ما يبدو أنه سيحدث إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن لم يكن غدًا فبعد غدٍ، وعليه يجب أن تكون مصر مستعدة طوال الوقت.
تعددت اللقاءات بين المسئولين المصريين، وتم تداول فكرة العزل التام لسيناء حتى لا تكون عرضة لتنفيذ مخطط إسرائيل، وكان ناتج هذه الاجتماعات قرار بناء سور بطول ١٤ كيلومترًا يعزل ما بين سيناء وغزة، وقد بدأ البناء تحديدًا فى ٢٥ يونيو ٢٠١٨، وتم الانتهاء منه مع بدايات العام ٢٠٢٠، وتحديدًا قبل أيام من دخول مصر فى دوامة إجراءات مواجهة فيروس كورونا.
لم يكن الهدف من بناء هذا السور حصار غزة أو التخلى عن القطاع، ولكن انطلقت رؤية القيادة السياسية من أننا أمام خطر أساسى يواجه الأمن القومى المصرى، ولا بد من مواجهته بكل الطرق، وأعتقد أن قصة بناء هذا السور تستحق أن تروى كاملة فى يوم من الأيام.
حدث ما تنبأت به القيادة المصرية، فقد بدأت إسرائيل بالفعل فى طرح مخطط التهجير وتحدثت عن نقل الفلسطينيين إلى سيناء، صحيح أن الحديث كان مراوغًا بدرجة كبيرة، لكنه فى النهاية حدث.
كانت لدى القيادة فى مصر أولويتان على نفس الدرجة من الأهمية:
الأولوية الأولى، محاولة التوصل إلى صيغة لتخفيف أثر تصاعد الهجوم على الفلسطينيين والتخفيف عنهم، وطرحت مصر من اللحظة الأولى، عبر بيان وزارة الخارجية، ضرورة وقف التصعيد لأن كل الجبهات ستخسر حتمًا، وتحولت القاهرة إلى مركز لتلقى وإرسال الرسائل السياسية والدبلوماسية عبر الاتصالات المكثفة التى أجراها أو التى تلقاها الرئيس من رؤساء ومسئولى العالم الكبار.
الأولوية الثانية، كانت التصدى وبقوة لسيناريو التهجير، والوقوف بكل قوة أمام تمرير خطة نقل الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما بدا بوضوح فى موقف الرئيس السيسى وخطابه المعلن الذى لم يختلف فى قليل أو كثير عن خطابه فى الغرف المغلقة، أو فى الاتصالات التى أجراها أو تلقاها، فقد كانت رؤية مصر واضحة لا مواربة فيها ولا إخفاء لتفاصيلها.
ويمكن هنا أن نتوقف من بين ما قاله الرئيس أمام ما جرى فى المؤتمر الصحفى الذى عقده مع المستشار الألمانى «أولاف شولتس».
زار المستشار الألمانى مصر فى ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣ بعد أحد عشر يومًا من اندلاع الأحداث، وفى كلمته خلال المؤتمر الذى عقده الرئيس معه بعد مباحثات ثنائية بينهما، ركز الرئيس السيسى على أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعنى نقل القتال إليها، وستكون قاعدة لضرب إسرائيل.
وأضاف الرئيس لإيضاح ما يقصده، فقال: نقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، هو نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، لتكون الأخيرة قاعدة لانطلاق الهجمات ضد إسرائيل، وحينها يكون لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها، وبالتالى تقوم فى إطار رد الفعل بالتعامل مع مصر، وتوجيه ضربات للأراضى المصرية.
وضع الرئيس إسرائيل أمام مسئوليتها بعد ذلك عندما أشار إلى أن ما يحدث فى هذه الحالة سيكون من شأنه التأثير على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وهو تلويح مهم أعتقد أنه كان محسوبًا بدرجة كبيرة.
يومها قال الرئيس بوضوح: إن حصار قطاع غزة هدفه فى النهاية نقل الفلسطينيين إلى سيناء.
نقل الرئيس خطة المواجهة المصرية للخطة الإسرائيلية نقلة نوعية كبيرة عندما قال: إذا طلبتُ من المصريين الخروج لرفض فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ودعم موقف الدولة المصرية، فسيرى العالم الملايين فى شوارع مصر.
لم يتوقف الرئيس فى كلمته عند هذا الحد، بل واصل توضيح خطورة الموقف، عندما قال: إن الأمر لن يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة، بل سيمتد إلى تهجيرهم أيضًا من الضفة الغربية إلى الأردن.
بعدها قرر الرئيس كلاعب شطرنج محترف أن يجرى لعبة يمكن اعتبارها إلى درجة كبيرة بمثابة حركة «كش ملك»، عندما قال: إذا كان من الضرورى نقل مواطنى القطاع خارجه حتى انتهاء العمليات العسكرية، فيمكن لإسرائيل نقلهم إلى صحراء النقب.
الفكرة كانت تحتاج إلى تفاصيل أكثر، وهو ما دفع الرئيس إلى أن يقول: لا نريد تبديد السلام بفكرة غير قابلة للتنفيذ، ولو كانت هناك فكرة للتهجير، فهناك صحراء النقب فى إسرائيل، يتم نقل الفلسطينيين هناك حتى تنتهى إسرائيل من العملية المعلنة فى تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد فى القطاع، وتتم إعادة السكان بعد ذلك.
كان الرئيس دقيقًا جدًا فى استخدام كلماته، استخدم تعبير «عملية إسرائيل المعلنة»، فى إشارة منه إلى أن هناك عملية غير معلنة، لا تتحدث عنها أو بالأدق تتهرب من الكلام عنها، وفى الغالب كان يقصد عملية تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من ديارهم وتسكينهم فى سيناء.
ولم يكن الرئيس يحرض على تصفية المقاومة كما فهم البعض أو حاول الترويج لذلك، ولكنه كان يضع إسرائيل فى «خانة اليك»، ويبطل حجتها التى ترفعها لطرد الفلسطينيين، فإذا كان الهدف هو حمايتهم بنقلهم بعيدًا عن مسارات القتال، فلديهم صحراء النقب يستطيعون أن يفعلوا فيها ذلك.
قال الرئيس ما قاله وهو يعرف جيدًا أن إسرائيل لن تفكر فى ذلك أبدًا، ولن تقدم عليه.
فى نهاية حديثه وضع الرئيس منهج مصر وفلسفتها أمام العالم كله، عندما قال: نحن دولة ذات سيادة حرصت خلال السنوات الماضية منذ اتفاق السلام مع إسرائيل على أن يكون ذلك المسار استراتيجيًا ونعمل على تنميته.
ما قام به الرئيس بتصريحاته المعلنة وباتصالاته التى لم تنقطع يمكننا التعامل معه على أنه كان بداية عملية تقليم أظافر خطة التهجير ونقل الفلسطينيين إلى سيناء، وهى البداية التى رسمت خريطة المواجهة التى بدأت تتضافر فيها الجهود السياسية والدبلوماسية والشعبية، وهو التضافر الذى كتب تاريخًا جديدًا للدولة المصرية.
أصبحت الرؤية المصرية بما قاله الرئيس واضحة أمام الجميع، وأعتقد أن خطاب العالم المتعلق بخطة التهجير اختلف، ليس بتأثير حديث الرئيس العلنى فى مؤتمره مع المستشار الألمانى فقط، ولكن من خلال أحاديثه مع قيادات العالم ومسئوليه، وهو ما أسهم فى ترتيب الأوضاع من جديد، ليس خارجيًا ولكن داخليًا، فبعد موقف الرئيس توحد الموقف المصرى تمامًا، وهو ما تمثل فى خروج الملايين لتأييد الموقف المصرى ودعمه.. أما كيف حدث هذا، فلدينا معًا حديث يتجدد عما جرى.