تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بفترة صوم أهل نينوى المعروف شعبويا باسم صوم يونان.
وبهذه المناسبة، قال القمص يوحنا نصيف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم للأقباط الارثوذكس، في ولاية شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، منذ قليل في تدوينة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إنه: تثور حول الحوت في قصّة يونان العديد من التساؤلات.. كم يبلغ حجم مثل هذه الحيتان؟ وكيف تعيش وماذا تأكل؟ وكيف لم يمُت يونان أثناء وجوده في داخل الحوت لمدّة ثلاثة أيّام؟! أحاول في هذا المقال الإجابة على مثل هذه التساؤلات..
في البداية يلزمنا أن نؤكِّد أنّ قصّة يونان هي قصّة تاريخيّة حقيقيّة، وقد ذكرها السيّد المسيح في تعليمه لنا أكثر من مرّة، وأكّد أنّ وجود يونان في بطن الحوت هو مثال لدفن ابن الإنسان في بطن الأرض.. وكما خرج يونان حيًّا من الحوت فسوف يقوم ابن الإنسان من الأموات بعد ثلاثة أيّام..
الحيتان أنواع كثيرة، ولكن غالبًا النوع الذي ابتلع يونان ويتوافق تمامًا مع ما ذُكِرَ في الكتاب المقدّس هو: الحوت الأزرق. وهو يشبه بحقّ غوّاصة ضخمة أعدّها الله لاحتضان يونان وإنقاذه من خطر الموت غرقًا، ثمّ توصيله سالِمًا إلى برّ الأمان.. ولنأخُذ بعض المعلومات عن هذا النوع من الحيتان، لنرى كيف أنّ الله عجيب في خليقته، وفي تدابيره من أجل خلاص أولاده..!
الحوت الأزرق هو حيوان بحري من الثدييات التي تُرضِع أولادها.. وهو يُعتَبَر أضخم الكائنات الحيّة التي ظهرت على وجه الأرض. إنّه أكبر من الديناصور؛ حيث يتراوح طول الحوت الأزرق البالغ بين 20 مترًا و33 مترًا، أمّا وزنه فبين 90 طنًّا و180 طنًّا.. ووزن لسانه وحده مثل وزن فيل، ووزن قلبه مثل وزن سيّارة..!
هو نوع من الحيتان عديمة الأسنان، ويتميز بلون جلده الأزرق الداكن أو الرمادي. ورأس هذا الحوت تبلغ حوالي ربع طول جسده، وعندما يفتح فمه يمكن أن يستوعِب سيّارة نقل.. والعجيب أنّ هذا الحوت العملاق يتميّز بالهدوء الشديد، وبالحياء والخجل..!
الحوت الأزرق يسبح على سطح مياه البحار والمحيطات بسرعة تتراوح بين 10 كم/س و32 كم/س.
ويعيش في مجموعات صغيرة أو كبيرة ويتميّز بالعُمر الطويل بمتوسّط 80-90 سنة.. كما أنّ صوته من أعلى وأقوى الأصوات التي يمكن أن يُصدِرها كائن حيّ، وتستطيع الحيتان من هذا النوع أن تسمع بعضها تحت الماء على بُعد يصِل إلى ألف وستمائة كيلومتر..!
يتغذّى الحوت الأزرق على قشريّات بحريّة صغيرة تشابه الجمبري.. فيقوم بملء فمه بكمية ضخمة من المياه، ثم يغلق فمه ويبدأ في استخدام لسانه لطرد الماء خارجًا، فيمرّ الماء من خلال أهداب كبيرة على جانبيّ الفم تاركًا الطعام متعلِّقًا بهذه الأهداب.
من المؤسف أن شركات صيد الأسماك جارت على الحوت الأزرق طوال النصف الأول من القرن العشرين حتى كادت تفنيه، وبسبب الصيد المستمرّ أخذت أعداد الحيتان الزرقاء في التناقص المستمر في مختلف البحار والمحيطات حتى أوشك هذا النوع العملاق على الانقراض.. والأعداد الباقية من هذه الحيتان في كلّ العالم اليوم تتراوح بين عشرة آلاف وخمسة وعشرين ألفًا، من أصل يزيد عن 300 ألف حوت أزرق في بداية القرن العشرين.. وقد صدر قانون عالمي بمنع صيده عام 1966م للحفاظ على المتبقّي منه بقدر الإمكان.
لعلّنا نرى الآن كيف أعدّ الله هذا الكائن العملاق لكي يبتلع يونان ويحفظه سالمًا بغير أذى.. فهو حوت يَسبَح بالقُرب من سطح البحر وليس في الأعماق، وهو بدون أسنان فلم يجرح يونان، وجوفه كبير جدًّا يتّسع لعدّة أشخاص.. وهو يتنفّس كالإنسان وليس كالأسماك، فتدخل إليه كل فترة كميّة كبيرة من الهواء تكفي باستمرار لتنفُّس يونان..
لقد كان هذا الحوت العظيم بمثابة غوّاصة لحميّة أعدّها الله لإنقاذ يونان من الغرق، والعودة به سالمًا إلى الشاطئ.. إذ أنّه حتّى لو كان يجيد السباحة فلم يكُن من الممكن أن يصل إلى الشاطئ لبُعد المسافة وشدّة الأمواج وغياب الرؤية.. فكانت هذه الغوّاصة العجيبة هي خيرُ مَن يحمله بالقرب من البَرّ.. وفي الطريق داخل الحوت يهدأ ويتوب.. يصوم ويصلّي.. ويستعيد -بالرغم من برودة المياه- حرارته الروحيّة بصراخ وتسابيح من عمق القلب.. وهكذا يؤهَّل للبدء في حياة جديدة، قائمًا من الموت، مستعدًّا لخدمة أمينة وناريّة..!