
السكون يعم المنطقة، والمنزل يُخيّم عليه الحزن وأهله غارقون في دموعهم، لفراق نجلهم البالغ من العمر 14 عامًا، الذي راح ضحية حادث مركب الهجرة غير الشرعية، هكذا بدا المشهد بمركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة.
"قالي خارج مع واحد صاحبه على القهوة ومكنتش أعرف إنه مسافر ليبيا" كلمات اختلطت بالدموع بدأ بها "عبد السلام سعد" والد الضحية، حديثه عن رحلة الموت التي وصل إليها نجله.
مضيفًا وسط نوبة بكاء هستيرية حزنًا عليه: "لديّ ولدين وبنت، وأحمد كان أقرب وأحن واحد فيهم"، لافتًا إلى أن أخر مرة رآه فيها كان صباح يوم الأربعاء أثناء خروجه إلى عمله، حيث أخبره بأنه ذاهب مع أحد أصدقائه للجلوس على المقهى، وعندما تأخر في الليل ظنّ بأنه سيبيت عند أحد أولاد عمومته بسبب الطقس السئ وهذا أمرُ معتاد بين شباب القرية فجميعهم عائلة واحدة يبيتون عند بعضهم البعض.
وأضاف والد الضحية: "في اليوم التالي تفاجأت بالواقعة، حيث تلقيت اتصالًا من أحد أقاربنا في دولة ليبيا أخبرني بأن نجلي أحمد توفى أثناء محاولته السفر إلى ليبيا وتم العثور على الجثة في البحر على حدود السلوم".
وتابع: "مصدقتش نفسي، واتصلت بشقيقي وسافرت لاستلام الجثة وعلمت من خلال وكيل النيابة أن المركب كان صغيرًا وكان يقل أكثر من 75 شاب، وتم إنقاذ ٣ وانتشال ٧ جثث منهم جثة ابني، وتم تحويل الجثث إلى مستشفى السلوم ومنها لمطروح، وتم القبض على ٣٢ شاب كانوا على متن المركب".
وتابع أن الشباب المقبوض عليهم أكدوا خلال اعترافاتهم أمام النيابة أن شخص صديق "أحمد" اتصل به وأخبره بأن هناك شخص من السلوم أكد أنه يستطيع تسفيرهم إلى ليبيا بسهولة وبدون دفع أي مبلغ مالي والدفع يكون بعد الوصول إلى ليبيا، فذهب نجله مع صديقه لمعرفة تفاصيل السفر ففوجئ بإجباره على السفر تحت تهديد السلاح فركب معهم من الخوف.
وأردف أنه فور وصوله المستشفى طلب رؤية نجله وذهب إلى المشرحة وفتح ثلاجة حفظ الموتى فرآه وكان يُريد تقبيله إلا أنه تم منعه، قائلًا: "كان نفسي أبوسه وأخده في حضني لكنهم رفضوا، طلبت دقيقة أشوفه لأخر مرة وأخر لقاء بيننا، فكان وجهه أبيض كما هو وشعره مازال عليه الكريم، ولبسه زي ما هو.. مقدرتش أمسك نفسي وانهارت من البكاء وكلمته كإنه حي وقلت له: أنا قصّرت معاك في حاجة، كنت قولي لو حد من أصحابك ضحكوا عليك أنا وانت دائمًا بنتكلم مع بعض وأصحاب ليه توجع قلبي عليك انت عارف أنا بحبك قد إيه، أخدت قلبي معاك، ربنا يرحمك ويسامحك ويجعلك من الشهداء زي ما طلبت".
ولفت إلى أن نجله قبل وفاته بحوالي 10 أيام سأله عن كيفية السفر إلى ليبيا، وعندما سأله عن السبب قال بأنه يريد أن يسافر مثل أصحابه حيث قالوا له بأن العيش في ليبيا أفضل كثيرًا، فطلب منه أن يصرف نظره عن فكرة السفر، مضيفًا: "فكرته اقتنع بكلامي ومعْرفش إنه لسه بيفكر في الموضوع ومقتنع بكلام أصحابه أكتر منّي".
واختتم حديثه قائلًا: "أحمد عمره ما طلب حاجة زيادة وبيرضى دايمًا بأي حاجة، والكل كان بيحبه وهو كان بيحب كل الناس".
"أصدقاء السوء السبب، همّا اللي كبّروا الفكرة في دماغه وحب يقلد الشباب" هكذا بدأت والدة الضحية حديثها وسط حالة من الحزن الشديد والبكاء، مضيفة: "كان عايش بين إخواته زي الحمامة كله سلام وخير وحنّية، يفرح لما يفرّح اللي حواليه، كان نفسه يبقى ظابط أو دكتور، وكانت حنيّة الدنيا كلها فيه".
وأضافت الأم المكلومة، أن أخر حديث دار بينها وبين نجلها قبل وفاته سألها كيف يموت الشهيد فأخبرته بأن يكون يُجاهد في سبيل الله أو مريض أو غريق وغيره، فرد عليها قائلًا "يارب أموت شهيد"، مضيفة: "مكنتش أعرف إن ربنا استجاب فرحته".
وتابعت أنها لا تملك من الحياة سوى "أحمد" وشقيقه الأكبر وشقيقتهم، وحالتهم المادية مناسبة ووالدهم يقوم بتوفير كل احتياجات المنزل لكن أصدقاء السوء هم من وراء فكرة سفره خارج مصر، فمنذ 10 أيام طلب أن يُسافر إلى ليبيا مع أصدقائه وأنهم اتفقوا معه على طريقة الهجرة، فانهارت من البكاء أمامه وأكدت له بأنها لا تستطيع العيش من دونه وطلبت منه أن يصرف نظره عن فكرة السفر وأن المستقبل في مصر ومن خلال الاجتهاد في دراسته سيستطيع تحقيق أحلامه، وكان يحلم بأن يصبح ضابط شرطة أو طبيب.
واستطردت: "كان كل ما يشغل ذهنه إدخال الفرحة في حياة كل أقاربه وأصدقائه، ووفاته كانت بمثابة صدمة ووجع لأهل القرية، حيث كان يتسم بالطيبة والجدعنة والشهامة والجميع يُحبه، وكان يتمنى في أواخر حياته أن يموت شهيدًا وطلبها من الله قبل وفاته بأسبوع ولكن لم تتوقع بأن الله سيستجيب دعائه وتتحقق أمنيته بهذه السرعة.
ولفتت إلى أنه يوم الأربعاء الماضي قبل سفره تناول الفطار قبل مغادرته المنزل، وكعادته ذهب مع أصدقائه للجلوس على المقهى، وطلبت منه عدم التأخر بسبب سوء الطقس، متابعة: "رد قالي حاضر خلي بالك من نفسك يا ماما وخلي بالك من إخواتي، اندهشت من الكلام سألته ناوي مترجعش تاني؟!.. كأنه كان يشعر أنه سلام الوداع، وبعد ساعة عاد ودخل غرفته وفتح الدولاب ثم خرج من المنزل مسرعًا حتى أنني لم أستطع التحدث معه".
وأكدت والدة الضحية، أن الهجرة غير الشرعية انتشرت بشكل كبير في القرية والقرى المجاورة، وتسببت في وفاة أعداد كبيرة من الشباب، لافتة إلى أن أثناء العزاء طلبت سيدة الدعاء لها كي يستجيب الله ويُعيد نجلها حيًا أو ميتًا بعد غيابه عن المنزل منذ ما يقرب من ٧ سنوات.
كان غرق مركب هجرة غير شرعية في البحر المتوسط وعلى متنها مجموعة من الشباب المصريين، ما أدى إلى وفاة 7 أشخاص؛ 6 من الصعيد بالفيوم وسوهاج، وواحد من البحيرة، والجثامين هم: رفيع سيد أحمد 19 سنة من قرية الشوالة وحسن حمدى حسن 18 سنة، من قرية كوم بدار بمحافظة سوهاج ، وشعبان محمد صادق 60 سنة من قرية مينا الحيط، بمركز أطس وإبراهيم سعيد محمد 16 سنة وهما من محافظة الفيوم، وجمال عمر محمود 23 سنة من المنشآه، وحسن محمود بخيت، من البادية بمحافظة سوهاج، وأحمد عبدالسلام سعد 14 سنة من مركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة.