بقلم أمينة خيري
قضايا ازدراء «الدين» المطروحة فى المجتمع هى فى صميم مسألة الخطاب الدينى '> تجديد الخطاب الدينى وتنقيحه وتطهيره. لا تنفصل عنه، ولا ينبغى التعامل معها باعتبارها ملفاً مختلفاً. ولمن يود أو يرغب فى فهم المقصود، فعليه أن ينظر إلى فحوى القضايا. الغالبية المطلقة منها تتعلق بأشياء لا علاقة لها بالدين نفسه. وقد وصل الأمر إلى درجة اعتبار السخرية من شخص يعمل فى وسيلة إعلامية متخصصة فى الدين ازدراء أديان!!
وهذا يذكرنى بحوارات وسجالات لا حصر لها تأججت فى السنوات العجاف، وتحديداً منذ ظهور النسخة الجديدة من الدين فى أواخر سبعينيات القرن الماضى. فالاعتراض على صوت مكبرات الصوت «العشرومية» المثبتة فى كل زاوية ومسجد هو اعتراض على الصلاة ورغبة فى شيوع الفسق. والاعتراض على تشغيل القرآن الكريم فى المواصلات العامة هو إعلان كراهية لكتاب الله وكلامه العزيز. والاعتراض على إغلاق الشوارع والأرصفة بسجاجيد الصلاة والمصلين هو اعتراض على التقوى والتدين ورغبة فى بث الفجور بديلاً عن الصلاة. والاعتراض على خرافات يبثها البعض باسم الدين والمطالبة بإيقافها فوراً لما تسببه من ضرر والدفع بالمجتمع بسرعة رهيبة صوب العصور الوسطى هو تحقير لرجال دين وسب وشتم لهم. والاعتراض على إصرار البعض من رجال الدين على التوغل فيما لا يعنيهم من شؤون السياسة الخارجية والداخلية والإفتاء فى شؤون العلم والبحث والجغرافيا والتاريخ والكيمياء والفيزياء والصيدلة والطب رغم أن مجال تخصصهم العلمى لا يمت لها بصلة هو اعتراض على صميم الدين. والاعتراض على شج الرؤوس وفصلها عن الرقاب والطعن بالسكاكين والتفجير بالقنابل لمن لا يؤمن بما نؤمن به هو تضامن مع الكفار والزنادقة والملاحدة.
وإذا كان ما وصل إليه البعض من المتدينين من تطرف ومغالاة وانغلاق وتعلق بالمظاهر دون معرفة حقيقية بجوهر الدين القائم على أخلاق وسلوك هى الأرقى والأسمى لا يكفى للاعتراف بأن الخطاب الدينى فى حاجة إلى تطهير، ألا يدل ما سبق على أن الدين فى خطر بسبب البعض من أتباعه؟!
وإذا كان ما أصبح لصيقاً بالنسخة الشعبية الشائعة من الدين- رغم أن الدين نفسه منه برىء- من نعوت لا تخرج عن إطار الشعوذة والمغالاة والفصل التام بين المظهر والجوهر وكراهية ومعاداة العلم والتفكير النقدى لا يكفى لتنقيح الخطاب الدينى، ألا تسلط موضوعات قضايا الازدراء الضوء على الهوة التى سقطنا فيها؟! وإذا كان شعور البعض من المتدينين بأن الدين الذى يبلغ من العمر ما يزيد على 1442 سنة مهدد ومعرض للخطر الشديد، لأن أحدهم سخر أو تفكه أو أساء أو تطاول عليه، لا يكفى لإخبارنا بمقدار هشاشة هذا النوع من التدين، فهل تخبرنا قضايا الازدراء بما وصلنا إليه من ضحالة وانعدام ثقة مصحوبتين بعنجهية فائقة وغطرسة جارفة؟ أم أن هناك حالة من الرضا العام على ما نحن فيه؟