الحياة، ذلك اللغز التى حار فيه كثيرون؛ فبعض تحدث عنها رحلةً سوف تنتهى يومًا، وبعض رآها طريقًا ممتدًا يصل الأرض بالسماء؛ بعض لم يجد لها معنى، وبعض وجدها رسالة؛ أناس قرروا أن يعيشوها لأنفسهم فقط! وآخرون وجدوا سعادتهم فى أن يحيوا ويمدوا يد المعاونة لاسعاد آخرين، إلا أننى سأقدم اليوم معنى الحياة عند شخصية أدركت أنها سرعان ما ستفارقها، وهى ما تزال تخطو خطواتها الأولى فى الطريق : فهى فى السابعة والعشرين، وأصيبت بمرض السرطان . كتبت "هولى بوتشر" على صفحتها فى موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" بعض النصائح فى الحياة بعنوان : "رسالة موجزة قبل أن أموت" ، وذلك قبل أن ترحل عن عالمنا بيوم واحد. دعونى أستعرض معكم بعض أفكار شخصية تستعد للرحيل عن الحياة؛ فتقدم ما التمسته وأدركته من معانى ربما لم يدركها كثيرون؛ إنها كلمات "راحلة عن الحياة".
تقول "هولي" : "هذه هى الحياة : إنها هشة، وثمينة، ويصعب توقع ما سيحدث فيها؛ وكل يوم فيها هو هدية، وليس حقًّا مكتسبًا". نعم، إن الحياة التى نعيشها، كل يوم فيها هو هبة من الله - تبارك اسمه - لنا، لا حق مكتسب؛ لذلك فكل يوم يعيشه الإنسان هو يوم ثمين عليه ألا يفقده فى الحزن والألم، أو المهاترات، أو الانشغال بتدمير الآخرين؛ بل أن يحيا بسعادة ويقدم كل جهده لإسعاد الآخرين. فأنت لا تعرف ماذا يحمل لك غدك.
ثم تضيف "هولي": "أريد فقط من الناس أن يتوقفوا عن القلق الكثير بسبب الضغوط البسيطة التى ليس لها أى معنى فى الحياة؛ وأن يتذكروا أننا جميعًا فى النهاية لنا المصير؛ لذلك أفعل ما يمكنك عمله لتجعل وقتك له قيمة وعظمة بدون أمور بلا معنى ... فكر فى شخص يواجه المصاعب الشديدة وكن شاكرًا على ما تواجهه من صعاب محاولًا التغلب عليها؛ فلا بأس أن تدرك أن هناك أمرًا مزعجًا لك، ولكن لا تحاول الاستمرار فى تلك المشاعر وتؤثر سلبيًا فى حياة الآخرين.". علينا أن نتوقف عن القلق فى الحياة، ونحن فى ثقة كاملة وإيمان عميق بمحبة الله ورحمته؛ وبأن جميع أعماله هى خير، ولو ظهرت على النقيض من ذلك! فالله وحده قادر على تحويل كل الأمور إلى الخير العظيم. فقط علينا أن نثق، وحين يثق الإنسان يمكنه أن يعمل من أجل الرسالة والدور الثمين الذى خُلق من أجله، ولكى يكون سببًا فى إسعاد من حوله، وربما يمتد دوره إلى إسعاد البشرية! لا تركز فى المشكلات فقط فحينئذ ستحجب عنك شعاع الأمل، بل حين تعترضك المتاعب والمشكلات ثق بالله، واعمل على التصدى لها وتخطيها؛ وهنا أتذكر كلمات مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث: "ضع الله بينك وبين الضيقة، فتختفى الضيقة ويبقى الله المحب"؛ وأيضًا قوله: "لست واثقًا فى ظروف الحياة ولكنى واثقًا فى مراحم الله".
للحديث بقية ...
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى .