تنتظر مصر شهر نوفمبر من كل عام؛ للاحتفال بذكرى اختيار وسيامة وتجليس قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا الثامن عشر بعد المئة، في تعداد باباوات مصر، والربان الذي قاد الكنيسة وفقًا لتعاليم المسيح المتسامحة والوديعة، مما مكنه من قيادة السفينة في لحظات عصيبة مر بها الوطن، دون أن يفلت من يديه زمام الأمور.
وفي خضم استعداد المصريين بالاحتفال بمرور 10 سنوات، على اختيار وسيامة وتجليس البابا، رشّح في تصريحات له، الكاتب الصحفي والإعلامي الدكتور محمد الباز، للشعب المصري قراءة كتاب «البابا تواضروس الثاني.. سنوات من المحبة لله والوطن»، قائلًا إنه من أهم الكتب التي صدرت هذا العام وهو ليس للاطلاع على معلومات تنشر لأول مرة فقط، ولكنه يكتشف معنى أن الوطن فوق كل شىء.
الكتاب الذي تجاوز الـ310 صفحة، صدر عن الدار المصرية اللبنانية، قدمه رئيس جمهورية مصر العربية السابق، المستشار عدلي منصور، وحرره شيرين عبد الخالق، واستُهِلَ بورقتين حملتا الجملتين الأكثر خلودًا للبابا في مجال عشق الوطن، مكتوبتين بخط اليد، وهما «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، و«كل دول العالم في يد الله.. ولكن مصر في قلب الله.. لذا أنا مطمن على مصر»، ليحمل كل منهما توقيعًا بيد قداسته.
أعقب هذه الصفحات، صفحة أخرى ورد بها ما يشبه المُقدمة التي وضعها البابا للكنيسة، ولكنها جاءت أيضًا شبه دستورًا وطنيًا، سار البابا على نهجه، ليس خلال سنواته العشر كبابا للكنيسة فحسب، بل منذ نعومة أظافره، فمن شب على شيء شاب عليه، لذا حملت هذه الصفحة شعار «رؤية وطنية»، وقال البابا خلالها: «محبة الله ومحبة الوطن ومحبة الإنسان، هي الأساسيات التي نشأنا عليها في الأسرة والمدرسة والكنيسة.. وهذه الصفحات التي بين يديك عزيزي القارئ، هي رحلة في فترة زمنية هامة في تاريخ مصر، كانت حوارًا امتد بالساعات، وصارت كتابًا فيه رؤية وطنية لأهم أحداث تلك الفترة.. وتحيا مصر».
كيف التقت شيرين البابا؟ بعد أن قيل لها «مستحيل»
أعقب تقديم البابا تقديمًا آخرًا كتبه الناشر مُحمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، ثم التقديم الأساسي للكتاب بقلم المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، وأخيرًا تمهيد مُحررة الكتاب شيرين عبد الخالق التي زينته بعنوان «حكايتي مع البابا»، والتي أشارت في أول سطورها أنها بدأت منذ 10 سنوات، ولكنها تبلورت عام 2019، سردت خلالها كذلك خطواتها الأولى للمقر الباباوي، برفقة زميلتها عفاف حليم، لعمل حوار مع البابا، والتي كانت ستكون خطوة غير موفقة، لولا امرأة تدخلت في الوقت المناسب وحصلت لها على موافقة البابا بلقاءه، بعد أن قال لها أحد المسؤولين هُناك «مستحيل»؛ مُعللًا الأمر بأن البابا سينطلق إلى الدير.
فانوس رمضان.. و100 ساعة من «الذكريات»
وخرج الأمر من كونه حوار مع البابا، تُرجم فعليًا إلى لُغات مُتعددة، إلى فكرة كتاب، تشكلت ملامحة من رحم 100 ساعة من التسجيلات التي جاءت جميعها بصوته العذب، هذا ووصفت المُحررة الحفاوة التي اتسم بها اللقاءات، حيث أهدها البابا أيقونة للعائلة المُقدسة، مُرفقة صورة لها وهي تهديه «فانوس رمضان»، مختتمة مُقدمتها بأن لقاءها بالبابا جاء هبة من الله، موضحة أنها خصها بأمور لم تذكر إلا بين طيات كتابها.
قبل الباباوية وبعدها
اختص الفصل الأول من الكتاب عن الحديث عن البابا قبل ان يتولى مسألة الكنيسة، واشتمل على صور هي الأكثر نُدرة للبابا، قد لا تكون مع أحد آخر، حتى أن إحداها كانت للبابا البالغ 12 عامًا فقط من سنوه، وأخريات مع والدته وشقيقاته وفي مرحلة الثانوية العامة، مُفصحًا عن مجموعه الذي كان 77% الذي لازمه من الشهادة الابتدائية حتى البكالريوس مرورًا بالإعدادية والثانوية.
كما سرد البابا في ذلك الفصل كواليس يومه الأول في حياته كطالب رهبنة، بينما تطرق الفصل الثاني، إلى أمور اخرى عاصرها كأسقف مثل ثورة 25 يناير، ورحيل البابا شنودة الثالث، وأول عيد بعد ذاك الرحيل، واشتباكات العباسية، وزيارة السيسي للكاتدرائية، مع سرد كامل لمرحلة اختياره كبابا للكنيسة، في إشارة إلى اختيار اسمه وملابسه التي فضل أن تكون مثل ملابس البابا شنودة.
تحدث أيضًا البابا عن أول لقاء بالرئيس الأسبق مُحمد مرسي، مع ذكر خاص لما وصفه بـ«شعاع الأمل» الذي انبثق عن حفل عشاء القرية الأولمبية الذي حضره الفريق أول – آنذاك- عبد الفتاح السيسي.
أجواء ضبابية في حكم الأخوان.. وحماية الجيش
هكذا وصف البابا فترة حكم الإخوان لمصر، في استهلاله للفصل الثالث، الذي حمل شعار «عنق الزجاجة»، متحدثًا عن اصطناع الإخوان للود الظاهري تجاه الكنيسة، ودعوته لزيارة وزارة الدفاع عام 2013، بصحبة وفدًا تكون 12 فردًا يشكلون أطياف الكنيسة، مع تركيزًا كبيرًا على إعادته للعلاقات الطيبة مع الفاتيكان بدءً من تكليف وفدًا بحضور تجليس قداسة البابا فرنسيس، والزيارة الأولى لهناك.
عاد البابا للحديث مُجددًا عن هذيان مُرسي قبل 30 يونيو، والذي تجلى بقوة خلال 60 دقيقة، التقى خلالها معه، يوم 18 يونيو، وذلك بصحبة فضيلة شيخ الأزهر، رغبة من كليهما في نقل حالة الغليان الشعبي، إلا أنه وجه الحديث حول ضبط أقراص ترامادول وتبخر المياه في ترعة السلام وأمور أخرى، كما تحدث عن مطالبته للرئيس بالمساواة في الاحكام بين المصريين لاسيما في قضية دميانة الأقصرية التي لم تتساوى مع آخر اتهم كذلك بازدراء المسيحية، مع غياب الوعي الرئاسي لأهمية ما كانت تتجه إليه البلاد يوم 30 يونيو، واستخفاف مرسي بالأمر.
وأشار البابا إلى أن مصر والمصريين كانا فعليًا في حماية الجيش، مرورًا بكواليس اجتماع يوم 3 يوليو الذي انتهى بالإعلان عن خارطة الطريق، مع ذكر الكثير عن ما وصفه بالورم السرطاني في قلب مصر، في إشارة منه إلى اعتصامي رابعة والنهضة، ولم يغفل البابا خلال حديثه دور الرئيس السابق عدلي منصور في بداية الطريق للنور من ذلك المشهد الضبابي، وذلك في الفصل الرابع الذي حمل شعر «بداية الطريق».
هذا وتناول البابا ايضًا في حديثه فترة الاستفتاء على الدستور، وهجوم الإخوان الذي طاله بعد مقالته الشهيرة «نعم تزيد النعم»، وكذلك لقاءه بالكاتب الصحافي الراحل مُحمد حسانين هيكل.
البابا والسيسي
استهل البابا حديثه عن السيسي بذكر خطاباته التي ألقاها، والتي كانت موجهة لكل المصريين فحتى الأقباط لم يغفل ذكرهم، كما أشار كذلك إلى زيارات البابا الرعوية إلى الخارج حيث بلدان المهجر، للحديث عن ثورة 30 يونيو الشعبية الخالصة، والتي حاول من خلالها معالجة بعض الآثار السلبية لزيارات الرئيس الأسبق مرسي إليها، مثل «فضيحة المانيا»، وكذلك زيارته لكندا وهولندا والإمارات، وأيرلندا وروسيا، واليابان وأستراليا.
وفي خامس فصول الكتاب، الذي تزين بعنوان «استعادة الكرامة»، تحدث عن انطلاق مصر للأمام، في مشروعات مُتعددة، مع زيارة الرئيس للكاتدرائية في العيد، على مدار 12 دقيقة، وكواليس تلك الزيارة، التي أعقبها زيارات أخرى من حكام عرب كُثُر، وزيارات أخرى قام بها البابا لعدد من المسؤولين، وبين الكاتدرائية والخارج التقى البابا بكل من الرئيس الفلسطيني وخادم الحرمين الشريفين والرئيس العراقي السابق وملك البحرين وملك الأردن ورئيس سنغافورا وملكة الدنمارك والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وأمير الكويت، والرئيس اللبناني الأسبق ميشال عون، والملكة اليزابيث، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مع وصف كامل لقوة مصر في دحر الإرهاب الذي حاول مرارًا إفساد فرحة المصريين بـ«مصر الجديدة»، ولعل أبرز هذه المحاولات هي جريمة قتل العشرين مصريًا في ليبيا، مُتحدثًا أيضًا عن افتتاح قناة السويس الجديدة، وزيارته كذلك لإثيوبيا والقدس وأرمينيا وهولندا وإيطاليا والنمسا ولبنان.
كما تطرق في سادس فصول الكتاب إلى عام الإرهاب العالمي، بحسب ما حمل الفصل من عنوان، بجانب أمور أخرى مثل قضية ريجيني ومسألة تيران وصنافير، وحادث الطائرة القادمة من باريس، وحادث البطرسية.
في الفصل السابع، تناول البابا الحديث عن الإعلان عن بُناء أكبر مسجد وكنيسة في الشرق الأوسط، ومبادرة 100 مليون صحة، وحادث أحد الشعانين الذي تفجر في الإسكندرية وطنطا، وكذلك حادث البرث واستشهاد البطل المنسي، وتعرضه للهجوم بعد زيارته لأستراليا لاسيما حينما سئُل عن رؤيته للشذوذ الجنسي، فأجاب «إن كان مرضًا فهو يستحق العلاج، وإن كان خطية فهي تستوجب التوبة»، متحدثًا كذلك عن كواليس زيارة البابا فرنسيس للكاتدرائية عام 2017.
الكاتدرائيات.. مقتل أنبا أبيفانيوس.. الكورونا
تحدث البابا عن احتفالات الكنيسة بمرور اليوبيل الذهبي لبناء الكاتدرائية، مع كواليس القداس الأول في كاتدرائية ميلاد المسيح، بالعاصمة الإدارية الجديدة، والعملية الشاملة سيناء 2018، ومشاركته في الانتخابات الرئاسية 2018، وتخصيص ذاك العام لأبناء الكنيسة من ذوي القدرات الخاصة، والصلاة لاجل سلام الشرق الأوسط، مع كواليس فترة اغتيال الأنبا أبيفانيوس.
وكذلك الملتقى العالمي لشباب الكنيسة، والاحتفال بمئوية مدارس الأحد، مع الاستفاضة في الحديث خلال الفصل التاسع عن كاتدرائية ميلاد المسيح، وواقعة حريق محطة مصر، وتشويه التعديلات الدستورية، وبعد الزيارات الرعوية للخارج في افريقيا وفرنسا حيث التقى ماكرون، مع افتتاح مكتبة لوجوس الباباوية المركزية.
وتخصص الفصل العاشر للحديث عن فترة الكورونا، ثم جهود الدولة في القضاء على العشوائيات، ووصفه لقدرات مصر العسكرية، ورؤيته للرئيس مبارك، وأزمة جنوح سفينة قناة السويس، ومشروعات حياة كريمة، الذي وصفه بمشروع القرن.