
لم يمر سوى 7 أيام فقط على بداية التهدئة التي اتبعتها الولايات المتحدة في سياستها مع الخارجية مع تركيا، إلا أنها عادت من جديد لسياسة فرض العقوبات الاقتصادية على أنقرة رغم عدم ارتكابها أي مشكلات جديدة ضد واشنطن.
وأيَّد مجلس النواب الأمريكي قرارا ضد تركيا يعترف بإبادة الأرمن، ووافق المجلس بأغلبية ساحقة على قانون يقضي بفرض عقوبات على تركيا، إلا أن أنقرة علقت على القرار الأمريكي بشأن الأرمن، قائلة: "القرار لاغ وباطل بالنسبة لنا"، حسبما أفادت قناة "العربية" في نبأ عاجل.
تركيا عن القرار: لا يتماشى مع روح العلاقات
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "نعتقد أن الأصدقاء الأمريكيين لتركيا الداعمين لاستمرار التحالف والعلاقات الودية سيقومون بالمحاسبة على هذا الخطأ الفادح وسيحاكم ضمير الشعب الأمريكي المسؤولين عن القرار".
وأدانت وزارة الخارجية التركية بشدة قرار مجلس النواب بالموافقة على العقوبات، مؤكدة أنه "لا يتماشى مع روح العلاقات" بين الحليفين في الحلف الأطلسي ويتعارض مع الاتفاق الذي توصلت له أنقرة مع واشنطن بشأن سوريا.
من جهته، أشاد رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان بقرار مجلس النواب الأمريكي، مشيرا إلى أنه "خطوة جريئة نحو خدمة الحقيقة والعدالة التاريخية تريح الملايين من أحفاد الناجين من الإبادة الجماعية للأرمن".
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعلق فيها واشنطن على هذه الحادثة، ففي 2017 ، انتقد الرئيس الأمريكي الجديد حينها دونالد ترامب عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن باعتبارها "واحدة من أسوأ الفظائع الجماعية في القرن العشرين"، لكن تمشيا مع السياسة الأمريكية منذ أمد طويل لم يستخدم كلمة "إبادة"، وفي 2008، قبل انتخاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تعهد بالاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، لكنه لم ينفذ وعده خلال ولايتيه الرئاسيتين.
وقعت مذابح الأرمن قبل 104 أعوام قتل خلالها 80 ألف أرميني
وترجع مذابح الأرمن إلى 24 أبريل عام 1915، عندما اعتقلت السلطات العثمانية، تحت قيادة حكومة، ما يقرب من 600 شخص من مثقفي وأعيان المجتمع الأرميني في العاصمة العثمانية القسطنطينية "إسطنبول الحالية"، وقامت بترحيلهم إلى منطقة أنقرة ليلقى معظمهم حتفه في نهاية المطاف.
وتصف أرمينيا عمليات قتل مئات الآلاف من الأرمن على أيدي قوات الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، بالإبادة، وهذا ما تنفيه تركيا، واعترفت برلمانات 20 بلداً والبرلمان الأوروبي والفاتيكان، بطابع الإبادة الجماعية لتلك الأحداث، ويحصي الأرمن مقتل مليون ونصف المليون شخص، وتطهيرهم من أرمينيا الغربية التي تمتد حالياً من جبل أرارات إلى كيليكيا، ومن ضمنها ديار بكر وأضنة وهضبة الأناضول، وجرى تهجيرهم منها.
وفي 17 أكتوبر 1895، استولى الثوار الأرمن على البنك الوطني في القسطنطينية، مهددين بتفجيره وقتل أكثر من 100 رهينة ما لم تمنح السلطات للأرمن حكماً ذاتياً إقليمياً. وعلى الرغم من التدخل الفرنسي لإنهاء الحادثة بطريقة سلمية، ارتكب العثمانيون سلسلة من المذابح، ليبلغ إجمالي عدد قتلى الأرمن بين 1894 و1896 أكثر من 80 ألف أرميني، وفقاً للمؤرخ آرا سارافيان.
خبراء يوضحون دلالات فرض واشنطن عقوبات جديدة
وعن سبب إقرار الولايات المتحدة عقوبات على تركيا رغم إلغائها عقوبات الأسبوع الماضي، قال الدكتور طارق وهبي الباحث في العلاقات الدولية، إن ترامب لا يتعامل مع أنقرة بسياسة التهدئة في كل المستويات، وإنما الفصل بين كل ملف وآخر.
وأضاف وهبي لـ"الوطن"، أن العقوبات التي عزم ترامب على إلغائها كانت تلك التى فرضت بسبب عدوانهم على تركيا، وليست تهدئة في كل الملفات، موضحا أن العقوبات الجديدة التي تنوي واشنطن فرضها تأتي لملف جديدة مختلف عن السابق.
بينما قال الدكتور أيمن عبدالسلام الباحث في الشؤون التركية، إن تركيا الحديثة قامت على أساس الإبادة التي أجرتها على الأرمن، حيث بنيت الجمهورية التركية الحديثة على أنقاضها عام 1924، موضحا أن بسبب هذه الحادثة لا تربط أنقرة وأرمينيا علاقات دبلوماسية حتى الآن.
وأضاف عبدالسلام لـ"الوطن"، أن الأزمة خرجت من جديد في عام 2015، عندما وصف البابا فرنسيس المذابح بأنها إبادة جماعية ما دفع تركيا لاستدعاء سفير الفاتيكان واستدعاء سفيرها من الفاتيكان، وعلى إثرها بحثت عدة دول من بينهما الولايات المتحدة مسألة مذابح الأرمن.
وأكد خبير الشؤون التركية أن ترامب يعلم الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها أنقرة، موضحا أن تركيا تفرض عقوبات عن أي خطأ يرتكبه أردوغان، موضحا أنه لا يسعى للتهدئة مع أنقرة لأنه يعلم جيدا انتهاكتها.