بقلم الأنبا إرميا
تحدثنا فى المقالة السابقة عن مدتى حكم تكين بن عبدالله الحربيّ الثانية والثالثة، وبينهما مدة ولاية أبى قابوس محمود بن جمل ثلاثة أيام! وعزْل تكين مرةً ثالثةً بعد أربعة أيام، وحُكم هلال بن بدر الذى شهِد اضطرابًا هائلاً بالبلاد حتى اجتمع بعض الشعب والجنود لمحاربته وقتله، فاندلعت الحرب فى البلاد زمنًا طويلاً وساءت أحوالها وكثُر القتل والنهب والفساد وازدادت جرائم قطع الطرق؛ ولم يتمكن هلال من التصدى وإصلاح الأمور فيذكر ابن التَّغْريّ: وضعف ابن هلال هذا عن إصلاح أحوال مِصر، فكان كلما سد أمرًا انخرق (اشتد) عليه آخر!. فقام الخليفة المقتدر بعزله بعد أن حكم عامين وبضعة أيام؛ ويذكر المؤرخون عن تلك الفترة أنها امتلأت حروبًا وفتنًا، وكانت شرّ أيام!! ثم تولى الحكم من بعده أحمد بن كَيغَلَغ.
أحمد بن كَيْغَلَغ (311هـ) (923م)
بعد عزل هلال بن بدر أقام الخليفة المقتدر على حكم مِصر أحمد بن كَيْغَلَغ الذى أناب ابنه العباس إلى مِصر أولاً، ثم حضر هو من بعده مصطحبًا مُحمد بن الحسين بوصفه مسؤول الضرائب، وأحضر الاثنان الجنود وقدّما لهم الأموال؛ إلا أنهما قتلا كثيرًا من الرجال بـمُنْيَة الأصبغ (منطقة حدائق القبة حاليًا) حيث حرب دارت سابقًا؛ وقامت عليهما ثورة كبيرة من الجند، حتى إن الحاكم هرب إلى بلدة فاقوس، فى حين حاول مُحمد بن حسين الهرب إلى الشام لكن الجند أمسكوه وأدخلوه إلى الفسطاط. ظل ابن كَيغَلَغ هاربًا فى فاقوس حتى استبعده الخليفة بعد سبعة أشهر من الحكم، وأعاد إلى حكمها تكين مرةً رابعةً.
تكين بن عبدالله (311-321هـ) (923-933م) - المرة الرابعة
أرسل تكين من يخلُفه فى حكم مِصر عام 311هـ (923م)، حتى حضر إليها عام 312هـ (924م) وقت أن كانت البلاد فى حالة اضطراب شديد، فتمكن من تهدئة الأمور. لٰكن الكِنْديّ يذكر أنه: أسقط كثيرًا من الرَّجالة (جمع الراجِل وهو خلاف الفارس) الذين أثبتهم هلال بن بدر وهم كانوا أهل الشغب والنهب والشر، ونادى فيهم ببراءة الذمة ممن أقام بـالفسطاط منهم؛ فاجتمع الناس إلى تكين يشكرونه على ما فعل بهم. وعلى الرغم من أن أولٰئك الجنود اجتمعوا لمحاربة تكين وقتله، واستعد هو بجيشه لمقاتلتهم، فإن حربًا لم تدُر. وقد اهتم تكين بإصلاح أمور مِصر، وبتحسين أحوالها ليثبّت حكمه. وبعد أن تُوفى الخليفة المقتدر، تولى الخليفة القاهر وثبّت حكم تكين على مِصر فظل على عرشها حتى تُوفى عام 321هـ (933م) بعد حكم تسع سنوات وشهرين وبضعة أيام؛ ويذكر عنه ابن التَّغريّ: وكان أميرًا عاقلاً شجاعًا عارفًا مدبرًا؛ وُلى الأعمال الجليلة... وكان عنده سياسة ودُربة (تدرُّب وحِذق) بالأمور ومعرفة بالحُروب.
أبومنصور مُحمد القاهر (320-322هـ) (932-943م)
اعتلى عرش الخلافة بعد قتل أخيه المعتضد. وكان رأى مؤنس الخادم، وزير المقتدر، أن يكون الحكم لابن المقتدر، ولٰكن اجتمع رأى كبار الدولة ومسؤوليها على اختيار شخص قادر على إدارة شُؤونها بنفسه؛ فكانت آراؤهم بالإجماع على اختيار القاهر؛ وهٰكذا بايعه الناس بالخلافة واستقرت له أمورها. إلا أن أمور الحكم قد ساءت فى عهده إذ اهتم بمطاردة رجال المقتدر فيذكر المؤرخون: وطارد القاهر رجال المقتدر مطاردة عنيفة، وصادر أملاكهم، وعامل والدة المقتدر ونساءه وأهل بيته معاملة قاسية، وأخذ منهم الأموال وسلب المتاع.. كما يذكر الخضريّ فى أفعاله: ولم نسمع فى التاريخ ما يقارب فعل القاهر نذالةً وجُبنًا وخسة وشراهة نفس! و... والحديث عن مِصر الحُلوة لا ينتهى!.
* الأُسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى