بقلم محمد كمال
رصد المحللون تفسيرات متعددة لقرار إدارة ترامب الأخير باعتبار المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة لا تخالف القانون الدولى، والذى مثل تراجعا عن مواقف السياسة الأمريكية خلال الأربعين عاما الماضية. البعض اعتبر هذا القرار هدية لرئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ومحاولة لمساندته فى الجهود المتعثرة لتشكيل حكومة جديدة، البعض الآخر اعتبره امتدادًا لتطبيق ما يعرف بصفقة القرن على أرض الواقع، وقبل إعلانها رسميا، كما حدث سابقا فى قرار الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ثم الاعتراف بضم إسرائيل للجولان المحتلة، والآن يتم الحديث عن قانونية المستوطنات، وبما قد يعطى الضوء الأخضر لقيام إسرائيل بضم الكتل الاستيطانية أو حتى الضفة الغربية فى المستقبل. التفسيرات السابقة بها جانب من الصحة، ولكن التفسير الأهم لقرار ترامب يتعلق بسعيه لإرضاء مجموعة مهمة من قاعدته الانتخابية من المسيحيين الأصوليين من طائفة البروتستانت الإنجيليين الذين يرون أن إسرائيل (والتى تضم من وجهة نظرهم القدس والضفة الغربية) هى أرض الميعاد، التى سيرجع إليها السيد المسيح فى نهاية الزمان كى يقود المؤمنون إلى الخلاص بعد معركة أرمجادون. هذه القاعدة الانتخابية لها ممثلون مؤثرون فى إدارة ترامب وعلى رأسهم نائب الرئيس مايك بينس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والذى أشار فى أحاديث إعلامة إلى أن الكتاب المقدس يهدى كل ما يفعله، وأن سياسة ترامب تجاه إسرائيل يؤثر عليها الرب. بعض وسائل الإعلام الأمريكية أصبحت تطلق على هذا التيار من الأصوليين تسمية طالبان المسيحية نتيجة لنهجهم الفكرى المتشدد.
.. والذى أصبح له تأثير كبير ليس فقط على السياسة الخارجية الأمريكية ولكن على السياسة الداخلية أيضا، وخاصة ما يتعلق بأوضاع المرأة والمهاجرين الأجانب.
على سبيل المثال، نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس له تصريح شهير ذكر فيه أنه لا يأكل بمفرده مع امرأة بخلاف زوجته (خوفا من الفتنة). وتحت تأثير هؤلاء الأصوليين تبنى الكونجرس الأمريكى تشريعات تمنع تقديم مساعدات لجمعيات تنظيم الأسرة وتستهدف تفكيك العيادات التى تقدم هذه الخدمات، كما صدر حديثًا قانونا فى ولاية تكساس يسمح للأطباء بالكذب على النساء اللائى يسعين إلى الإجهاض عن طريق إخبارهن بأن جنينهن يتمتع بصحة جيدة عندما يعانى بالفعل من نوع من التشوه، ويجيز إخبارهن أن إجراء الإجهاض قد يدفعهن إلى الإصابة بمرض عقلى.
كما يعتقد بعض المسيحيين الأصوليين أن المهاجرين إلى الولايات المتحدة من غير البروتستانت يقوضون الثقافة المسيحية للبلاد، وأن هؤلاء لا يمكنهم أن يذوبوا فى بوتقة الانصهار الأمريكية، ومن المهم التخلص منهم، وكبح هجرتهم للولايات المتحدة. وقد انعكس هذا الأمر فى العديد من قرارات ترامب للحد من السفر والهجرة من مناطق معينة وخاصة العالم الإسلامى.
الكثير من باحثينا وكتابنا لا يدرك حجم التأثير المتزايد لهذا التيار فى إطار التحولات التى تشهدها الولايات المتحدة حاليا، وخاصة أن خبرات بعضنا هى مع أمريكا الليبرالية وليس الأصولية، وزياراته تتم لمناطق الساحل الشرقى أو الغربى وليس الوسط والجنوب حيث يرتع هذا التفكير، وحيث توجد القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب.
أفكار هذا التيار الأصولى المسيحى أصبحت هى المعادل الموضوعى لأفكار تيار التطرف الدينى فى العالم الإسلامى، وأصبح وجود طالبان المسيحى يدعم وجود طالبان الإسلامى، ويسير بالعالم نحو المزيد من الانقسام، وانتشار مقولات صراع الحضارات.