
تحاول فرنسا اعتبارا من الاثنين المقبل، ترسيخ رغبتها في التقارب مع روسيا من أجل التوصل إلى أجواء من الانفراج في أوروبا وتسوية النزاع الأوكراني، لكن بعض الخبراء يعتبرون ذلك رهانا محفوفا بالمخاطر.
وشدد الرئيس إيمانويل ماكرون أمام سفراء فرنسا في العالم أواخر أغسطس الماضي، على أن "علينا إعادة التفكير في العلاقات مع روسيا"، وتجاوز "سوء التفاهم" و "استكشاف سبل التقارب" ضمن "شروط".
وفي أعقاب ذلك، سيجتمع وزيرا الخارجية والدفاع في كلا البلدين في موسكو الاثنين المقبل، (بصيغة "2 + 2") للمرة الأولى منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 وما تبعه من توتر أعاد أجواء الحرب الباردة، وذكرت أوساط وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، أن الوزراء الاربعة سيبحثون "مسارات التعاون" حول سلسلة من الأزمات، أوكرانيا في مقدمها، والقضايا الاستراتيجية الرئيسية التي يسودها التحدي الناجم عن التخلي عن معاهدات الحد من الأسلحة.
وطرحت فرنسا نفسها وسيطا في قضايا عدة من الازمة حول النووي الإيراني الى العلاقات مع روسيا، فضلا عن دفاعها عن التعددية في سلسلة من الملفات على خلفية تراجع الاهتمام الأميركي وعودة بروز المشاعر الوطنية بقوة.
من جانبها، قالت، خبيرة روسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية تاتيانا كاستوييفا جان: "بالنسبة لإيمانويل ماكرون، إنه الحظ نوعا ما. فهو تولى رئاسة مجموعة السبع، ومجلس أوروبا، في غياب اهتمام ألمانيا بهذه القضايا، في حين ان بريكست يصيب لندن بالشلل. لقد أصبح بالفعل زعيما أوروبيا ويحظى بشرعية للتحدث نيابة عن الغرب". كما أن انتخاب رئيس جديد في أبريل الماضي في أوكرانيا أدى الى تغيير في الاوضاع.
وأضافت كاستوييفا جان: أن "هذا الوضع يفتح آفاقا فريدة من الفرص، كما أنه يتوافق مع رغبة ماكرون في ترسيخ القيادة الفرنسية في عدد من المسائل".
يبدو أن الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي، مع غالبيته في البرلمان، عازم على التحرك باتجاه تسوية النزاع مع الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق البلاد. واسفر النزاع، الذي يتهم الغرب موسكو باذكائه، عن مقتل اكثر من 13 الف شخص خلال خمس سنوات، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس".
من جهته، قال الاستاذ في كلية العلوم السياسية في باريس فلوران بارمنتييه: "يعتقد إيمانويل ماكرون كسياسي جيد أنه إذا كانت هناك فرصة لفعل شيء ما بشأن أوكرانيا، فهي ماثلة الآن"، مضيفا: "لن يكون الأمر سهلا، لكن لن يتم القيام به كمجرد نزوة"، مشيرا إلى أن عودة روسيا في يونيو إلى مجلس أوروبا، تشكل "دفعا دبلوماسيا حقيقيا" للفرنسيين، ووضعا مناسبا بداهة بالنسبة للروس.
وتابع بارمنتييه قائلا: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لن يعيد أبدا شبه جزيرة القرم"، وهذه مسألة يقترب الأوروبيون من غض أنظارهم عنها. كما يمكنه أيضا العودة إلى مجموعة السبع حتى لو كان يفضل مجموعة العشرين ولا ينوي بالضرورة العودة الى هذا التكتل المغلق.
ووعد بوتين، امس الخميس -يضاعف مؤشرات النوايا الحسنة في الملف الأوكراني- بتبادل "مهم" للسجناء. وبامكانه أن يأمل برفع العقوبات الأوروبية التي تثقل كاهل الاقتصاد الروسي مقابل ذلك.
ومثل هذا التسلسل لا يمكن سوى أن يكون مفيدا في وقت تتعثر فيه شعبية بوتين بسب التوتر حول إصلاح المعاشات التقاعدية والاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية في شوارع موسكو، حسبما ذكرت "فرانس برس".
وقالت كاستوييفا جان: "لكن بوتين قد يواصل موقفه المتصلب تجاه أوروبا، فهو يراهن قليلا على عدم التماسك بين الأوروبيين"، وخصوصا حيال القرم، مضيفة: "اعتبرت وسائل الإعلام الرسمية في روسيا عودة موسكو إلى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا انتصارا على الغرب"، بعد المواجهة حول القرم.
أما في لندن، فإن مغامرة ماكرون تعتبر أكثر من مجرد جرأة، بل انها غير مناسبة تماما في حين يشتبه في تدخل موسكو في الانتخابات وعمليات قتل تستهدف معارضين في أوروبا، وقال جيمس نيكسي وماثيو بوليج في تحليل من مركز الابحاث تشاتام هاوس إن "ما تريده روسيا يتعارض مع المفاهيم الغربية للأمن في أوروبا"، وأكدا على غرار الدول الاوروبية الاكثر تمسكا بحلف شمال الاطلسي أن "طموح" إيمانويل ماكرون و "غطرسته" قد يؤديان في نهاية المطاف الى "اضعاف الدفاعات الأوروبية" و"التضحية بالحلفاء مثل أوكرانيا".
وكان، رئيس مجلس الشؤون الخارجية الروسي، أندريه كورتونوف، قال إن بوتين وماكرون يحتاجان الواحد الى الآخر لحل مشاكلهما، مضيفا إ ن "الرئيس ماكرون هو اليوم أفضل وسيط بين روسيا ومجموعة السبع".