أصدر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة جديدة له بعنوان "الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على ظاهرة الإرهاب في العالم" للباحث في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي.
وتناولت الدراسة التأثيرات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية على ظاهرة الإرهاب في العالم، وذلك انطلاقاً من بعض الفرضيات الرئيسية، وعلى رأسها وجود علاقة بين الحروب بشكل عام وظاهرة الإرهاب، كذلك فإن اتخاذ ظاهرة الإرهاب في العقود الماضية وبالتحديد منذ حرب أفغانستان وما صاحبها بعد ذلك من تشكيل تنظيم القاعدة، مروراً بهجمات 11 سبتمبر 2001، ووصولاً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، لطابع "معولم" زاد من حجم الارتباط بين الظاهرة وكافة الأحداث العالمية المهمة، بما في ذلك حرب روسيا وأوكرانيا، هذا فضلاً عن أن العديد من الأدبيات السياسية ذهبت إلى أن الفاعلين المسلحين دون الدول خصوصاً "الفاعلين الهوياتيين"، باتوا اليوم الفاعل الرئيسي المحدد لمسار العديد من التفاعلات في العالم.
انطلقت الدراسة في محاولتها للوقوف على الارتدادات المحتملة للحرب الروسية الأوكرانية على ظاهرة الإرهاب المعولم، من رصد بعض المؤشرات والتحركات التي صاحبت انطلاق الحرب في 24 فبراير الماضي، وهي التحركات التي ربما تفتح الباب لاستثمار تنظيمات التطرف والإرهاب للحرب بما يخدم على مشروعاتها الراديكالية، وكان من أبرز هذه المؤشرات التي رصدتها الدراسة هو ما عُرف بـ "ظاهرة المقاتلين الأجانب"، حيث توسعت الدولتين في توظيف المتطوعين والمرتزقة والمقاتلين الأجانب، حتى أن تقارير تحدثت عن توظيف عناصر منتمية لتنظيمات إرهابية في إطار الحرب، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام العديد من التحديات خصوصاً وأن العالم سيواجه بهذا الشكل أزمة "عائدون" جدد، كذلك كان تعاطي التنظيمات المتطرفة والإرهابية مع الحرب أحد المؤشرات الرئيسية التي عبرت عن احتمالية تحول الحرب إلى نقطة انطلاق لموجة إرهاب جديدة، هذا فضلاً عن توسع الدولتين في عمليات تسليح المدنيين وتجنيد المساجين بمختلف أنواعهم، بما ينطوي عليه هذا التوجه من تهديدات أمنية كبيرة.
أما المستوى الثاني من الدراسة فقد ركز على محاولة الوقوف على الانعكاسات المحتملة للحرب على ظاهرة الإرهاب، من خلال رصد بعض ارتدادات الحرب الرئيسية، وكان على رأس الارتدادات المحتملة للحرب في أوكرانيا أن العالم سيواجه أزمة "عائدون" جدد، خصوصاً في ضوء الانخراط الكبير للمقاتلين الأجانب والمتطوعين والمرتزقة في الحرب، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الجهة المقبلة لهؤلاء في مرحلة ما بعد الحرب، وحجم التهديد الذي يمثله هؤلاء، كذلك ستؤثر الحرب على جهود مكافحة الإرهاب، وذلك في ضوء انشغال القوى الدولية الرئيسية بالحرب وتداعياتها، الأمر الذي جاء على حساب ملفات دولية مهمة كالإرهاب، وبلا شك كان الارتداد الأهم للحرب حتى الآن ذو طابع اقتصادي، وذلك في ضوء الأزمات الكبيرة التي يعيشها الاقتصاد العالمي بفعل الحرب، ما يعزز من قدرات تنظيمات العنف على ممارسة عمليات التجنيد استغلالاً للأوضاع الاقتصادية المأزومة خصوصاً في الدول النامية.
وفي السياق ذاته ذهبت الدراسة إلى أن الحرب قد تدفع باتجاه زيادة اعتماد القوى الدولية على فكرة "الحرب بالوكالة" ما يعني إمكانية لجوء بعض الدول لتوظيف جماعات إرهابية من أجل تحقيق أهداف بعينها أو ضرب مصالح الخصوم، خصوصاً مع تحول الحرب بالنسبة للمعسكر الغربي إلى "حرب استنزاف" يسعى فيها هذا المعسكر إلى تكبيد روسيا أكبر قدر ممكن من الخسائر، بعيداً عن فكرة الانتصار أو الهزيمة، أيضاً فقد أشارت الدراسة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من موجات هجرة كبيرة خصوصاً للقارة الأوروبية، تطرح تحدياً كبيراً يتمثل في إمكانية انتقال العديد من المجموعات والعناصر الإرهابية إلى القارة الأوروبية، عبر التخفي في المهاجرين، الأمر الذي يزيد من التحديات التي تواجهها منظومة الأمن الأوروبي.
فيما ناقش المستوى الثالث من الدراسة بعض المحددات التي قد تحكم مسار وطبيعة "إرهاب" ما بعد الحرب الأوكرانية، ومن هذه المحددات المدى الزمني للحرب وتجادل الدراسة بأنه كلما زاد المدى الزمني للحرب كلما زاد ذلك من قدرة تنظيمات العنف على إعادة بناء هياكلها وممارسة أنشطتها وزيادة فاعليتها، كذلك فإن تعامل حكومات العالم خصوصاً في الدول التي قد تكون وجهات محتملة للعائدين من أوكرانيا، مع مصادر التهديد التي رتبتها الحرب، سوف تكون أحد المحددات الحاكمة لطبيعة الإرهاب في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالوقوف على مصادر التهديد، وأوزانها النسبية، وسبل مواجهتها والتعاطي معها.
كذلك ربطت الدراسة بين عودة بعض الدول التي كانت تعاني من أزمات خانقة منذ سنوات مثل: العراق وليبيا واليمن وسوريا، إلى مربع عدم الاستقرار وفرضية تنامي النشاط الإرهابي في المراحل المقبلة وخصوصاً عقب انتهاء الحرب، هذا فضلاً عن أن الدراسة تفترض أن الصيغة التي ستُحسم بها الحرب الأوكرانية سوف تكون مؤثرة على اتجاهات النشاط الإرهابي في مرحلة ما بعد الحرب، فلو انتهت الحرب لصالح انتصار عسكري كبير لروسيا، قد تُقدم بعض المجموعات الأوكرانية والأوروبية الموالية لأوكرانيا على تنفيذ العديد من العمليات التي تدخل في نطاق العنف والإرهاب.
وأخيراً ذهبت الدراسة إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من ارتدادات سوف تدفع باتجاه تنامي الأنشطة الإرهابية، وذلك في ضوء تعزيزها لحالة الاستقطاب والحرب الباردة التي تشهدها البيئة الدولية، وفي ضوء ما يُعرف لدى تنظيمات العنف والإرهاب بـ"فقه استغلال الأزمات" وتوجه العديد من التنظيمات إلى الاستفادة من الظروف التي خلفتها الحرب من أجل إعادة التموضع وتعزيز الحضور.