تعثرت البداية القوية والسريعة لتكليف الدبلوماسي اللبناني مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة، حيث راهن رئيس الوزراء المكلف، والقادم من خارج الطبقة السياسية التقليدية، على إحداث صدمة لدى القوى السياسية مدفوعا بدعم فرنسي كبير، لتجاوز طريقة المحاصصة التقليدية في تشكيل الحكومات في لبنان.
لكن ذلك التعثر لا يعني أن أديب قد فقد كل أوراقه، حيث ما زال بحوزته الورقة الأهم وهي "رعب" كافة القوى السياسية من غياب أي بديل متاح في حال فشل المبادرة الفرنسية التي تضمنت اختيار أديب لتشكيل الحكومة، خاصة بعدما اعتبر وزير الخارجية الفرنسية مبادرة بلاده الفرصة الأخيرة لانقاد لبنان، وهو ما أكده الزعيم الدرزي البارز وليد جنبلاط.
ورغم وجود تكهنات بإعلان أديب الاعتذار عن تشكيل الحكومة خلال لقائه اليوم الخميس مع الرئيس اللبناني ميشال عون، إلا أن رئيس الوزراء المكلف خرج من اللقاء ليؤكد أنه اتفق مع الرئيس ميشال عون يوم الخميس على منح مزيد من الوقت للمحادثات لتشكيل حكومة جديدة بعد تعثر الجهود المبذولة لتشكيل حكومة لانتشال البلاد من الأزمة.
وقال أديب للصحفيين في القصر الرئاسي إنه يعلم أنه لا يوجد وقت كي يضيعه ويأمل في تعاون الجميع بهذا الشأن. ومضى يقول إنه على أمل أن يكون كل شيء على ما يرام.
وبالتوازي مع تصريحات أديب، اتهم حزب الله الإدارة الأمريكية بتعطيل جهود تشكيل الحكومة الجديدة، والتي تضغط فرنسا على السياسيين اللبنانيين لتشكيلها حتى تشرع في إصلاحات عاجلة.
وقالت الكتلة البرلمانية للحزب في بيان إنها تؤكد أهمية المبادرة الفرنسية في لبنان، لكنها أضافت أن الإدارة الأمريكية "هي المسؤولة عن تعطيل جهود تشكيل الحكومة".
وأشارت إلى أنها ما زالت ترى فرصة للاتفاق على حكومة، قائلة إنها "لا تزال ترى الفرصة متاحة لترميم ما خربه أولئك الذين يتولون في الظل عملية تأليف الحكومة الجديدة".
ويوم الثلاثاء انقضى أجل موعد نهائي اتفق الساسة اللبنانيون عليه مع باريس لتشكيل الحكومة دون إحراز تقدم. ويصر حزب الله وحركة أمل الشيعية المتحالفة معه على تسمية وزراء شيعة في الحكومة وعلى أن يكون وزير المالية من بين هؤلاء الوزراء.
وقالت مصادر سياسية من عدة أحزاب إن رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حركة أمل، بات أكثر إصرارا على تسمية وزير المالية بعد أن فرضت واشنطن الأسبوع الماضي عقوبات على كبير مساعديه بتهمة الفساد وتمكين حزب الله. وسبق أن عمل مساعده علي حسن خليل وزيرا للمالية.
وتقول مصادر سياسية إن رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، وهو سني جرت تسميته تحت ضغط فرنسي، يعمل على اقتراحات لتغيير السيطرة على وزارات أسند الكثير منها لنفس الفصائل على مدى سنوات.
وقال مصدر قريب من أديب إنه لا يريد أن يحيد عن مهمة تشكيل حكومة اختصاصيين. ويحظى أديب بدعم رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري السياسي السني البارز في لبنان.
وذكر المصدر أن أديب قال إنه إذا لم يتسن تشكيل حكومة اختصاصيين لتنفيذ إصلاحات فإنه سيتعين اتباع نهج مختلف. لكنه أضاف أن "هذا لا يتوافق مع المهمة التي كلفت من أجلها".
بدوره اعتبر رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري يوم الأربعاء إن وزارة المال وغيرها من الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لأي طائفة في البلاد، في إشارة إلى قضية تمثل جوهر خلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة.
وذكر الحريري، على تويتر، أن رفض فكرة تداول السيطرة على الوزارات يحبط "الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين"، في إشارة إلى مساع فرنسية لحمل الزعماء اللبنانيين على تشكيل حكومة جديدة وتبني إصلاحات.
وفي سياق متصل، قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الولايات المتحدة فرضت اليوم الخميس عقوبات على مسؤول في جماعة حزب الله وشركتين مقرهما لبنان تتهمهم واشنطن بالارتباط بالجماعة الشيعية المدعومة من إيران.
وقالت الوزارة في بيان إنها أدرجت شركتي آرش كونسالتين للدراسات والاستشارات الهندسية ومعمار للهندسة والمقاولات، ومقرهما لبنان، على القائمة السوداء، لأن حزب الله استغلهما لإخفاء تحويلات مالية إلى حساباته بما يسهم في إثراء قيادة حزب الله.
ك
ما طالت العقوبات سلطان خليفة أسعد الذي قالت وزارة الخزانة إنه مسؤول كبير في المجلس التنفيذي لحزب الله. وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشين في البيان "عبر استغلال حزب الله للاقتصاد اللبناني والتلاعب بمسؤولين لبنانيين فاسدين يتم منح شركات مرتبطة بالمنظمة الإرهابية عقودا حكومية".
وأضاف أن "الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة باستهداف حزب الله وأنصاره لأنهم يستغلون الموارد اللبنانية بشكل فاسد لإثراء قادتهم في حين يعاني الشعب اللبناني من عدم كفاية الخدمات".
ويجمد هذا الإجراء أي أرصدة بالولايات المتحدة للمدرجين في القائمة السوداء ويمنع بصفة عامة الأمريكيين من التعامل معهم. وقالت الوزارة إن الذين ينخرطون في معاملات معينة مع هؤلاء عُرضة أيضا لاحتمال فرض عقوبات عليهم.
يأتي القرار الجديد في أعقاب قرار أمريكي مماثل الشهر الحالي بإدراج وزيرين سابقين بالقائمة السوداء على خلفية اتهامات بأنهما عملا على تمكين حزب الله بينما حذرت واشنطن من أنها ستتخذ مزيدا من الإجراءات التي تستهدف الحزب.
وتعاني بنوك لبنان من حالة شلل وتتهاوي قيمة عملته مع تصاعد حدة التوترات الطائفية. وعلاوة على ذلك دمر انفجار ضخم في ميناء بيروت الشهر الماضي مساحة كبيرة من المدينة وأسفر عن مقتل أكثر من 190 شخصا وأحدث أضرارا تقدر قيمتها بنحو 4.6 مليار دولار.