مع نهاية الشهر الحالى من المتوقع أن يجرى افتتاح مشروع تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة، بعد انقضاء ٨ سنوات على بدء العمل. يحظى المشروع باهتمام وعناية الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى وجّه الحكومة بتذليل أى عقبات أمام المشروع القومى لإحياء مسار العائلة المقدسة، السيد المسيح وأمه العذراء ويوسف النجار، باعتباره إضافة مهمة للمزارات السياحية، خاصة الدينية. واستهدف المشروع تطوير ٢٥ موقعًا أثريًا هى نقاط وأماكن سير وإقامة العائلة المقدسة فى ١١ محافظة خلال رحلتها لمصر، التى استغرقت ٣ سنوات ونصف السنة شرفت فيها مصر وباركت شعبها حين لجأت إليها هربًا من بطش الملك هيرودس وجنوده. وانطلقت الرحلة من رفح والعريش فى الشمال ووصلت إلى أسيوط فى الجنوب.
وللحديث عن تفاصيل وكواليس المشروع وأهم التحديات التى جرى التغلب عليها وأبرز الإضافات التى تضمنتها أعمال التطوير، التقينا المهندس عادل الجندى، المنسق الوطنى للمشروع، وكان لنا هذا الحوار.
■ ما أهم نقاط مسار العائلة المقدسة فى مصر؟
- يتكون المسار من ٢٥ نقطة موزعة فى ١١ محافظة، هى: سيناء والقاهرة، وكنيسة سمنود بمحافظة الغربية، وميت رهينة فى الجيزة، وتل بسطا وبلبيس فى الشرقية، وكنيسة سخا بكفرالشيخ، وشجرة مريم بالمطرية فى القاهرة، وكنيسة مسطرد فى القليوبية، و٤ أديرة بوادى النطرون، والفارما بالعريش، وجبل درنكة ودير المحرق فى أسيوط، ومجمع الأديان بحى مصر القديمة، وكنيسة زويلة، ومعبد موسى بن ميمون، فى القاهرة، وجبل الطير فى المنيا.
٩٠٪ من النقاط جاهزة للزيارة، ولم يتبق سوى نقطتين فى أسيوط، هما جبل درنكة ودير المحرق، وأنجزنا ٧٠٪ من أعمال تطويرهما، وسينتهى العمل بالكامل قبل نهاية الشهر.
■ من المؤكد أنكم واجهتم عدة صعوبات أثناء تطوير تلك النقاط، حدثنا عنها وكيف تمكنتم من تجاوزها؟
- من أكثر الصعاب التى واجهتنا كان تطوير كنيسة سمنود بمحافظة الغربية، فهى كنيسة أثرية تقع وسط سوق عشوائية، ومن ثم يصعب الوصول إلى الكنيسة سيرًا على الأقدام، لهذا كان لا بد من تطوير عمرانى لمحيط الكنيسة لتوفير طريق مناسب وآمن ومريح يتيح للسائحين الوصول إلى المزار بسهولة.
ونجحنا فى تطوير الطريق المؤدى إلى الكنيسة مع طلاء واجهات المبانى المحيطة بالموقع بلون موحد، ووضعنا لافتات موحدة للمحلات، وهذه واحدة من المظاهر التى تدل على أن المنتج السياحى قادر على تغيير نشاط المناطق المتداخلة اقتصاديًا، حيث لاحظنا أن عدة محال بدأت تغير نشاطها التجارى إلى نشاط سياحى وبدأت بيع المنتجات المصنوعة يدويًا التى يقبل على شرائها السياح.
هناك نموذج آخر للصعاب، هو موقع جبل الطير فى المنيا، وهى منطقة فوق الجبل، وراعينا فى التطوير أن الدير محفور فى جبل من حجر جيرى، وكان أهالى القرية يعمدون للتخلص من مياه الصرف بسكبها فوق الجبل ما أدى إلى تشققه وجعل المنطقة مهددة بخطر انهيار الجبل فى أى لحظة.
وقد يكون مشروع تطوير مسار العائلة المقدسة سببًا فى إنقاذ أرواح أهالى القرية والحفاظ على المعلم الأثرى الدينى.
كما نجحنا بالتعاون مع محافظة المنيا ووزارة التنمية المحلية فى إتمام مشروع للصرف الصحى للمنطقة والدير، كما تم شق طريق إلى الدير، ورصفه، ليحل محل الطريق القديم الضيق الموازى لترعة طولها ١٨ كيلومترًا.
■ استغرق المشروع نحو ٨ سنوات وهى مدة طويلة، فما أبرز التحديات التى تسببت فى ذلك؟
- كان هناك ٣ تحديات رئيسية قبل بداية المشروع، الأول هو وجود مسار العائلة المقدسة فى مناطق عشوائية، غير منتظمة، ولا توجد طرق ممهدة تربطها وتتيح الوصول إليها والخروج منها بسهولة، وتفتقد للعديد من عناصر البنية الأساسية.
والتحدى الثانى كان كيفية تنفيذ مشروع قومى هو الأول من نوعه بتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة، وقد نجحنا فى التغلب على هذا التحدى بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء تضم وزارة السياحة والآثار، وهى صاحبة الفكر التنموى والتخطيط العمرانى الخاص بالمسار والفلسفة والاستراتيجية لإطلاق المسار كمنتج سياحى، إضافة إلى وزارة التنمية المحلية التى نسقت بيننا وبين أجهزة الحكم المحلى فى ١١ محافظة تنتشر خلالها نقاط مسار العائلة المقدسة.
أما التحدى الثالث فكان إقناع المجتمع المحلى المحيط بنقاط المسار بقبول التطوير من خلال إطلاق حوار مجتمعى استغرق نحو ستة أشهر، وبالفعل وجدنا ترحيبًا كبيرًا منهم.
ونجحنا فى تدشين محور عمرانى ضخم يمر بـ١١ محافظة، بداية من رفح فى سيناء مرورًا بالقاهرة الكبرى، وحتى أسيوط فى الجنوب، وجميعها نقاط أساسية وكانت تتطلب الكثير من العمل والتطوير وإعادة التخطيط بسبب وقوعها وسط مناطق عشوائية غير مؤهلة.
الزمن التقديرى لإنجاز المشروع كان يصل إلى ٢٠ عامًا لكن الرئيس السيسى أصر على ضغط الجدول الزمنى لأقل من نصف المدة، لتفصلنا أيام فقط عن الإعلان الرسمى عن انتهاء المشروع وافتتاحه.
ولا يقتصر المشروع على العمل الميدانى فقط، لكننا قطعنا شوطًا طويلًا فى مسار الترويج الإعلامى، ووجهنا دعوة للفاتيكان ومؤسسة «أوبرا رومانا»، الذراع الإعلامية للفاتيكان، و٥ رؤساء لكنائس إنجليزية رئيسية لتضع مسار رحلة العائلة المقدسة فى مصر ضمن برامجها السياحية، وهو ما أسفر عن إدراج المسار بالفعل على قائمة برامج الفاتيكان فى ٢٠١٧.
كما نعمل بالتوازى مع وزارة الخارجية التى ساهمت بشكل كبير فى الترويج للمشروع من خلال دعوة السفراء للاطلاع على الخطط وزيارة بعض النقاط.
■ ما التكلفة الإجمالية للمشروع وكيف جرى تدبيرها؟
- ساهمت وزارة السياحة والآثار بـ٦٠ مليون جنيه، وساهمت وزارة التنمية المحلية بـ٦٠ مليونًا أخرى، إضافة إلى مساهمة بعض الأجهزة المحلية فى أعمال التطوير فى بعض المناطق لأنها تقع ضمن مهامها الأساسية.
■ كيف نجنى فوائد اقتصادية من مسار العائلة المقدسة؟ وما حجم الإيرادات المتوقعة؟
- هناك فائدة قومية بخلق منتج سياحى يجذب أسواقًا جديدة إلى القطاع السياحى، مثل كوريا واليابان والصين والأمريكتين، ومن ثم ضخ عملة صعبة داخل مصر تساعد الاقتصاد القومى.
كما أن المنتج الجديد متاح للزيارة طوال العام وليس مرتبطًا بفترة زمنية محددة، ويستطيع ملء الفترة التى تتراجع فيها الحركة ما بين الموسمين الصيفى والشتوى.
أما بالنسبة للاقتصاد المحلى فأعددنا خطة لتدريب الشباب والفتيات من سكان المناطق المحيطة بنقاط المسار على ريادة الأعمال وإدارة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تخدم المشروع، إضافة إلى إعداد خطة لتوعية المواطنين بجميع المحافظات بالمشروع والسلوك المناسب للتعامل مع السياح.
وبالنسبة للإيرادات، فهذا المشروع منتج جديد بمنطقة الشرق الأوسط، ولهذا فالطلب مضمون على المنتج، كما أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» أعلنت عن أن هناك مليارًا ونصف المليار مسيحى من المتوقع أن يجذبهم المشروع، وهناك نحو ٧٥٪ من الدول الإفريقية مسيحيون و٢٠٪ من سكان الدول العربية مسيحيون، لذا فإن المشروع يستطيع جذب ملايين السائحين.
■ هل سنستفيد من تسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة ضمن قائمة التراث غير المادى لـ«اليونسكو»؟
- تسجيل الاحتفالات المرتبطة برحلة العائلة المقدسة ضمن التراث غير المادى فى «اليونسكو» يضيف لرصيد مصر لتصبح لدينا سبعة عناصر مسجلة، هى: «السيرة الهلالية»، و«التحطيب»، والممارسات المرتبطة بالنخيل، وفنون الخط العربى، والنسيج اليدوى فى صعيد مصر، والأراجوز، وأخيرًا الاحتفالات المرتبطة برحلة «العائلة المقدسة».
العالم كله عرف بمسار العائلة المقدسة لأننا قطعنا شوطًا طويلًا على طريق الترويج للمنتج السياحى الجديد من خلال هذا التسجيل، فالسائح حاليًا أصبح يبحث بنفسه ويجمع معلوماته من خلال شبكة الإنترنت، وهذا التسجيل يشجعه على الزيارة.
■ كيف تسهم الكنيسة المصرية فى الترويج للمشروع؟
- الكنيسة المصرية شريك أساسى فى المشروع ولم تبخل بأى مجهود أو مساعدة فى أى مرحلة منه، ولها دور رئيسى فى المراجعة التاريخية واستيفاء المعلومات، كما ساعدتنا فى الملف الذى جرى تقديمه لمنظمة «اليونسكو»، وساهمت فى الترويج للمشروع وأنتجت بعض الأفلام الدعائية.
ما الخطوة المقبلة بشأن المشروع؟
- يجرى حاليًا التباحث بشأن إدارة المشروع، ولم يتم الاستقرار على جهة محددة، لأنه مشروع قومى متعدد الأطراف والجهات، كما ندرس الاستعانة بتقنية الواقع الافتراضى، لإعادة بناء المجتمعات القديمة فى النقاط التى لم يبق بها أى أثر مادى.