نحـو العمـق .. بقلم الأنبا موسى
14.06.2020 08:14
Articles مقالات
المصرى اليوم
نحـو العمـق .. بقلم الأنبا موسى
Font Size
المصرى اليوم

بقلم الأنبا موسى

بينما يجتاح العالم وباء كورونا، الذى حصد أرواحًا كثيرة، وأصاب أسرًا كاملة، ونحن نشكر الله لوعى ومجهود بلادنا وحكومتنا، فى التصدى المبكر لهذا الوباء، فانتشرت الخدمة فى مئات المستشفيات فى كل أنحاء القطر، حتى آخر الجنوب، وكل الدلتا، واستعد الجيش الأبيض للقيام بواجبه، وقام به خير قيام، ولكن..

 

- لعل أكبر اتهام يوجه إلى شبابنا المصرى، والشبيبة العالمية على اتساعها، هو الاتهام بالسطحية... ومع إحساس أن هذا اتهام فيه الكثير من الظلم، إلا أن فيه أيضًا بعض الحقيقة. أما الظلم فلأنه يتسم بالتعميم، فليس كل الشباب سطحيًا، كما أن صغر السن، ونقص الخبرة الطبيعى، وأسلوب التعليم، ووسائل الإعلام، وسعر الكتاب.. إلخ... كل هذه تجعل من الاتهام إجحافًا فى حق شبابنا. أما صدق الاتهام فينبع من سهولة عزوف شبابنا عن استعماق النفس، وتدارس التراث الروحى والفكرى، وسهولة انقياده للدنس أو الجريمة أو الإدمان، وتكوين جماعات منحرفة دون إحساس بالذنب... إلخ.

 

من هنا نحتاج أن يغوص شبابنا إلى العمق:

 

1- عمق نفسه. 2- عمق فكره. 3- عمق روحه.

 

4- عمق التراث. 5- عمق الفكر المعاصر. 6- عمق الإفراز والتمييز. 7- عمق التفكير فى رؤية المستقبل.

 

وذلك فى النهاية إلى عمق الوصول إلى رؤية صالحة: لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.

 

ولنتحدث عن هذه العوامل، بشىء من التفصيل..

 

أولًا: عمق النفس:

 

هذا غوص هام، يجب أن يتعود عليه الشباب، ففى أعماق النفس احتياجات كثيرة هامة ودفينة، تطغى عليها اهتمامات سطحية وزمنية زائلة.. فهو يهتم باحتياجاته البيولوجية: كالطعام والجنس، وباحتياجاته النفسية: كالحاجة إلى الانتماء، والحب، والتقدير، والنجاح... إلخ.. ولكنه بحاجة أن يهتم باحتياجاته الفكرية: كالثقافة، واحتياجاته الروحية: كالخلاص والشبع الروحى، والخلود.. وهنا يأتى السؤال:

 

متى يغوص شبابنا إلى داخل نفسه وأعماقها؟.!

 

إن الاحتياجات البيولوجية والنفسية هامة، ويمكن أن يشبعها الإنسان بطريقة متزنة وسوية. بل إن الإنسان المتدين يستطيع بالله العامل فيه، أن يشبع هذه الاحتياجات بصورة أفضل:

 

1- هو يحتاج إلى الطعام.. ويرى الصوم ضرورة روحية بناءة!!.

 

2- ويحتاج إلى الجنس.. ولكن فى جهاد وطهارة وقداسة.!!

 

3- ويحتاج إلى الانتماء.. فينتمى إلى: أسرته، ودور العبادة، والتدين، والمجتمع، والوطن، والبشرية كلها بصفة عامة!!.

 

4- ويحتاج إلى الحب.. من خلال التدين السليم، يحب الجميع ويحبه الجميع!.

 

5- ويحتاج إلى التقدير.. فهو شخصية متزنة وديعة وقوية!.

 

6- يحتاج إلى النجاح.. إذ يسير مع الله، ويثابر فى اجتهاداته، والرب ينجح طريقه.!!

 

ثانيًا: عمق الفكر:

 

يحتاج شبابنا أن يقرأ..!!

 

1- وفى تجربة أمريكية شهيرة وموثقة، أن مجموعة من العائلات أغلقت التليفزيون نهائيًا، بقنواته التى تعمل 24 ساعة يوميًا، لترى نتيجة ذلك على سلوك هذه الأسرات، فوجد الدارسون أن نتيجة التجربة كانت كما يلى:

 

أ- بدأ الشباب والفتيان يقرأون الكتب.

 

ب- ترابطت الأسرة بصورة أفضل.

 

ج- تزاورت هذه الأسرات مع بعضها.

 

إذن فالأثر هنا كان: فكريًا، عائليًا، واجتماعيًا.!!

 

لسنا نقصد غلق وسائل التواصل بكافة أنواعها، ووسائل الميديا نهائيًا، ففيديو الأفكار والعقل والتصور أخطر وأخطر، ولا شك أن علاقات الخطيئة مدمرة.!!

 

2- ولكننا نقصد أن مواجهة وسائل التواصل الاجتماعى بكل صورها المتعددة، من: فيس بوك وواتساب وفايبر وتلجرام، وانستجرام، ويوتيوب، وغيره، و... إلخ. من وسائل الإعلام، تأتى كما يلى:

 

أ- الإشباع الروحى: الذى يجعلنى قادرًا على التمييز بين البرامج، وانتقاء المناسب والمفيد منها.

 

ب- الإشباع الثقافى: الذى يملأ ذهنى بقضايا مهمة، تجعلنى قادرًا على النقد والاختيار الإيجابى، وليس الخضوع للترويح السلبى، الخطير الأثر على عقول شبابنا بل علينا جميعا.

 

ج- القدرة على الاختيار: فالشبعان روحيًا وثقافيًا، يستطيع النقد والتمييز، فيختار ما يراه بناءً ويرفض ما يراه تافهًا أو هدامًا، فقد قال سليمان الحكيم: النفس الشبعانة تدوس العسل (أمثال7:27).

 

ولم يعد صعبًا الدخول على الإنترنت وقراءة العديد من الكتب والدراسات والمعلومات.

 

ثالثًا: عمق الروح:

 

فى أعماق الإنسان حاجات ثلاث جوهرية، قلَّما يلتفت إليها الشباب، بسبب اندفاعه نحو الحياة الزمنية، وهذا أمر طبيعى، ولكننا نطالبه بأن اهتمامه بتكوين مستقبله المادى، لا ينبغى أن يكون على حساب اهتمامه بمستقبله الروحى، هنا وفى الأبدية!!، إذ ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يعطى الإنسان فداء نفسه؟! (مرقس36:8).. فما هى احتياجات الروح؟..

 

أ- الروح تحتاج إلى الخلاص من أسر الخطيئة:

 

بمعنى أن الخطيئة تزعج الروح وتلوثها!!، ويحتاج الانسان - ككيان متكامل - أن يتخلص من عبودية الخطيئة. ونحن نشكر الرب، لأنه أعطانا أن نتخلص من عبودية الخطيئة، فهو أعطانا ويعطينا بركات من خلال التواجد فى دور العبادة والاشتراك فى الأنشطة المتنوعة.. الثقافية والفكرية والدينية والعلمية والرياضية والاجتماعية والأسرية... إلخ.. لذلك فمسكين من لا يتوب ويعود إلى الله تعالى، سندنا فى الدنيا وفى الآخرة. فيترك الشر ويلتصق بالخير، وهذا بناء لكل زوايا الإنسان. وطوبى لمن يحرص على فحص نفسه وينقيها من شوائب الخطيئة من خلال التدين السليم والإرشاد الدينى البنّاء.

 

ب-والروح تحتاج إلى الشبع:

 

فهى كجزء من الكيان الإنسانى لها غذاؤها..

 

1-العقل غذاؤه الثقافة. 2- والنفس غذاؤها الترويح والتسامى.

 

3- والجسد غذاؤه الطعام والرياضة والراحة والنوم الكافى. 4- والروح غذاؤها التدين السليم.

 

رابعًا: عمق التراث:

 

1- خطير أن يعيش الإنسان بلا جذور!!.

 

2- فهذا ضد الانتماء!!.

 

3- وضد الاستفادة من ثروة وخبرات قديمة وفكر أصيل. !!

 

4- وضد النمو الطبيعى للشجرة الإنسانية: فالحاضر نتاج الماضى، واستيعاب الماضى مهم للمستقبل!!.

 

5- بل إن هذا ضد روح العصر التى تحرص على كل قديم، حتى ولو كان بيتًا عمره 150 سنة، أو شجرة فى حديقة يملكها إنسان ولا يستطيع أن يقطعها إلا لظروف قهرية وبتصريح من البلدية، كما يحدث فى الدول المتحضرة.

 

إن التراث هو القاعدة الخرسانية المسلحة، وبعض الأدوار، ويستحيل أن نبنى أدوارًا جديدة دون دراسة دقيقة للقواعد، وما فوقها حتى تاريخنا هذا!!.

 

من هنا كانت أهمية:

 

1- دراسة تاريخنا الدينى.

 

2- دراسات عمن سبقونا فى شؤون الدين، فى مختلف العصور.

 

3- دراسة لغات بلدنا القديمة بما تحمله من فكر وتدين وثقافة.. فنحن بلد التوحيد من قبل أخناتون.

 

4- الحفاظ على الأناشيد الدينية، وحفظها وترديدها.

 

5- الفن القديم فى الأديان المتعددة، وكل له فلسفته وأعماقه.

 

أعاننا الرب أن ندرس كل هذا ونسلمه لأجيالنا القادمة بنعمة الله، وعمل إلهنا القدوس، له كل المجد.. وللحديث بقية.

 

* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.