
رغم مكانته الطبية الرائدة فى العالم، قرر الجراح العالمى الدكتور مجدى يعقوب، منذ سنوات، أن يعود إلى مصر، ليدشن بها مركزه بمستشفى أسوان لعلاج أمراض القلب بالمجان، ليرسل رسالة وطنية ووفاءً لمصر، التى ظل يحملها فى قلبه طيلة سنوات غربته، وينقل علمه لأجيال جديدة من الأطباء تستكمل مسيرته.
الجراح العالمى الحاصل على لقب «سير» من ملكة إنجلترا، قال فى حواره مع «الدستور»، إن الطب لدينا لا يزال يحتاج إلى طريق طويل، رغم وجود تحسن نسبى فى المنظومة الطبية المصرية، وإن الإحصائيات الدولية التى تتحدث عن نسب الأمراض فى مصر ليست دقيقة تمامًا، لأنها لا تكشف عن معاناة المرضى، والقصور فى أوجه تشخيص المرض وعلاجه، مشيرًا إلى أن كثيرًا من أمراض القلب يمكن الوقاية منها بقليل من الوعى الصحى والمجتمعى فى التعامل مع المرض، وإلى نص الحوار.
■ ما شعورك عندما عدت لمصر بعد قضاء فترة طويلة فى الخارج؟
- صعب على أن أصف مكانة مصر بالنسبة لى، لكن هذا المكان هو موطنى، ومكانة مصر فى قلبى، ودائمًا معى، فى كل مكان أذهب إليه، وعندما أعود إليها أشعر بسعادة داخلية وراحة نفسية.
■ ألا يؤثر حملك جنسية أجنبية على علاقتك بمصر؟
- رغم حصولى على الجنسية الإنجليزية التى أعتز بها أيضًا، فإن مصر هى وطنى، فأنا مصرى، وقلبى مصرى، وأشعر بسعادة كبيرة للغاية عندما أبذل القليل الذى أملكه لزملائى وطلابى فى مصر، وللمصريين عمومًا.
■ وفقًا لخبرتك الطويلة.. كيف يجب على الطبيب أن يتعامل مع مرضاه؟
- بالإنسانية، فنحن نعالج من يعانون من مشكلات صحية، وهم فى حالة مرضية صعبة، وعلينا كأطباء أن نؤدى مهنتنا فى العلاج، لكن أيضًا علينا أن نعى كيف نتعامل مع المريض ونتفاعل معه، فهناك أشخاص فى دول العالم يتعاملون مع المرضى بطرق تستحق أن يتقنها كثير من الأطباء، فأحيانا المعاملة الحسنة الطيبة قد تجعل المريض يشعر بارتياح، حتى لو لم يكن فى مراحل الشفاء، وهنا يصبح العلاج العلمى مرتبطًا أيضًا بالمعاملة الحسنة، وكلاهما معًا يساهم فى شفاء المريض.
■خلال السنوات التى عملت فيها بمصر.. هل رصدت تطورًا فى المنظومة الطبية؟
- مصر تمتلك كفاءات توازى مثيلتها فى العالم، وأرى أن هناك سعيًا ملحوظًا فى اتجاه التحسين، ولكن الطريق لايزال طويلاً، ويحتاج إلى مساندة وتعاون من الجميع.
■ هناك إحصائيات دولية تقول إن ٢٠٠ ألف مصرى يموتون سنويًا بأمراض القلب.. هل هذا صحيح؟
- نسبة المصابين بأمراض القلب تصل إلى حوالى ٣٠٪ من الشعب المصرى، والإحصائيات لا تُظهر كل شىء.
■ ما الذى تقصده بذلك؟
- نسبة المصابين بأمراض القلب أكبر بكثير مما تشير إليه الإحصائيات، وهناك قصور فى أوجه العلاج المقدمة للمصابين بأمراض القلب فى عدة محافظات فى مصر، كما أن رحلة المعاناة التى يخوضها المريض وذووه كبيرة جدًا، فعلى سبيل المثال الحمى الروماتيزمية، وأمراض الصمامات، تصيب أعدادًا ضخمة جدًا من الناس، وقد لا يتم تشخصيها، ولو فحصنا حاليًا جميع الأطفال فى المدارس، سنجد أن نسبة الأمراض الموجودة بينهم أكثر بـ١٠ أضعاف مما كنا نتخيل، كما كشفت لنا تجربتنا فى إجراء الفحوص على الأطفال فى مدارس أسوان.
■ هل تقصد أن النسب لدينا تزيد على النسب العالمية؟
- هذا حقيقى، فأعداد المرضى الذين يأتون لعلاج الحمى الروماتيزمية فقط، مهولة تقدر بالمئات، رغم أن هذا المرض ليس متواجد بكثرة فى الدول الأكثر تقدمًا، ويسهل تجنبه، فما بالك بباقى المصابين بأمراض القلب.
■ إذا كانت أمراض الحمى الروماتيزمية القلبية يمكن تجنبها.. فلماذا لا نفعل ذلك؟
- من أجل أن تمنع مرضًا ما، عليك أن تعلم أسبابه أولاً، لأن الأمر يحتاج إلى توعية كبيرة، فالحمى الروماتيزمية تأتى بسبب التهاب الحلق، ولو قمنا بالتوعية بذلك لاستطاع كثير من الأسر حماية أنفسهم وحماية أطفالهم، وهناك كثير من الأمراض القلبية التى يعانى منها المرضى فى مصر بسبب غياب الوعى الصحى، أو عدم الاهتمام بأعراض المرض.
وعندما كنت فى قصر العينى رأيت بعينى معاناة الأطفال، وبعضهم فقد حياته بسبب غياب العلاج الصحيح، أو لأن أهله أحيانًا لا يعلمون أنه مصاب بروماتيزم فى القلب إلا بعد فترة طويلة، كما أن هناك حالات توفيت بسبب إهمال الأهل، وعدم إعطاء جرعات البنسلين المقررة كما يجب، مما تسبب فى وفاة أطفال، وتوقف قلوبهم الصغيرة التى كانت تستحق الحياة.
■ هل يعنى ذلك أن التوعية يمكنها أن تخفض من نسب وجود هذه الأمراض؟
- بالفعل، دور التوعية مهم جدًا لتجنب أمراض كثيرة، بعضها بسيط، وبعضها خطير، رغم أن الأسباب التى أدت إلى المرض يمكن بسهولة تجنبها، أو كشفها بشكل مبكر، أو إنهاؤها تمامًا بالعلاج المناسب والجرعات المقررة.