روى شهود تفاصيل مروعة عن التعذيب الذي تعرض له الأطفال والمسنون في سجن عسكري سوري سيء السمعة خلال محاكمة ثلاثة ضباط رفيعي المستوى مقربين من الرئيس بشار الأسد، محتجزين غيابياً في محكمة باريس. ويواجه الضباط اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مرتبطة بمقتل المواطنين الفرنسيين السوريين باتريك الدباغ، وهو طالب يبلغ من العمر 20 عامًا، ووالده مازن الدباغ، 48 عامًا.
ووفقا للجارديان، من بين المتهمين علي مملوك، 78 عاماً، رئيس المخابرات السورية والمستشار الأمني للأسد؛ جميل حسن، 72 عاماً، رئيس المخابرات الجوية السورية سابقاً؛ وعبد السلام محمود، مدير المخابرات في مركز احتجاز المزة. وهم متهمون بالتواطؤ في اعتقال وتعذيب وقتل عائلة الدباغ.
تمثل هذه المحاكمة، وهي قضية تاريخية في فرنسا، التزام الدولة بمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بموجب الولاية القضائية العالمية، والتي تسمح بمحاكمة مثل هذه الجرائم بغض النظر عن مكان حدوثها أو الجنسيات المعنية. وقد بدأت الإجراءات من قبل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير.
اعتقل باتريك الدباغ في 3 نوفمبر 2012 من قبل المخابرات الجوية السورية، ثم ألقي القبض على والده في اليوم التالي. ويُعتقد أنهما محتجزان في سجن المزة. وأصدرت السلطات السورية شهادات وفاة عام 2019، تفيد بوفاة باتريك في يناير 2014 ومازن في نوفمبر 2017، دون تقديم أسباب الوفاة أو إعادة الجثتين إلى ذويهما.
وروى عبيدة الدباغ، شقيق مازن وعمه باتريك، محنة العائلة، مشيراً إلى أن مازن لم يكن لديه أي مشاكل سابقة مع المخابرات السورية وكان مخلصاً لعائلته ووطنه. وأعرب عن سعيه المستمر لمعرفة الحقيقة بشأن وفاتهم.
عُرضت على المحكمة صور فوتوغرافية من ملفات قيصر، وهي مجموعة من حوالي 54 ألف صورة تم تهريبها من سوريا من قبل مسؤول سابق في الشرطة العسكرية، تصور جثث السجناء الذين تعرضوا للتعذيب الشديد. وقد استخدمت هذه الصور في المحاكم الأوروبية لتوثيق الوحشية المنهجية في مراكز الاعتقال السورية.
وكشفت الشهادات أثناء المحاكمة أن السجناء في المزة، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات وكبار السن، تعرضوا للتعذيب الشديد، بما في ذلك الصدمات الكهربائية، والحرق بالسجائر، والتعليق لفترات طويلة من أطرافهم. وروى أحد السجناء السابقين فقدان 20 من أفراد عائلته بسبب وحشية النظام.
وتكتسب هذه القضية أهمية كبيرة لأنها تمثل أول محاكمة لمثل هؤلاء المسؤولين السوريين رفيعي المستوى في فرنسا. وتأتي هذه المحاكمة في أعقاب إصدار فرنسا مذكرة اعتقال دولية ضد الأسد بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية في عام 2013. وتسلط المحاكمة الضوء على الجهود الأوسع التي تبذلها الدول الأوروبية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، على الرغم من التحديات التي تفرضها محاكمة الأفراد غيابيا.
وأدى الصراع السوري، الذي بدأ عام 2011، إلى مقتل أكثر من 230 ألف مدني، من بينهم 30 ألف طفل، ويُعتقد أن أكثر من 15 ألفاً تعرضوا للتعذيب حتى الموت. وعلى الرغم من عمليات إعادة التأهيل الأخيرة لنظام الأسد في العالم العربي، فإن هذه المحاكمة تهدف إلى تحقيق العدالة لضحايا القمع الوحشي في سوريا.
وأعرب عبيدة الدباغ عن إصراره على كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، آملاً تحقيق العدالة الدولية في المستقبل ضد رأس النظام السوري.