قُدْسِيَّةُ وجَمَالُ صَنْعَةِ المَيْرُونِ
31.03.2017 02:12
Articles مقالات
قُدْسِيَّةُ وجَمَالُ صَنْعَةِ المَيْرُونِ
Font Size

بقلم القمص اثناسيوس جورج

اتخذ الآباء الرسل من طيب الحنوط المقدس ؛ وهم الصبر والمر والعود الذين أحضرهم يوسف الرامي ونيقوديموس ، ليضعوهم على جسد سيدنا ؛ خميرة أضافوا إليها الزيت وأطياب الأدهان التي لحاملات الطيب ، وبعد ذلك صلوا لتقديسها في علية بيت مارمرقس بأورشليم ، ليجعلوا منها مسحة وخاتمًا للمعمودية ؛ بحيث توزع على الأقطار للبشارة.

 

فأصلُ زيت الميرون المقدس هو خميرة الحنوط والأطياب التي كانت عند إنزال الرب من على الصليب ؛ وقت دفنه... وإلى الآن تتناقل هذه الخميرة المباركة ؛ وتضاف لها مكونات الميرون (الذريرة / الطيب / اللافندر/ قسط هندﻱ / السليخة / شيشعان / الورد / حصا اللبان / الصندل/ القرفة / القرنفل / العود / المر / البسباسة / الكافور / سنبل وجوزة الطيب / الميعة / الحبهان / المسك / العنبر / زيت الزيتون الفلسطيني / الزعفران / دلامي / الصبر / البلسان).

 

وتُجمع هذه الدُرر والأطياب لتوزن وتُخلط ثم تُطبخ ؛ بوصف قدسي روحاني يصنعه (العطار الحاذق والماهر) الذﻱ هو الروح القدس عطر العطارة الذﻱ صنعه العطار (خر 30 : 25) والذﻱ يمزجها ويخلطها بيد بطاركة وأساقفة الكنيسة الملهمين كأمهر العطارين (أما الأقداس فطبخوها في القدور والمراجل( 2 أﻱ 35 : 13) ، وسط مراسيم صلوات وقراءات طقسية ثابتة في كتب البيعة ومخطوطاتها لتكريس الميرون المقدس (ميسطاجوجيا أو ميسطا غوغيا) ، والتي تشمل أمانة مدخل تعليم الأسرار وتلقينها...

 

ويعتبر طقس تقديس الميرون وطبخه ؛ مناسبة ليتورچية احتفالية مفرحة تتخللها التكاريز والمواكب الطقسية التي لحرز حياة القطيع المختار ، والتي تصير قدسًا للقديسين ؛ مملوءة أطيابًا وأصنافًا عطرة حسب صناعة العطار ذات الرائحة اللذيذة الزكية والمُسِرَّة ؛ كالناردين الخالص كثير الثمن... وهذا الكنز الطقسي اختزنته الكنيسة العريقة المرتشدة بالروح ؛ واعتبرته ذخيرة حياتها ومسحة قيامتها ، فصنعت منه دهن ميرونها ، وأوقفته على مسح المعمدين الذين دُفنوا مع الرب لشركة موته ، فتمسحهم بهذا الميرون عينه ، كمسحة شركة قيامة الرب ، كذلك تستخدمه فقط للتدشين والتكريس . هذا ما تناقلته على مر الأجيال من جيل وإلى جيل ، لنكون به قرابين طيبة وذبائح سرور وصعائد بركة ، لذاك الذﻱ هو منبع الطيب ، والذﻱ يجعل البحر كقدر عطارة (أﻱ 41 : 31) .

 

زيت الميرون ؛ ذلك السر المبارك الذﻱ للمسحة والختم المقدس ، بالأطياب الأوخسارسدية المعطاة لنا كمسحة سيدية سماوية ؛ نصير بها مشتركين في ملكوت المسيح وممسوحين كقديسين فيه ... ومن قبل هذا الختم المحيي والسمة الربانية تصير نفوسنا ثابتة فيه لا تنحل ولا تمحىَ ولا تزول ؛ بل تتقدس بختم الضمانة الملوكية والعلامة الموسومة التي تعلمنا كل شيء وتصيِّرنا مسكنًا للروح القدس ، وبها نقدر أن ندعو الآب السماوﻱ ونناديه بدالة البنين (أيها الآب أبانا) ضمن أبنائه وخاصته وورثة ميراث ملكوته ؛ والذﻱ صار لنا بختم الحفظ الخلاصي وعلامة مليكنا ومخلصنا الروحي الأعظم .

 

هذا هو معنى السر الذﻱ به نُختم ونتطيب ونُمسح مسحة محيية لا تنحل.. لا تفارقنا ؛ بل تدوم وتضرم بفيض التعزيات والبركات التي لمواهب الروح القدس ، والتي بواسطه هذا الدهن الذﻱ لعربون شركة الحياة الأبدية ؛ ومعرفة الله الحقيقي وحده ، ويسوع المسيح ابنه الذﻱ ليس بأحد غيره الخلاص... فيا له من سر مقدس وموهبة عطية نعمة مجانية ؛ بها نتأهل للبنوة وللشركة ولإدراك العطايا الفائقة الوصف ، تلك التي تملأنا مسرة وتعزية وفرحًا ونعيمًا وسلامًا لا يُنطق به ، بفتح أعين قلوبنا وأذهاننا ؛ لنعاين المدخرات التي منحها المسيح إلهنا للذين أحبوه واختاروه نصيبًا أبديًا ، فنتكمل ونتثبت بالمسيح وبجسده (زيت تكميل) (زيت تثبيت) ، ليتصور فينا المسيح ونتشكل على صورته ، غير مفترقين عن القطيع السيدﻱ (كنيسته / جسده) بأفعال غريبة ، حاملين سمات الرب يسوع فينا ؛ معروفين عنده متسمين ببركات السمائيين .

 

إن قوة السر فاعلة في كل شيء ؛ بنعمة الثالوث القدوس التي تجعله صانعًا للحياة وواهبًا لمواهب الروح القدس ؛ مالئ الكل كنز الصالحات ومعطي الحياة ، وبه نكون مُمَيْرَنِيين بطيب المسحة وممتثلين بالمسيح ؛ مكرسين له ومدشنين بختمه ، عاملين ما يرضيه كل حين أمامه ، متقدمين في الأعمال والعبادة الحسنة ، محصنين من القتالات الشيطانية ، سائرين في مسيرة الطريق الملوكي مع جيش الخلاص في المعسكر الروحي لميراث لا يبلىَ ولا يتدنس ولا يضمحل ، محفوظ في السموات لأجلنا ، سالكين بأعضاء آلالات بر لله ، حوت فيها سرًّا لا يعبر عنه بكمال نعمة الروح القدس ، ولباس عدم الفساد ، وسربال البر المنير ، وحُلة الخلود الملوكية ، وثياب العرس التي لعشاء عُرس الحمل السعيد.

 

فلتبتهج الكنيسة بتقديس هذه المسحة التي للعهد الجديد ، والتي بها نصير ملوكًا وكهنة ؛ مقدسين للقدوس ؛ وشركاء لمجد الملكوت ، وتتكون بنا جماعة البيعة الطاهرة المستقيمة النظام في عبادة عقلية مرضية على مدى الأيام ، وليجعل الله أيام حبرية بطريركنا المحبوب البابا تواضروس الثاني أيامًا عطرية ممسوحه بالأعمال المجيدة.

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.