«الوطن» تفتح ملف «التراث القبطى».. رحلة داخل «الغرف السرية» مفاتيح الحضارة فى صحارى مصر
07.04.2021 13:49
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
جريدة الوطن
«الوطن» تفتح ملف «التراث القبطى».. رحلة داخل «الغرف السرية» مفاتيح الحضارة فى صحارى مصر
Font Size
جريدة الوطن

 

الحياة مختلفة خلف الجدران المغلقة التى يطلق عليها «الأديرة» والتى انتشرت فى معظم أرجاء المسكونة، إلا أن مكاناً خاصاً احتلته «مدينة النساك»، التى أطلقوا عليها «شيهيت»، أى «ميزان القلوب»، وهى صحراء وادى النطرون بمحافظة البحيرة، التى كانت مقصد الأقباط فى القرن الرابع الميلادى، حيث لجأوا إلى مغاراتها، زاهدين فى الدنيا، باحثين عن الخلاص، فكانت صاحبة النصيب الأكبر من تلك «الأديرة» التى بدأت بدير الأنبا مقار، لتصل بعد ذلك إلى 700 دير، لم يتبقَّ منها إلا 4 فقط حالياً، كان منها هذا الدير الذى نسير بين جنباته فى رحلتنا لطرق أبواب لم تطرق من قبل صحفياً، لإعادة اكتشاف التراث القبطى.

فقد احتفظت صحارى مصر بتاريخ المسيحية على مدى ألفى عام، وكان الرهبان الأقباط حراس كنوز المعرفة الإنسانية حتى «الكتب الدينية الممنوعة» التى حفظوها من اللصوص والطامعين داخل «جِرَارٌ» من الفخار ودفنت فى الجبال، أو فى «الغرف المسحورة» التى شيّدوها داخل الحصون الأثرية التى انتشرت داخل الأديرة القبطية كملاذ لحياتهم وما خطته أيديهم هرباً من غارات البربر واللصوص.

واصلنا المسير فى رحلتنا داخل الدير العتيق، يصحبنا دليلنا الراهب القبطى الذى اتخذنا له اسماً مستعاراً هو «الأب كيرلس» لعدم التصريح له بالحديث إعلامياً طبقاً لتعليمات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، متلمسين طريق الأولين، يحيطنا عبقهم، ونشتم آثارهم بين ثنايا الجدران التى أحاطتهم والأحبار التى تركوها على الأوراق ورقوق الجلد، باحثين عن أسرار الحضارة ومفاتيح التاريخ داخل «الغرف السرية» بعد أن دخلنا حصن الدير فى الحلقة الأولى.

الأقباط أنشأوا غرفاً داخل الأديرة للاختباء فيها من اللصوص وحفظ المخطوطات وما زالت موجودة أسفل «مذابح» الكنائس الأثرية حتى اليوم

كانت الغرفة التى أدخلنا إليها الراهب ذات جدران سميكة، ملساء، صماء، بلا نوافذ، أدخلت لها الإضاءة الكهربائية حديثاً، كما كل «الحصن»، فارغة من أى شىء إلا الهواء المشبّع بالرطوبة.

أخذ دليلنا الأب الراهب صاحب الاسم المستعار «الأب كيرلس» يشرح لنا: «تلك كانت إحدى الغرف المسحورة التى توجد بالدير، للحفاظ على مقتنياته من الكتب والمخطوطات، للحفاظ عليها من أيدى الغزاة واللصوص، فالمكتبة بدأت فى الدير بدولاب صغير داخل الكنيسة يحوى كل كتب القراءة، ولم يُعرف الدولاب بوضعه المستقل الحالى، بل كان عبارة عن طاقة فى الحائط طويلة لها ضلفتان وبها رفوف تُرص فوقها الرقوق، وبسبب رطوبة الغرفة تلفت بعض المخطوطات، سواء التى على الرقوق الجلد أو الورق، حيث أتلفت الرطوبة الحبر والدوبار فتبعثرت وتناثرت».

أستاذ اللغة القبطية: الغرف المسحورة أو الغرف السرية عرفتها الأديرة التى أقامت الحصون والدهاليز للاختباء من غارات البربر واللصوص

الغرف المسحورة أو الغرف السرية، عرفتها الأديرة التى أقامت الحصون والدهاليز للاختباء من غارات البربر واللصوص فى القرون الوسطى، فيقول الدكتور إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية بكلية الآثار جامعة سوهاج، والحاصل على الدكتوراه فى الدراسات القبطية من جامعة ليدن بهولندا، لـ«الوطن»: «إن تلك الغرف تحدث عنها كل من العالمين الفرنسيين إميل أميلينو (1850 - 1915م)، وجاستون ماسبيرو (1849 - 1916م)، حينما اكتشفا مخطوطات دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، أو كما يُعرف بالدير الأبيض، الذى يقع فى محافظة سوهاج بصعيد مصر، حيث وصفا تلك الغرف التى خبأ فيه رهبان الدير مخطوطاتهم بسلام من القرون الوسطى»، مشيراً إلى أن تلك الغرف حسب هذه الآراء توجد فى الدير بالأعلى فى جسم الدير إلى الشمال من الهيكل، حيث تصعد السلم إلى الغرفة المستخدَمة اليوم كمذبح باسم البابا كيرلس، ومن ثم تصعد إلى أعلى لتجد غرفة مقبية صغيرة تستخدم اليوم كمذبح باسم الملاك ميخائيل، وربما كان لها مدخل من سقف الدير قبل بناء الجدار الفاصل بين منطقة الهيكل والصحن الأثرى، أو أن تكون الغرفة السرية هى غرفة تحت سطح الأرض لها مدخل من غرفة إيقاد الشموع، إلى الشمال مباشرة من الهيكل، ويمكن رؤية المدخل إلى هذه الغرفة السرية خلف صورة الأنبا شنودة الضخمة، حيث خلف الصورة يوجد ممر مقبى يُفضى إلى غرفة صغيرة جداً لا يُعرف لها استعمال، ربما كانت مخبأً مناسباً للمخطوطات، أو ربما استُخدمت لاحقاً كمكان للدفن، لافتاً إلى أن الغرفة حالياً مغلقة بالكلية.

ويقول الراهب القمص بيجول السريانى، المسئول السابق عن مكتبة المخطوطات فى دير السريان بوادى النطرون، لـ«الوطن»، إن الأديرة بدأت عبارة عن منشوبيات -مساكن- فى الصحراء والجبال تجمّع فيها عدد من الرهبان، قبل أن يبنى الملك زينون عاهل الدولة الرومانية الشرقية (474 - 491م)، الحصون للرهبان للاختباء فيها من غارات البربر، وذلك إكراماً لابنته إيلارية التى ترهبت فى دير القديس مكاريوس باسم الراهب إيلارى، دون أن تكشف أمرها لأحد، فيما عُرفت الأديرة بشكلها الحالى ببناء الأسوار حول المنشوبيات والحصون فى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى وبداية القرن الثانى عشر الميلادى.

ويصف الأب متى المسكين، أشهر رهبان الكنيسة فى القرن العشرين (1919م - 2006م)، فى كتابه «الرهبنة القبطية»، الذى صدرت طبعته الأولى عام 1972م، تلك الغرف السرية التى توجد فى الحصن القديم بدير أبومقار بوادى النطرون، حيث أشار إلى أنه بالطابق الأول فى «الحصن» توجد حجرة فى الناحية الغربية يمكن الدخول إليها بواسطة باب فى حائطها القبلى إلى غرفة صغيرة ملحقة ذات قبة أقل ارتفاعاً من الحجرة الوسطى، ويكون الفراغ الذى بين أرضية هذه الغرفة الصغيرة وقبة الحجرة التى أسفلها بالطابق الأرضى -نحو مترين- مخبأً سرياً بغير فتحات، لكن الدخول إليها عن طريق باب صغير فى الأرضية، وكان يستعمل كمخزن.

كما يكشف «المسكين» غرفة سرية أخرى فى الحجرات الثلاث الغربية بالطابق الثانى من «الحصن»، إذ تقع حجرتان منها لهما باب واحد يغطيهما سقف خشبى مستوٍ، الوسطى ليست ذات أهمية، ولكن الأخرى الواقعة بالناحية «القبلية» يوجد فى حائطها «القبلى» ارتداد فى قاعه باب صغير يؤدى إلى غرفة منخفضة مظلمة محصورة بين الأرضية وقبة الحجرة التى أسفلها، وهى بهذا تناظر المخبأ السرى الموجود بالطابق الأول، وفى أكوام الأحجار والأتربة المتراكمة والخرق والسلال القديمة توجد رُزم من أوراق المخطوطات أغلبها بالقبطية والعربية هى بقايا مكتبة الدير.

مخطوطات «الجنيزة» كشفت تسامح المسلمين والمسيحيين مع اليهود فى مصر والشرق خلال ألف عام

وقال الراهب دليلنا فى الرحلة: «لا تُعد تلك الغرف السرية لمكتبات الأديرة، هى الحالة الاستثنائية فى مصر، حيث توجد (مخطوطات الجنيزة) التى عُثر عليها فى إحدى غرف معبد بن عذرا اليهودى بمنطقة الفسطاط فى مصر القديمة، والتى ظهرت للنور عام 1896م، حينما دخل الحاخام الأمريكى سليمان شيشتر (1847-1915م) المخزن المقدس للمعبد اليهودى القديم فى القاهرة واكتشف كنزاً ضم 280 ألف قصاصة من المخطوطات التى أحدثت ثورة فى فهم التاريخ اليهودى، وألقت الضوء على ألف عام من الحياة اليهودية النابضة بالحياة فى قلب العالم الإسلامى، حيث كان اليهود يخزنون أوراقهم التى لم يعد لها استخدام، ولكنها تتضمن لفظ الجلالة، فى تلك الغرفة التى لم تفتح ولكن تطوى الأوراق وتصل للغرفة عبر جدار، سمى بالجدار المقدس، إذ إنه وفقاً للشريعة اليهودية، لا يجوز إلقاء أى ورقة كُتب عليها اسم الله، وتركت تلك الأوراق فى الغرفة لمدة ألف عام دون أن تُمس، واحتوت تلك الأوراق سجلاً هائلاً يكشف عن مظاهر الحياة فى مصر من القرن التاسع إلى القرن التاسع عشر الميلادى، وقد غيّرت تلك الوثائق كل ما يعرفه العالم من معلومات عن اليهود والشرق الأوسط والبحر المتوسط فى العصور الوسطى، إذ كشفت عن أنّ التجار اليهود كانوا يتعاونون مع المسيحيين والمسلمين، وكان اليهود يُعاملون بتسامح أكثر مما كان يظن فى السابق، وبسبب أهمية تلك الوثائق تكاتفت كل من مكتبة جامعة أكسفورد ومكتبة جامعة كامبريدج، فى 2013م، لجمع الأموال اللازمة لحفظ هذه المجموعة من المخطوطات التى لا تدانيها أى وثائق أخرى فى أى مكان بالعالم عن اليهود، وخرجت تلك الوثائق من مصر إلى أوروبا، حيث استحوذت جامعة كامبريدج على 70% منها».

يضحك الراهب وهو يقول إن هذا المعبد اليهودى كان فى الأساس كنيسة تسمى «كنيسة الشماعين»، باعتها بطريركية الأقباط الأرثوذكس بسبب ضائقة مالية عام 882م، حسب «المقريزى».

الصحراء احتفظت بتاريخ المسيحية فى العالم ووجد بها أقدم نسخة من «الإنجيل»

خرجنا من الغرفة، فأخذ الراهب يُسهب فى الحديث عن دور رهبان البرارى فى الحفاظ على التراث القبطى المخطوط، فلم يكتفوا بوضعه فى الخزائن، بل منهم من طوى تلك الأوراق ووضعها داخل «جِرَار» ودفنها فى الصحراء، وهو ما ساعد العلماء فى العصر الحديث على إعادة كتابة التاريخ المسيحى فى العالم، وإن كانت اكتشافاته تمّت بالصدفة، قائلاً: «لقد احتفظت صحارى مصر بالتاريخ المسيحى، على مدى عقود من الزمن، رغم الإهمال الذى تعرّض له التراث القبطى أحياناً، ومن ذلك ما وثّقه الألمانى (تشيندورف)، الأستاذ بجامعة ليبزيج، الذى اكتشف ما يُعرف بـ«المخطوطة السينائية» بدير سانت كاترين فى جبل سيناء عام 1844م، وهى أقدم نسخة من الإنجيل بعهديه الحديث ومعظم القديم، ويعتقد أنها واحدة من 50 نسخة أمر الإمبراطور قسطنطين الأول (274 - 337م) بكتابتها، حيث أشار إلى أنه أثناء زيارته للدير وجد مصادفة بعض الرقوق فى سلة للمهملات كانت ممتلئة بالأوراق التى كان مصيرها أن تُستخدم فى إشعال الفرن الخاص بالدير، وبفحص هذه الرقوق تبين أنها نسخة من الترجمة السبعينية للعهد القديم مدونة بالحروف الكبيرة المنفصلة اليونانية، وقد استعاد من هذه السلة ما لا يقل عن 43 ورقة، وذكر له رهبان الدير أن ضعف ما يمكن أن تحمله السلة فى المرة الواحدة من هذه الأوراق قد احترق بهذه الطريقة، ولكن لم تترك الأوراق فى مصر، بل ذهبت إلى أوروبا، وتحديداً مكتبة جامعة ليبزيج، حيث ما زالت هناك إلى الآن».

«جِرَارٌ» مطلية بالغار فى جبال نجع حمادى تحفظ الكتب الممنوعة.. و«غرفة» بالفسطاط حملت أسرار تاريخ اليهود

واستطرد الراهب يحكى: فى عام 1945م اكتشفت عائلة مسلمة تدعى عائلة «السمّان» مكتبة «نجع حمادى»، إحدى أشهر وأهم المخطوطات القبطية التى عثر عليها فى القرن العشرين، حيث كان أبناء عائلة «السمّان»، الذين يقطنون بيتاً من الطوب اللبن فى منطقة نجع حمادى بمحافظة قنا فى جنوب صعيد مصر، يعملون «جمّالين»، وهى مهنة تقوم على تأجير «الجمال» لنقل البضائع أو الغلال للفلاحين فى تلك القرى، ولم يكونوا يعلمون يوماً بأنهم سينضمّون فى كتب التاريخ إلى أبرز أحداث عام 1945م، إذ كان القدر يقود «محمد على السمّان خليفة» هو وشقيقه «خليفة» لنقل سلال «سماد» إلى أرض أحد الفلاحين ناحية جبل الطارف الذى يبعد مسافة 5 كيلومترات شمالاً عن «نجع حمادى»، على ظهور «الجمال»، قبل أن تسقط إحدى تلك السلال من فوق الجمل، وتحدث صوت ارتطام بالأرض، تبين صاحب الجمل الأمر بفأسه فظهرت فى جرف الجبل جرة مصنوعة من الفخار ومطلية بالقار وبداخلها «أوراق بردى» قديمة ملفوفة بعناية فى أغلفة من الجلد.

أخذ «محمد» الأوراق وعاد إلى قريته «القصر والصياد»، ووضع كنزه فى أيدى أمه تلك العجوز التى ترك الزمن على وجهها الأسمر تجاعيده، على أمل أن يبحثوا عن فك طلاسم المكتوب فيها ويعرضوا كنزهم على مشترٍ، ولكن انقلبت حياة الأسرة بعد تلك الواقعة بسبب «الثأر» وصار الأشقاء مطاردين من الشرطة، وظنت الأم أن ما يحدث لهم بسبب سحر احتوته تلك الأوراق، فهمّت بحرقها، وألقت لنيران «الفرن البلدى» بعض تلك الأوراق مع الحطب، قبل أن يتدخّل «محمد» وينقذ من بين يدى أمه ما وجد، وعرض الأوراق على كاهن قبطى فى القرية يثق فيه يُدعى «القمص باسيليوس عبدالمسيح»، وكان ذلك بداية رحلة لبيع أول مخطوطة للمتحف القبطى فى القاهرة مقابل 250 جنيهاً، لتنتشر بين الناس قصة مخطوطات عائلة «السمّان»، وتداول أهالى القرية قصة تلك الأوراق دون أن يعرفوا ما دوّن فيها، وتم بيع بعضها لكل مشترٍ آتٍ للعائلة حتى وصلت معظمها فى النهاية إلى تاجر قبرصى يهودى يُدعى «فوكيون جان تانو» كان يعيش فى القاهرة نظير مبلغ كبير من المال.

وتناقل تجار التحف فى القاهرة المخطوطات، وكان منهم البلجيكى «ألبرت عيد» الذى كان يدير صالة لبيع الآثار فى وسط القاهرة، واشترى المخطوط الأول وحاول بيعه فى نيوريوك إلا أنه فشل، ومن بعده باعته أرملته «سيمون عيد» إلى معهد «جانج زويتش» بألمانيا.

وفى هذا الوقت، سمع بنبأ تلك المخطوطات عميد الأدب العربى «طه حسين» الذى كان يشغل وقتها منصب وزير المعارف ليُقرر رصد مبلغ من المال لشراء تلك المخطوطات، حتى جاء الرئيس جمال عبدالناصر وأمّم تلك المخطوطات وضمّها للمتحف القبطى بعد تعويض «تانو» مالياً.

وشكلت لجان علمية لدراسة تلك المخطوطات شارك فيها «جيمس روبنسون»، المدير السابق لمعهد العصور القديمة والمسيحية والأستاذ الفخرى فى كلية كليرمونت للدراسات العليا، الذى لجأ إلى «اليونيسكو» لإقناع الحكومة المصرية بالموافقة على دراسة المخطوطات وترميمها بطريقة علمية، ونجح، ليظهر للعالم ما يُعرف بـ«مخطوطات نجع حمادى» التى تحتوى على أكثر من خمسين نصاً دينياً وفلسفياً كتبت باللغة القبطية وباللهجتين الصعيدية والإخميمية الجنوبية، تعود إلى نهاية القرن الثالث الميلادى وبداية القرن الرابع الميلادى، وبفضلها تمت إزاحة الكثير عما يُعرف بـ«الفلسفة الغنوصية وأدبياتها»، التى كانت مجهولة للعالم حتى منتصف القرن التاسع عشر، وحظى نص واحد على وجه الخصوص باهتمام كبير وهو «الإنجيل حسب توما»، الذى كان يُسمى فى الأصل «كلمات يسوع السرية التى كتبها توما».

كان يُعتقد أن هذه النصوص والكتب المقدسة مثل «إنجيل توما، وإنجيل فيليب، وإنجيل الحقيقة»، تم تدميرها بالكامل خلال الصراع المسيحى فى القرون الأولى، ما أدى إلى المساهمة فى اكتشافها وترجمتها، التى اكتملت فى سبعينات القرن العشرين، لإحداث حالة من الزخم لإعادة تقييم رئيسية للتاريخ المسيحى المبكر وطبيعة الغنوصية.

وأشار جيمس روبنسون إلى أن هذه المخطوطات قد تنتمى إلى دير القديس باخوم، القريب من المنطقة التى دفنت فيها الأوراق، والتى أرجع سر دفنها بعد أن أدان البابا أثناسيوس الأول (293 - 373م)، البطريرك الـ20 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية المعروف بـ«أثناسيوس الإسكندرى، وأثناسيوس الكبير، وأثناسيوس الرسولى»، استخدام الكتب غير الكنسية فى الكنيسة.

حيث فى هذا الزمان كانت الأناجيل تقرأ على أنها تعاليم من رسل المسيح داخل الكنائس، قبل أن يتم تصنيفها كأناجيل قانونية من قِبل «مجمع نيقية»، وهو أول مجمع مسكونى لأساقفة الكنائس عُقد بدعوة من الإمبراطور قسطنطين؛ لدراسة الخلافات فى كنيسة الإسكندرية بين الكاهن المصرى «آريوس» وأتباعه من جهة، وبين البابا إلكسندروس الإسكندرى وأتباعه من جهة أخرى، حول طبيعة المسيح، وكان بصحبة البابا سكرتيره أثناسيوس، وكان شاباً صغير السن، ولم يكن يُسمح له كشماس بأن يشترك فى المناقشات، وقد قيل إن البابا سامه قساً ليحق له الاشتراك فى المناقشات، فدخل فى حوار مع «آريوس»، كما وضع قانون الإيمان الذى تردّده كل الكنائس اليوم.

وانتهى هذا المجمع الذى عُقد عام 325م برفض أفكار «آريوس»، وأحرقت كتبه وسمى مذهبه ببدعة آريوس، ووُصم أتباعه إلى اليوم بلقب أعداء المسيحية، وتشكلت عام 331 ميلادية لجنة بأمر الإمبراطور مهمتها التفتيش عن وإعدام الأناجيل المحرّمة التى سُميت بعد ذلك باسم «أبوكريفا» -(وهى كلمة يونانية قديمة تعنى «أشياء تم إخفاؤها»، وتترجم إلى الكتب المنحولة والمحرفة أيضاً)- والإبقاء على الأربعة المعروفة إلى اليوم وهى: «متى، لوقا، مرقس، يوحنا»، وكانت تلك أول محرقة كنسية للكتب فى التاريخ، إلا أن «مخطوطات نجع حمادى» نجت منها، وهى المخطوطات التى لا تزال تدرس من قِبل الباحثين فى الغرب، والذين يثيرون بها الجدل بين الحين والآخر لما تحتويه من «هرطقات»، حسب الإيمان الأرثوذكسى.

ويقول القس باسيليوس صبحى، راعى كنيسة السيدة العذراء بالزيتون، والباحث فى التاريخ والتراث القبطى، لـ«الوطن»: «أعيد اكتشاف الفلسفة الغنوصية التى كان لها تأثير كبير فى الفكر الفلسفى بالشرق الأوسط، على يد مكتبة نجع حمادى، ووجد العلماء النصوص الأصلية عن تلك الفلسفة فى كتابات الآباء الأولين، التى ظن لقرون أنها مفقودة».

كانت توجد تلك الغرف السرية فى معظم الأديرة القديمة، فتوجد مثل تلك المخابئ فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، ودير الأنبا أنطونيوس فى البحر الأحمر، ودير السيدة العذراء المعروف بـ«المحرق» فى مدينة القوصية بمحافظة أسيوط، وهو الذى توجد الغرفة السرية فيه أسفل مذبح كنيسة «الملاك ميخائيل» بالحصن، والتى تقودنا إليها فتحة أسفل الحائط البحرى بالكنيسة.

وتلك الغرف التى قد يكون الرهبان استمدوا فكرتها من الحضارة المصرية القديمة، كانت تُستخدم كمخازن ومخابئ سرية فى القرون الوسطى، واحتفظ بعض الرهبان فيها بالكتب المحرّمة والأناجيل الممنوعة، مثل دير أبومقار بوادى النطرون الذى عثر عالم الآثار الإنجليزى «هيو جى إيفلين هوايت (1874 - 1924م)»، فيها على بقايا لمخطوطات كانت معروفة بالأسماء الآتية: «أبوكريفا عن آدم، أبوكريفا الإنجيل، النزول إلى الجحيم، إنجيل الرؤيا، أسرار يوحنا الرسول، أبوكريفا الأعمال للرسل، أخبار الصعود الثانى».

حصن «أبومقار»

- يعد حصن الدير الموجود بوادى النطرون من أعظم الحصون الموجودة بالأديرة القبطية‏.‏

- توسع فى بناء الحصون بالأديرة الملك زينون سنة 482م‏.‏

- بناء مكون من ثلاثة أدوار يفصله عن السلالم المؤدية إليه سقالة متحركة كانت تُرفع بعد أن يلتجئ الرهبان إليه ويدخلوا فيه‏.‏

- توجد معظم الغرف المسحورة داخل الأديرة القبطية بالحصون.

- يعرف قديماً باسم «الجوسق» أو «البرج» أو «القستلية»

- تم اكتشاف غرفة سرية داخل الدير مؤخراً أطلق عليها «الغرفة العجيبة» حيث عثر على فتحة مستديرة من الرخام المتقن تؤدى إلى غرفة فى باطن الأرض مبطنة بطبقة من المونة الشديدة التى تقاوم المياه وتبلغ مساحة هذه الغرفة 170سم×445سم×225سم ارتفاع‏.

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.