"بعثرة في محتويات المنزل، ملابس ممزقة، كوب شاي مهشم، دماء على السجاد، سكينتان مُدممتان أعلى سطح المنزل" تفاصيل غير مترابطة أحاطت بجريمة قتل سيدة تدعى "شيماء" (27 سنة)، وابنتها "دنيا" (9 سنوات)، وإصابة الابن "عامر" (7 سنوات)، في منزل ريفي مكون من طابقين بداخل مزرعة مواشي، بمنطقة "زاوية أبو مسلم" في مدينة "أبو النمرس" بالجيزة، تلك التفاصيل بدت أكثر تعقيدًا لفريق التحقيق الذي يضم ضباط من مفتشي قطاع الأمن العام، وإدارة البحث الجنائي بالجيزة، ووحدة مباحث مركز أبو النمرس.

معاينة فريق البحث التي أجرها الضباط تحت إشراف اللواء علاء الدين سليم مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، أسفرت عن الآتي: "جثة الأم شيماء، مصابة بـ7 طعنات في الظهر وسحجة بالكتف وطعنة في الكتف الأيمن، جثة الابنة دينا مصابة بجرح ذبحي قطعي غائر في الرقبة بالجهة وجرح قطعي خلف الأذن اليسرى، الابن عامر مصاب بكسور في مختلف أنحاء جسده ودخل في غيبوبة وتحت الملاحظة الطبية بالمستشفى، سكينتان مدممتان، آثار دماء وبعثرة، مع سلامة منافذ المنزل"

بينما كان فريق من وحدة مباحث مركز أبو النمرس، تحت قيادة العميد طارق عبدالمجيد مأمور المركز، والرائد إكرامي البطران رئيس المباحث، يواصل فحص مسرح الجريمة، ناقش العقيد أحمد نجم مفتش مباحث جنوب الجيزة، الأب حول أسباب اختفائه من المنزل ومكان تواجده بعيدًا عن مسرح الجريمة، وأيضًا حول ملابسات الواقعة للوصول إلى أي معلومات تقود فريق البحث لضبط الجاني "المجهول".

الأب: كنت مع تجار مواشي بتفق على بيعة.. وتفاجأت بالجريمة

بدأ الأب أسعد جلال (35 سنة - تاجر مواشي) الإجابة عن أسئلة ضباط المباحث تحت قيادة العقيد أحمد نجم، قائلًا: "أنا كنت قاعد في بيت مع تاجر مواشي بمنطقة شبرامنت، كنت بتفق معاه على شراء عدد من روؤس المواشي من البحيرة، وكنت بحضر نفسي علشان السفر، وأنا قاعد هناك حد بلغني إن مراتي اتقتلت وبنتي، وإن وابني مصاب، روحت بسرعة لقيت الدنيا كلها مقلوبة والبلد كلها في بيتنا والشرطة كمان، معرفش أي حاجة، أنا كنت سايبهم كلهم كويسين ومفيش أي حاجة".

يواصل الأب حديثه بقوله: "أنا متحركتش من مكاني على مدار 3 ساعات، وماليش أي عداوات مع حد تستدعي إن حد يقتل مراتي وعيالي، ومفيش بيني وبين مراتي أي خلافات علشان أعمل حاجة زي كدة".

"أبويا" كلمة تلازم الابن الناجي من المذبحة.. والأب ينفي وجوده وقت الحادث 

بعدما أنهى الضباط مناقشة الأب، توجهت قوة من المباحث إلى المستشفى لمناقشة الطفل المصاب بعد أنَّ أخطرتهم إدارة المستشفى، أن الطفل فاق من الغيبوبة وحالته تسمح باستجوابه لثوان معدودة، بدأت القوات مناقشة الابن المصاب "مين اللي عمل كدة فيك؟" يردد الطفل في أثناء ذلك عبارة "أبويا.. أبويا".

عاد فريق المباحث إلى الأب، وبمواجهته بما جاء على لسان الطفل، أنكر صلته بالواقعة، ورد قائلا: "أنا مكنتش موجود أصلا، معرفش ليه بيقول كدة؟"، واستمرت المواجهات عدة ساعات بين أقوال الابن المصاب الذي كرر أكثر من مرة "أبويا.. أبويا" ردًا على سؤال الضباط عمن ارتكب الواقعة.

المباحث تكشف سر لازمة الطفل الناجي: كان يستغيث بأبيه

ساعات طويلة من التحقيقات خضع لها الأب كمشتبه فيه بارتكاب الواقعة، حتى تم استدعاء التجار الذين كانوا برفقة الأب، وتمت مناقشتهم، ليأكدوا أن الأب جلس معهم عدة ساعات قبل أن يتفاجأ بالخبر.

وفحصت القوات الأمنية خط سير الأب حتى وصلت إلى كاميرا رصدت دخوله وخروجه عقب الواقعة، وأعادت القوات مناقشة الطفل مرة أخرى، ليتبين أنه كان يردد اسم والده لينقذه من المتهم.

جرى عرض تلك المعلومات على اللواء علاء الدين سليم مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، الذي أمر بفحص مسرح الجريمة، ومناقشة الشهود مرة ثانية، وبدأ فريق البحث الذي يترأسه اللواء محمد الشريف مساعد أول وزير الداخلية لقطاع أمن الجيزة، واللواء محمود السبيلي مدير الإدارة العامة للمباحث، في مناقشة الشهود ومسرح الجريمة مرة أخرى.

وعقب مناقشة قرابة 13 من الشهود، توصلت القوات إلى أحد الشهود الذي أكد أنه شاهد صبي مجهول- وأدلى بأوصافه - لتبدأ القوات البحث عنه؛ حتى توصلت إلى أن نجل شقيق الأب وراء القتل، وأنه قتل زوجة عمه وابنتها وشرع في قتل الطفل بدافع الانتقام من الأم بسبب اتهامها له بأنه لص وسرق 20 ألف جنيه من المنزل ليتنشر ذلك في القرية بأكملها، وكشفت القوات أنه خطط للجريمة قبل 4 ساعات.

جرى عرض المعلومات والتحريات وأقوال الشهود على نيابة جنوب الجيزة، وتم إخطار المستشار يحيى الزارع المحامي العام الأول لنيابات جنوب الجيزة، الذي أمر بضبط الشاب المشتبه فيه لفحصه ومناقشته حول ما وُرد في التحريات واقوال الشهود.

وتمكّنت قوة أمنية من المباحث، من ضبط المتهم، وتم اقتياده إلى مركز شرطة ابو النمرس، ومثَّل "صابر" 17 عاما، الشاب المنسوب إليه تهمة القتل العمد والشروع في القتل، أمام اللواء عاصم أبو الخير، مدير المباحث الجنائية، وبحضور العقيد علاء فتحى رئيس المباحث الجنائية لقطاع جنوب الجيزة، والعقيد أحمد نجم مفتش مباحث جنوب الجيزة، وكشف عن تفاصيل الجريمة، قائلا: "أنا قتلتها انتقاما منها علشان كانت بتقول عليا حرامي، البلد كلها عرفت إن حرامي بعد ما قالت إني أنا سرقت من عمي 20 ألف جنيه".

يواصل المتهم حديثه عن الجريمة قائلا: "أنا شفتها مشغولة قدام البيت طلعت كده في هدوء من الساعة 8 ونص بالليل، لحد الساعة 1 الفجر النهارده، كنت مستخبي في عشة فراخ فوق السطح.. ولما نامت هي والعيال.. نزلت على المطبخ آخد سكينتين وروحت أوضتها بس هي حست.. وبدأت تصرخ دبحتها، وبعدين بنت عمي صحيت دبحتها وبدأت الناس تيجي على البيت علشان هي كانت بتصرخ.. طلعت على السطح.. شفت ابن عمي ضربته بالسكينة مماتش.. روحت راميه من السطح وهربت من السطوح".

يواصل المتهم حديثه قائلا: "دبحتهم زي الفراخ قتلتهم في دقايق وهربت.. لحد ما لقيت الشرطة جت ليا في المزرعة اللي بشتغل فيها عرفت إن الموضوع اتكشف.. روحت معهم على المركز، وهناك كان فيه ضباط كتير وهناك مدير المباحث يقصد اللواء محمود السبيلي مدير الإدارة العامة للمباحث، واعترفت بكل حاجة". وأمر العميد طارق عبدالمجيد مامور المركز، بتحرير محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة للتحقيق.