احتفال الكنيسة بعيد تذكار الملاك ميخائيل، يجعلني أعود إلى الماضي بحكايات وعادات قرى الصعيد الشيقة مع أعياد القديسين والشهداء، حيث
أعتادنا في الماضي أن نستيقظ مبكرا صباح عيد الملاك ميخائيل على صوت أمي تنادي «قوموا بسرعة الملاك هيعدى على البيوت عشان يبارك الفطير ويباركنا» وكنا نتسابق جميعا من يصل عند المنون أولا – الفطير و يطلق عليه المنون في الصعيد- حتى يأخذ الكثير من بركة الملاك وذلك حسب ما كنا نظن ونحن أطفال لذلك يقول السيد المسيح «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات».
وبعد أن نصل الحجرة التي يوجد بها الفطير ونصلي لكي يباركنا الملاك ويبارك الفطير الذي وضع بجانبه ماء، تقوم والدتي بعمل الشاي لنا جميعا ونأكل معه الفطير الذي قمنا بصنعه في المنزل.
أما قبل العيد بيوم فكانت تقوم أمي بعمل الفطير وطهيه –خبزه- في الفرن التي توجد بالمنزل، وهذه إحدى العادات المنتشرة في الصعيد للاحتفال بعيد الملاك، ويتجمع الجيران للمشاركة وتتلى بعض الترانيم التراثية التي لا تسمعها إلا في الصعيد من السيدات المسنات وكان ذلك ليبارك الملاك مانقوم به ويسهل لنا أمور الخبيز.
وبعد الانتهاء من الخبيز نقوم بتوزيعه على الجيران مسلمين ومسيحيين، وايضا الجيران يقوموا بتوزيع الفطير الذى صنعوه، وينتشر الأطفال فى الشوارع وهم يحملون «المقطف» وهو عبارة عن شنطة كبيرة تصنع من الخوص ويمرون بها على جميع المنازل، واحيانا يتم التوزيع على المارة لتنشر المودة والبركة.
«الفطير مايباتش في البيت لازم يتوزع في نفس اليوم»، مقولة والدتي التي تعودنا عليها وكبرنا وكبرت معنا، وتنتشر هذه المقولة أيضا في الاحياء الشعبية حيث يصنع الفطير في المنازل ويحملونه الأطفال على الصيجان لتسويته في أحد الأفران التى توجد في الشوارع، وتوزيعه على الجيران والبعض الآخر يذهب للكنيسة ولكن المهم أنه لا يتبقى فطير لليوم التالي.
اختلفت العادات قليلا الأن حيث يقوم البعض بشراء الفطير من الفرن وتوزيعه في الكنيسة والبعض الآخر يحسب التكلفة ويضع مايوازيها من أموال في الكنيسة أو يساعد أحد الفقراء به على أسم الملاك ميخائيل.
وللملاك ميخائيل مكانة كبيرة في الكنيسة فهو الأول في رؤساء الملائكة السبعة « ميخائيل، غبريال، رافائيل» هؤلاء ذكروا في الكتاب المقدس، و«سوريال ، صداقيال، أنانيال» هؤلاء أشار إليهم التقليد الكنسى. واسم ميخائيل يعنى «من مثل الله».
وعرف ميخائيل بمساندة الشهداء ومحاربة التنين وحدثت الكثير من المعجزات على اسمه حيث حارب التنين «الشيطان» وملائكته وطرحهم إلى الأرض، كما حارب الشيطان مرة اخرى من أجل جسد موسى النبي كما جاء في «يهوذا 9:1» ، وكان المبشر لييشوع بخطة سقوط أريحا .
ومن أعظم ماقام به الملاك ميخائيل أنه بشر بقيامة المسيح، وله العديد الأحداث التي ورد ذكره فيها في الكتاب المقدس، وميخائيل هو حارس جميع الكنائس لذلك دائما تشيد كنيسة على أسمه في أعلى حصون الأديرة.
وتعيد الكنيسة بعيد الملاك ميخائيل في الثاني عشر من كل شهر قيطى بجانب أعياده الرسمية في 12هاتور، 12بؤونة:
عيد 12 هاتور يرجع إلى أن البطريرك ألكسندروس الأول الـ 19 من باباوات الكرازة المرقسية إذ كان الإسكندريين يقيمون عن جهل عيداً فى هيكل زحل الوثنى فى 12 هاتور من كل سنة حيث يذبحون الذبائح الكثيرة له ، فلما حان العيد حثهم على إقامة هذا العيد لرئيس الملائكة الجليل ميخائيل الذى يشفع فيهم عند اللـه ويتوسل من أجل الزروع والأهوية وأن يقدموا الذبائح للمساكين فأطاع أهل الإسكندرية نداء البابا وأقاموا كنيسة بإسم رئيس الملائكة شهد فيها الكثيرون بعجائب ومعجزات شفاء المرضى .
أما عيد 12 بؤونة وهو مرتبط ببدء فيضان النيل وقد حولت المسيحية هذا العيد الوثنى الذي كان مبنياً على أسطورة فرعونية أيضاً إلى عيد لرئيس الملائكة ذلك لأنه يطلب من اللـه أن يعم الخير أرجاء البلاد، وبذلك استطاع الإيمان المسيحى أن يزيل المعتقدات الوثنية.
ويتبارك الأقباط بتسمية أبنائهم على أسم الملاك ميخائيل ومن الاسماء المنتشرة «ميخائيل، مايكل ،ميشيل، عبد الملاك» وهى اسماء رئيس الملائكة بلغات مختلفة.
وفي هذا اليوم تذكار عيد الملاك ميخائيل تقرأ الكنائس أوشية صعود مياه الأنهار، ويقوم الكهنة في أسوان بعد القداس الألهي بالقاء قربانة حمل ومياه غسل الأوانى المقدسة، ويعتبر ذلك تقليد منذ معجزة «حادثة وفاء النيل» التي حدثت على يد البابا بطرس السابع، وحدث أن نهر النيل لم يف مقداره المعتاد في عام 1848، وحدث خوف لدى الناس من قلة المياه التى أصبحت لاترويهم من الغلاء اذا جدبت الأرض لذلك استغاثوا بمحمد علي باشا طالبين منه أن يأمر برفع الأدعية والصلوات إلى الله ليبارك مياه النيل ويزيد الفيضان حتى تروى الأرض ولاتقع مجاعة.
وبناء على ذلك استدعى البابا بطرس رجال الإكليروس والأساقفة وخرج بهم إلى شاطئ النيل واحتفل بتقديم سر الشكر، وبعد اتمام الصلاة غسل البابا أوانى الخدمة المقدسة من ماء النهر وطرح الماء مع قربانة البركة في النهر، فعجت أمواج النيل واضطرب ماره وفاض، وأسرع البابا برفع اداوات الإحتفال خشية الغرق، وزادت هذه المعجزة من مكانة البابا وعظمته لدى محمد على باشا، وذلك حسب ماذكر في بعض مراجع التاريخ الكنسي.