رمضان حزين فى غزة.. صلاة فوق الركام.. وحياة على الحد الأدنى من الطعام
01.03.2025 14:37
اهم اخبار العالم World News
الدستور
رمضان حزين فى غزة.. صلاة فوق الركام.. وحياة على الحد الأدنى من الطعام
حجم الخط
الدستور

يأتى شهر رمضان هذا العام على قطاع غزة وسط دمار وخراب غير مسبوق خلفه العدوان الإسرائيلى، الذى لم يترك أثرًا للحياة فى القطاع كما كانت من قبل.

وبينما يستقبل المسلمون فى العالم الشهر الكريم بالروحانيات والاحتفالات العائلية، يجد الفلسطينيون فى غزة أنفسهم أمام واقع مأساوى، حيث لم يعد أى من مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم، وبات أهل غزة يحاولون استعادة الحياة «فوق الأنقاض».

ورغم كل هذه التحديات، فإن أهالى غزة يحاولون إحياء بعض العادات الرمضانية على طريقتهم الخاصة، فى مشهد يعكس قوة الإرادة، فعلقوا زينة رمضان فوق ركام منازلهم المدمرة، وهناك محاولات من المؤسسات الخيرية لتوفير وجبات الإفطار عبر المطابخ المجتمعية، فكثير من أهل غزة يعتمدون عليها فى ظل أوضاع القطاع.

«الدستور» تحدثت مع فلسطينيين من غزة وسألتهم عن أحوالهم فى رمضان، وكيف يستعيدون تقاليدهم وعاداتهم رغم انعدام مقومات الحياة.

لا كهرباء ولا مساجد ولا موائد.. والأسواق مدمرة بالكامل

قال نقيب الصيادين الفلسطينيين، زكريا بكر، إنه مع حلول شهر رمضان الذى كان يعرف ببهجته وأجوائه الروحانية، تغيب مظاهر الاستعداد لهذا الشهر فى القطاع، حيث يعيش الأهالى فى واقع مأساوى.

وأضاف: «فى الطبيعى كانت أزقة غزة وشوارعها تكتسى بحبال الزينة والفوانيس التى تضىء الشهر المبارك، لكن هذا العام لا كهرباء لتشغيلها، والأسواق التى كانت تستعد للشهر هى اليوم مدمرة أو شبه فارغة، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلى علينا». وتابع: «أولويات أهل غزة تغيرت، فسابقًا كان الناس ينشغلون بتجهيز الموائد، أما الآن فيبحثون عن خيمة أو غرفة، وعائلات أخرى تكافح لتوفير الحد الأدنى من الطعام بعد أن دمر الاحتلال أغلب أماكن العمل والمنشآت الصناعية والأراضى الزراعية، ولم يكتفِ بهذا فقط، لكنه دمر البنية التحتية والمساكن والمساجد، فاختفت مآذن كثيرة، وأصبحت أحياء كاملة بلا مسجد».

وأشار «بكر» إلى أن الأمور فى قطاع غزة زادت من حدة الأوضاع، حيث يضطر السكان لنقل مياه الشرب ومياه الاستخدام المنزلى بالجرار والجالونات، مع الانتظار الطويل لسيارات التوزيع، ما يضيف عبئًا يوميًا على العائلات فى القطاع.

وشدد «بكر» على أن مصر لعبت دورًا أساسيًا فى دعم الشعب الفلسطينى، لافتًا إلى أنه بجانب إدخال المساعدات، فإن الموقف المصرى كان واضحًا وحاسمًا فى رفض مخططات التهجير.

البعض يصر على تعليق الزينة فوق الأنقاض

أكد أحمد الأغا، من سكان خان يونس، أن شهر رمضان يأتى هذا العام على أهالى غزة وهم مثقلون بالجراح والمآسى، وسط دمار هائل وأشهر من الإبادة والتطهير العرقى التى أفقدتهم الكثير من معانى الحياة. 

وأضاف أنه مع توقف آلة الحرب، يحاول الغزيون التقاط أنفاسهم للبدء فى معركة استعادة الحياة، من خلال افتتاح بعض المحال فوق ركام الأنقاض واستصلاح ما يمكن إنقاذه.

وواصل: «رغم نقص الطعام الذى عانى منه القطاع فى رمضان الماضى، بدأت الأسواق تدريجيًا فى توفير بعض المأكولات الرمضانية التى غابت طويلًا». وأكمل: «فى مشهد يعكس التمسك بالأمل، أصر البعض على تعليق زينة رمضان فوق أنقاض منازلهم، آملين أن يكون هذا الشهر بداية لمرحلة جديدة من العطاء وإعادة الإعمار».

وأشار إلى أن الفرحة دخلت القطاع مشوبة بغصة الأسر فى بعض بيوت الأسرى المحررين، الذين عادوا محملين بآلام التعذيب التى لا تزال بادية على أجسادهم ومشاعرهم، بينما ينتظر كثيرون آخرون داخل المعتقلات فرجًا قريبًا، مختتمًا بقوله: «يأمل الغزيون أن يحمل رمضان هذا العام انفراجة فى واقعهم بعد أشهر من الحرب وويلاتها التى لا تُنسى».

فرق دعم نفسى لمساعدة الأطفال.. ومحاولات لاستئناف الدراسة

شددت باسمة عبدالمالك الفرا، من سكان خان يونس أيضًا، على أن شهر رمضان ليس شهرًا عاديًا لدى المسلمين عامة والفلسطينيين خاصة، فهو شهر الخير والبركة والقرآن، حيث يكثر فيه التسبيح وقراءة الأذكار والدعاء، وتقام صلاة التراويح، وتُعقد الزيارات بين الأرحام والأقارب.

وأضافت: «قطاع غزة يعانى منذ أكثر من عام ونصف من العدوان الإسرائيلى والإبادة الجماعية بحق أبنائه، ما أدى إلى تقطع أوصال القطاع بين الشمال والجنوب، وتفرق الأسر والأهالى».

وأكملت أن رمضان العام الماضى كان صعبًا جدًا على الكثيرين فى القطاع؛ بسبب استمرار العدوان والاجتياحات المتكررة لعدة مناطق، وطلبات الإخلاء التى أجبرت الكثيرين على ترك منازلهم لتُدمر. وبيّنت أن المعابر كانت مغلقة، والمساعدات قليلة، وعاش الفلسطينيون على أبسط الأشياء، معتمدين على الوجبات المعدة من تكايا الطعام الخيرية المدعومة من مؤسسات دولية مثل مطبخ الغذاء العالمى وغيرها.

وأشارت إلى أن أهالى القطاع سيختصرون الاحتفال بقدوم شهر الخير بالشعائر الدينية، مثل الصلاة فى المصليات التى أعدوها فوق ركام المساجد المدمرة أو المنازل المهدومة بفعل القصف الإسرائيلى، وزيارة الأرحام رغم صعوبة التنقل بسبب دمار الطرقات وغلاء أسعار المحروقات وقلة توافرها.

وتابعت: «الجزء الأكبر من أبناء شعبنا فى قطاع غزة فقد مصدر رزقه اليومى، بسبب تدمير المنشآت الاقتصادية والمحال التجارية والمؤسسات الأهلية التى كانوا يعملون بها، وأصبح الكثيرون يعتمدون على المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية والشعبية».

وقالت إن الشىء الأبرز فى هذا الشهر هو صمود الفلسطينى فوق ركام بيته، متشبثًا بحب وطنه وكرامته، رافعًا يديه إلى السماء متضرعًا إلى الله أن يوقف الإبادة والجرائم بحق أبناء شعبه، وداعيًا للشهداء بالرحمة وللجرحى بالشفاء العاجل.

وعن الأطفال وفرحتهم بالشهر الكريم، قالت: «بالنسبة للأطفال، بعد وقف إطلاق النار، ستكون فرحتهم كبيرة باللعب واللهو مع فرق الدعم النفسى التابعة للمؤسسات المجتمعية، وعودتهم إلى الدراسة بعد انقطاع دام أكثر من عام ونصف».

المواطنون لا يملكون الأموال لشراء أى شىء.. والزينة والحلوى باتت من الماضى

قال د. حاتم العسولى، أستاذ الصحافة بجامعة غزة، المقيم بمنطقة خان يونس، إن الأسر الفلسطينية فى قطاع غزة تستقبل شهر رمضان المبارك لهذا العام بشكل غير اعتيادى، خاصة أن آثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية ما زالت مسيطرة على كل مناحى الحياة.

وأضاف: «يأتى شهر رمضان للعام الثانى على التوالى وسط حرب أتت على الأخضر واليابس ولم تُبق قدرًا للفرح والابتهاج بقدوم شهر الخيرات والطاعات والبركات، فنجد أن فوانيس رمضان التى كانت تزين البيوت والشوارع والطرقات قد غابت إلا عن القليل فى محاولة لإدخال الفرح والسرور على قلوب أسرهم وأطفالهم».

وتابع: «رغم وقف حرب الإبادة على قطاع غزة، وإغراق السوق المحلية بالبضائع والمنتجات والسلع الغذائية وغيرها، فإن أهل غزة ليسوا قادرين على تأمين أدنى متطلبات الحياة الكريمة، نظرًا لعدم توافر السيولة المالية بسبب إغلاق البنوك منذ ما يزيد على ١٤ شهرًا». 

وأكدت ظريفة حسن، من سكان رفح وتعيش الآن فى خان يونس، أن الأوضاع التى يعيشها الفلسطينيون فى هذه الفترة قاسية للغاية، إذ يفتقرون إلى المساكن، ورغم عودة الكثيرين إلى الشمال ومناطق سكنهم فإنهم وجدوا منازل بلا حياة أو ذكريات. 

وأشارت إلى أن معظم الفلسطينيين سيستقبلون شهر رمضان وهم يفتقدون أحباءهم، فلطالما كان هذا الشهر مناسبة لاجتماع العائلات، لكن بعد وقف إطلاق النار ستجلس العائلات على موائدها وقد فقدت أكثر من فرد.

وأضافت أن مظاهر استقبال الشهر الكريم غائبة تمامًا، حتى المنتجات الرمضانية لم تصل إلى الأسواق بفعل حصار الاحتلال الإسرائيلى الذى يمنع دخول المواد الغذائية، باستثناء كميات قليلة جدًا، ما جعل الفلسطينيين يعتمدون على المساعدات الإنسانية بشكل أساسى.

أما عن المساعدات المصرية، فأكدت أن الشعب الفلسطينى يقدر أى دعم يقدم له، مشيدةً بالموقف المصرى الذى لم يتوان لحظة عن مساندة الفلسطينيين.

من جانبه، قال أحمد أبوقمر، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة: «شهر رمضان هذا العام يأتى فى ظل أجواء لا تقل قسوة عن تلك التى سادت خلال رمضان الماضى»، مشيرًا إلى أنه رغم وقف إطلاق النار إلا أن الأوضاع المعيشية صعبة، خاصة فى الشمال المدمر. 

وأضاف: «يحاول الفلسطينيون استعادة الحياة تدريجيًا، لكن طقوس رمضان المعتادة من زينة وحلوى وأجواء احتفالية تحولت إلى ذكريات بعيدة، وسط مشهد يطغى عليه الحزن الذى يخيم على كل خيمة، وبالرغم من محاولاتنا إدخال الفرحة على قلوب الأطفال، فإن الواقع الاقتصادى والمعيشى والإنسانى يفرض نفسه بقوة، ما يجعل رمضان هذا العام مختلفًا تمامًا». 

وتابع: «الأوضاع المعيشية فى غزة صعبة، لكن الحرب الأخيرة جاءت لتقضى على ما تبقى من مقومات الحياة، تاركةً الفلسطينيين أمام كارثة إنسانية وحرب إبادة جماعية». 

وأشار «أبوقمر» إلى أن تفاصيل الحياة اليومية فى غزة تغيرت، حتى خلال رمضان، فهذا العام سيكون اعتماد الأهالى على المساعدات وموائد التكافل أمرًا شائعًا، وهو ما لم يكن مألوفًا قبل الحرب.

ولفت إلى أن زينة رمضان التى كانت تملأ الشوارع أصبحت قليلة، ليس فقط بسبب الحزن، ولكن أيضًا بسبب الأوضاع الاقتصادية التى جعلت حتى أبسط المظاهر الاحتفالية عبئًا على الفلسطينيين.

وأضاف: «فى مثل هذا الوقت من كل عام، كانت الأسواق مليئة بالحركة والمحال التجارية تفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة، والأغانى الرمضانية المصرية تملأ الأجواء، أما هذا العام، فيبدو أن رمضان سيأتى بصمت». 

واختتم: «رغم كل ذلك، يتمسك الفلسطينيون بالأمل، محاولين إعادة ترتيب صفوفهم، متطلعين إلى مستقبل أفضل». 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.