يعجبنى في البابا تواضروس الثانى إيمانه العميق بقضية التعليم دون غيرها من القضايا، ويعجبنى يقينه في أن موقعها يجب أن يتقدم على كل القضايا دون استثناء!.
والمتابعون لموقع قضية التعليم في حياة باقى الشعوب سوف يكتشفون أنها لم تحصل على موقع متقدم في أي بلد في العالم، كما حصلت على موقعها الذي نعرفه في سنغافورة، ولم يهتم بها صاحب سلطة كما اهتم بها «لى كوان يو»، الذي أسس نهضة سنغافورة وبناها!.
فالرجل كان مشغولًا بالتعليم في بلاده، كما لم ينشغل به أحد مثله، وكان على معرفة بأن بلدًا بلا تعليم جيد في كل مراحل تعليمه لن يصل في النهاية إلى شىء، ولذلك لخص الحكاية في عبارة من ثلاث كلمات فقال: الدول تبدأ بالتعليم!.
ورجائى أن تلاحظ أنه قال إن الدول «تبدأ» بالتعليم، ولم يذكر أن الدول تتحرك.. مثلًا.. بالتعليم، ولا قال إنها تجرى على طريقها بالتعليم، ولا قال إنها تحقق قفزات في مشوارها بالتعليم.. فهذا كله يأتى فيما بعد.. ولذلك قال إن الدول «تبدأ» بالتعليم.. فهو البداية التي تأتى بعدها الحركة، والجرى على الطريق، والقفزات في المشوار.. وما بعد البداية يقوم عليها دائمًا، ويتبعها، ويأتى بعدها، ولا يسبقها بأى حال!.
ولا نزال نذكر أن البابا نفسه هو الذي أطلق ذات يوم عبارته المضيئة فقال: وطن بلا كنائس.. أفضل من كنائس بلا وطن!.
وقبل أيام كانت جامعة حلوان تكرمه، فقال ما معناه أن محركات الإنسان في الحياة أربعة، وأن الجامعة تقوم على محرك واحد منها، هو المعرفة!.
وقبل أن يقول هو ذلك، كان الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، قد فتح الباب أمام 1220 بعثة للدراسة في الخارج، خلال العام الدراسى 19- 20، وقال إنها ستتكلف مليارًا و600 مليون جنيه!.
وذات يوم آخر كان البابا أيضًا قد قال ما لا يجوز أن ينساه صانع القرار في هذا البلد.. قال إن أهم شخص في مجتمعنا هو مدرس الابتدائى.. ولم يكن البابا في حاجة لشرح ما يقصده.. ولا كان في حاجة للقول بأن مدرس الابتدائى هو الشخص الأهم في مجتمعنا.. وفى أي مجتمع آخر طبعًا.. لأن الأساس يوضع من عند هذا المدرس بالذات، ولأن التلميذ يتشكل على يديه، فإذا لم يتشكل على النحو الصحيح، فلا فرصة لتشكيل جديد فيما بعد، لأن أوان التشكيل يكون قد فات!.
ما أقدر البابا على مخاطبة المستقبل!.. وما أحوج الوزير عبدالغفار إلى أن يظل يدق باب الدولة حتى يضرب الرقم الذي أعلنه في عشرة!.