
في سياق عالمي تتصدّره قضايا النزوح والهجرة كأحد أبرز تحدّيات عصرنا الراهن، أكدت المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر إلينا بانوفا أهمية وجود استجابة جماعية متضافرة من المجتمع الدولي لدعم الجهود التي تبذلها مصر من أجل صون حقوق وكرامة اللاجئين والمهاجرين وكذلك المجتمعات المضيفة.
مصر تتحمل مسئولية جليلة تجاه اللاجئين
وأشادت المسئولة الأممية الأعلى في مصر بـ"المسئولية الجليلة" التي تتحملها مصر في هذا الإطار، إذ قالت إنها تقدّم خدمة عامة سامية للمجتمع الدولي، في وقت تدفع فيه الصراعات، وتداعيات تغيّر المناخ، واتّساع فجوات عدم المساواة إلى حركات نزوح غير مسبوقة، ما يعيد تشكيل المجتمعات ويضع الأنظمة أمام اختبارات جسيمة في شتّى أنحاء العالم.
وجاء في كلمة بانوفا إلى الاجتماع الذي عقدته المنصة المشتركة للاجئين والمهاجرين في القاهرة، وقالت إن الأمم المتحدة "تثمن بشدةً ما تبديه مصر من كرم عبر استضافة أعداد غير مسبوقة من المهاجرين واللاجئين من أرجاء المنطقة كافة، وأن هذا السخاء ليس شريان حياة داخل حدود الدولة المصرية فحسب، بل هو إسهام جوهري في استقرار الإقليم بأسره".
وتابعت أنها "مسئولية رعاية وحماية الأشخاص في حالة تنقّل لا يمكن أن تُلقى على عاتق مصر وحدها، كما قالت بانوفا، والتي أوضحت أن ذلك يقتضي استجابة جماعية متضافرة من المجتمع الدولي. كما يستدعي إقرارًا بضرورة تعزيز الدعم للمنظمات غير الحكومية والشركاء المحليين، الذين يمتلكون فهمًا عميقًا للواقع الميداني ويقدّمون استجابات فعّالة للتحديات والاحتياجات الفعلية للمهاجرين واللاجئين".
تحديات أمام المهاجرين
وأكدت بانوفا أن التحديات التي يواجهها المهاجرون واللاجئون والمجتمعات المضيفة لا يمكن معالجتها من خلال تدخلات متفرقة أو قصيرة الأمد، بل تتطلب تعاضدًا متواصلًا متعدد القطاعات يتجاوز حدود الدورات التمويلية المحدودة، ما يلقي الضوء على أهمية الشراكات باعتبارها عامل النجاح الأبرز. وقالت: "فقط من خلال توحيد الخبرات والموارد والالتزام بين الحكومة والشركاء الدوليين والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، يمكن لمصر أن تحقق تغييرًا مستدامًا يعزّز النظم الوطنية، ويمكّن المجتمعات المضيفة، ويصون كرامة المهاجرين واللاجئين. إنّه مسار يُعلي من القدرة على الصمود ويعزّز الاستقرار لمصر وللمنطقة برمّتها".
وقالت بانوفا إن المنصّة المشتركة للمهاجرين واللاجئين، تجسّد هذه الروح عبر استجابة أوثق وأكثر تنسيقًا. فهي تتيح فضاءً يلتقي فيه ممثلو الحكومة والمجتمع المدني والأمم المتحدة والشركاء الدوليون في إطار مقاربة جماعية شاملة.
وتابعت المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر أن المنصة المشتركة تهدف إلى تمكين المهاجرين واللاجئين من تحقيق إمكاناتهم الكامنة باعتبارهم فاعلين في مسيرة التنمية المستدامة، يسهمون في تعزيز النمو وترسيخ التماسك الاجتماعي في المجتمعات المضيفة.
وأوضحت أن المبدأين الأساسيين اللذين يشكّلان حجر الزاوية في أهداف المنصّة المشتركة هما:
أولًا: العمل على صون حقوق جميع الأشخاص في حالة تنقّل، استنادًا إلى درجة هشاشتهم، ووفقًا للوضع القانوني الذي تمنحه لهم بعض الاتفاقيات الدولية.
ثانيًا: دعم الدولة المضيفة، عبر مساندة جهود مصر في إدماج اللاجئين والمهاجرين ضمن الخدمات العامة الأساسية.
وأشارت إلى أن المهاجرين واللاجئين لا يزالون يواجهون عوائق جمّة في الحصول على التعليم والرعاية الصحية وسبل العيش والحماية الاجتماعية، في وقت تتحمّل فيه المجتمعات المضيفة ضغوطًا متعاظمة على الخدمات العامة. وما يزيد الأمر إلحاحًا- بحسب قولها- هو أنّ ما نسبته ٧٣٫٥٪ من مجموع اللاجئين المسجّلين في مصر هم من النساء والأطفال.
وقالت بانوفا إن هذه التحديات ليست أرقامًا مجرّدة، بل هي قصص إنسانية حيّة: أمّهات يبحثن عن مأوى آمن، أطفال بحاجة إلى مقاعد دراسية، وأسر تتطلّع إلى رعاية وعيش كريم. إنّها تحديات عابرة للقطاعات، لا سبيل إلى معالجتها بمعزل؛ بل تتطلّب حلولًا شمولية تضع المهاجرين الأشد ضعفًا، لا سيّما النساء والأطفال، في صميم استجابتنا.
وتابعت "هذا ما يجسّده بالفعل البرنامج المشترك الأول للأمم المتحدة بشأن المهاجرين واللاجئين، المنبثق عن هذه المنصّة، حيث يوسّع نطاق الحصول على التعليم والرعاية الصحية، ويعزّز نظم الحماية، ويعالج قضايا انعدام الأمن الغذائي".
وقالت إنه بفضل الاتحاد الأوروبي، شريكنا الموثوق منذ البداية، تحوّل ما بدأ كمبادرة تجريبية إلى نموذج فعلي مُثبت، فآلاف الأطفال من المهاجرين واللاجئين والمجتمعات المضيفة باتوا اليوم على مقاعد الدراسة يتعلّمون معًا. والعيادات تقدّم خدماتها لكل من المهاجرين وأبناء المجتمعات المضيفة. كما تصل خدمات الحماية وفرص سبل العيش إلى أولئك الأكثر عرضة للمخاطر.