سعدت للغاية بمبادرة حياة كريمة لتطوير قرى الريف، وهو مشروع كبير وضخم من حيث قرار تدخل الدولة بتوسعة الإنفاق الحكومي بالاستثمار في البنية التحتية داخل القرى والأرياف التي تعاني من نقص في الصرف الصحي ومشاريع المياه وتهالك الطرق، فإن تدخل الدولة باستثمار كبير في بناء وحدات صحية وطرق وتبطين الترع ومشاريع الصرف الصحي والمياه والإنارة، هو جزء هام من واجبات الدولة التي تتدخل الآن لتصحيحها بعد تجاهل الريف وسكانه لعقود.
وعلى الرغم من كون سكان الريف هم 52% من سكان مصر، لكنهم أكثر معاناة من غيرهم، ففي 2017 بلغت نسبة الفقراء في المناطق الريفية في الصعيد 51.9%، فيما بلغت نسبة الفقراء في المناطق الريفية في الدلتا 27.3%.
يساهم في هذا عوامل عديدة من غياب سياسات تنمية الزراعة والاهتمام بالفلاحين والاستثمار بالريف، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل الحرب الأهلية بليبيا، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة بدول الخليج وآخرها جائحة كورونا، التي تدفع هذه الدول لمزيد من خفض العمالة الأجنبية، والتي كانت في السابق تجتذب أعداداً كبيرة من أبناء الريف، وكان الخروج إليهما مخرجاً لخفض أعداد البطالة وتقليل نسب الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية لأبناء الريف والصعيد.
ولهذا فإن مشروع"حياة كريمة" يجب أن يتجاوز تطوير البنية التحتية للريف، إلى تطوير العمود الفقري لأبناء الريف، وهو تحديث الزراعة والبنية الاقتصادية للريف بخفض معدلات الفقر وزيادة التشغيل، فيجدر الذكر أن 63% من الإنتاج الزراعي في مصر يتم عن طريق الزراعة العائلية والفلاحية بالوادي والدلتا، وليس عن طريق الزراعات المجمعة الكبيرة في الصحراء
وأن 25% من قوة العمل في مصر تعمل بالقطاع الزراعي وقطاع الصيد، وأن 70% من سكان الريف المصري يعملون بدوام جزئي أو كامل في النشاط الزراعي، وذلك على الرغم من أن عوائد الزراعة لم تعد تذكر بالنسبة للفلاح الذي بالكاد قد يستطيع تعويض ما ينفقه على الزراعة، فضلاً عن العمالة غير المنتظمة بهذا القطاع.
ولذلك لم يكن من الغريب أن تنخفض حصة الزراعة من الناتج المحلي من 27% في بداية الستينيات إلى ما يقارب 11.7% عام 2015.
وعلى الرغم من أن الدولة وجهت كثير من الدعم في فترة الكورونا لأصحاب الشركات والمصدرين والمستفيدين من البورصة والمقترضين من البنوك، إلا أن دعماً لم يذكر للفلاحين أثناء مواجهة الأزمة، بل إن ما رأيناه في أزمة انخفاض أسعار البطاطس مؤخراً، لكثرة المعروض وغياب الإرشاد والتخطيط الحكومي، وهو مؤشر لغياب سياسة حقيقية للتنمية الزراعية وتحسين أحوال صغار الفلاحين، ما دفع نقابة الفلاحين مؤخراً إلى إعلان تجميد عملها احتجاجاً على تهميش الحكومة للفلاحين.
يحتاج الريف المصري والفلاحين وقطاع الزراعة مشروع قومي ل"دعم وتنمية الزراعة الفلاحية" يتكون هذا المشروع من عدة محاور، أولها شراء للمحاصيل بأسعار عادلة، ويتم ذلك من خلال لجنة تسعير متخصصة مع الجمعيات الزراعية لتشجيع الفلاحين على النمط التعاوني للزراعة، ويمكن الاسترشاد هنا بنظام أسواق المانديس في الهند، وهي أسواق لصغار الفلاحين تعرض المحاصيل بأسعار استرشادية تحددها لجنة تسعير محددة من الحكومة تضمن معايير هامش الربح ومتغيرات السوق وتكلفة الإنتاج، وتشتري الحكومة والتجار المحاصيل منهم وفقاً لهذه الأسعار، بدلاً من الشراء المباشر من الفلاحين في الحقول الذي يؤدي لخفض ربح الفلاحين.
كذلك يتضمن هذا المشروع دعم حقيقي لمدخلات الإنتاج من الأسمدة والبذور، ووضع سياسة دعم وتحفيز جديدة لإقراض الفلاحين المتعثرين، وتطوير آليات الري الحديثة، بما يناسب طبيعة الأراضي والزراعات في محافظات الريف، ويضمن تطور الإنتاج الزراعي.
بهذا الشكل تتحقق الحياة الكريمة عبر تنمية الريف المصري وخفض معدلات الفقر بين أبنائه وتقليل معدلات اللا مساواة، وهو ما إن تم بالتزامن مع مشروع حياة كريمة، سيتغير تماماً وجه الريف المصري خلال سنوات.