
مع تضاعف أعداد المهاجرين غير الشرعيين على سواحل أوروبا هذا العام، تفجرت الأزمة المكتومة مرة أخرى بين مجموعة الدول التي تطلق على نفسها "ميد 5" (أي الدول الخمس المطلة على البحر المتوسط)، وبين باقي دول الاتحاد الأوروبي الموقعين على اتفاقية "دبلن"، وهو ما نتج عنه قبوع مئات اللاجئين داخل سفن الانقاذ في عرض البحر، وتوقف عملية نقل المهاجرين من داخل معسكرات المهاجرين بالدول الخمس إلى باقي دول أوروبا "دول الترانزيت وبحث طلب اللجوء".
شكاوى من اتفاقية "دبلن"
تعد اتفاقية "قانون دبلن"، هي الأساس القانوني الذي تتعامل معه دول الاتحاد الأوروبي مع أزمة المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها سواء عبر البحر، أو عبر الحدود البرية، ووفقا للموقعين على تلك الاتفاقية، فهي ملزمة لكافة دول الاتحاد الأوروبي الـ28 بالكامل، بالإضافة إلى 4 دول أخرى ألزمت نفسها بالتوقيع على هذا الاتفاق وهي النرويج، وأيسـلندا، وســويسرا، وليختنشتاين.
ووفقا للاتفاقية، فإن الدول الخمس ملزمة باستقبال أفواج المهاجرين داخل معسكرات خاصة بهم، سواء من كان على متن السفن غير الشرعية، ثم تم تحميلهم على قوارب بالقرب من حدود تلك الدول المائية، أو من يتم انقاذهم من خلال سفن مخصصة لذلك تابعة لمنظمات حقوقية أوروبية غير حكومية، تعمل في جهود إنقاذ المهاجرين من الموت داخل البحر المتوسط.
وتكمن الأزمة في أن تلك الدول الخمس تشتكي من عدم تعاون كامل من باقي دول "دبلن"، والتي من المفترض أن تتحمل مسئوليتها في استقبال كل دولة لجزء من هؤلاء المهاجرين، وفحص طلبات لجوء لهم داخل تلك كل دولة، وهو ما تفرضه الاتفاقية، غير أن الكثير من الدول تعرقل قبول تلك الأفواج ويقع العبء على الدول الخمس، والتي بدورها تعرقل السماح بنزول المهاجرين على أراضيها.
مطالب الدول الخمس
من جانبها تطالب الدول الخمس الواقعة على الخطوط الأمامية بضرورة وضع آلية تلقائية وإلزامية، تدار مركزيا بتنسيق المفوضية السامية لحقوق الإنسان وتدعمها وكالات معنية في الاتحاد الأوروبي على غرار فرونتكس (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل)، وذلك للتعامل مع المهاجرين داخل المعسكرات بأراضيها، بحيث لا يترك الأمر لكل دولة على حدة، ما يصعب التعامل مع تلك الأمواج من المهاجرين.
وكذلك تطالب مجموعة الدول "ميد 5"، بمزيد من التعاون مع دول المصدر ودول الترانزيت "دول شمال أفريقيا"، على الجانب الآخر من البحر، إضافة إلى ضمان تطبيق البيان المشترك التركي- الأوروبي من العام 2016 بشكل كامل من قبل الاتحاد الأوروبي وتركيا تجاه جميع الدول الأعضاء، والمتعلقة بتوزيع المهاجرين على تلك الدول.
معاناة مميتة للمهاجرين
ولكن الطرف الأكثر تألما داخل هذا الصراع هم المهاجرون أنفسهم، حيث ترفض الدول الخمس استقبال المهاجرين، وهو ما يترتب عليه وجود مئات المهاجرين العالقين داخل البحر على متن سفن إنسانية، لأيام واحيانا أسابيع في البحر، وهو ما يدفع بعض هؤلاء المهاجرين لإلقاء أنفسهم داخل البحر، ويصاب البعض الآخر بالأمرض نتيجة سوء المعيشة، ومنها مرض الجرب.
وهي الأزمة المشتعلة حاليا بين فرنسا وإيطاليا في ظل رفض إيطاليا استقبال إحدى تلك السفن، فيما اضرها لإدخالها موانئ فرنسا، وفي المقابل رفضت دخول شاحنات المهاجرين على الحدود البرية مع إيطاليا تمهيدا لتسكينهم داخل فرنسا أو باقي دول أوروبا.
وهو الأمر الذي دعا منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية لإصدار بيان قالت فيه، إن رفض إيواء جميع ركاب هذه السفن يعرضهم للخطر وينتهك التزامات إيطاليا تجاه حقوق الإنسان، وذكرت أن القانون الدولي والأوروبي يضمن الحق في طلب اللجوء ويمنع الطرد الجماعي.
وذكرت المنظمة غير الحكومية، أنه أمام الصمت المطبق لإيطاليا، ولجوء سفن الإنقاذ للطب من دول أخرى أوروبية بإدخال المهاجرين إليه هو لحل يعبر عن نتيجة فشل حرج ومأساوي لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول المرتبطة به في تسهيل توفير مكان آمن للمهاجرين.
إيطاليا تطالب بإنزال المهاجرين
وفي ظل تصاعد الانتقادات الدولية لأوضاع المهاجرين على سفن الانقاذ "سفن نوح"، تمسكت إيطاليا بموقفها، خصوصا في ظل وجود الحكومة الإيطالية الجديدة، الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تمسكت باتخاذ موقف متشدد حيال المهاجرين.
وطالبت الحكومة الإيطالية الدول الأوروبية بإبداء مزيد من التضامن في استقبال المهاجرين، مؤكدة أن المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر هم من مسؤولية الدولة التي تبحر السفن تحت علمها.
فيما أصدرت أربع دول متوسطية من الدول الخمس المنوط بها استقبال المهاجرين بيانا مشتركا بشأن الأزمة الحالية - إيطاليا واليونان ومالطا وقبرص – ذكرت فيه أنها لا يمكنها الاشتراك في فكرة أن دول الدخول الأول هي نقاط الهبوط الأوروبية الوحيدة الممكنة للمهاجرين غير الشرعيين.
وأشارت إلى أن عدد المهاجرين الذين استقبلتهم دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي "لا يمثل سوى قدر صغير للغاية من العدد الفعلي للوافدين غير الشرعيين، وأدانت الدول الأربع عمليات السفن الخيرية الخاصة، والتي تعمل باستقلالية تامة عن سلطات الدولة المختصة لانتشال مئات المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر.
جدير بالذكر أن السفن التي تعمل على انقاذ المهاجرين، هي تابعة بالفعل إلى منظمات حقوقية غير حكومية ترفع أعلام دول متعددة في أوروبا ومنها سفينة "جيو بارنتس" التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود وترفع العلم النروجي، سفينة "أوشن فايكنغ" التابعة للمنظمة الأوروبية "اس او اس ميديتيرانيه"، والتي ترفع العلم النروجي، وسفينة "هيومانيتي وان" التابعة لمنظمة "اس او اس هيومانيتي" والتي ترفع العلم الألماني، وسفينة "رايز أبوف" الإنسانية التي تديرها منظمة "لايفلاين" الألمانية غير الحكومية.
أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا
ومع تطور الأزمة على أرض الواقع، اندلعت أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا، خصوصا ما تفجر أزمة سفينة "أوشن فايكنغ"، والتي وقفت لمدة 3 أسابيع قبالة ميناء صقلية بانتظار إذن الإرساء من السلطات الإيطالية التي رفضت استقبالها، ما دفع فرنسا للسماح لها بالرسو في ميناء طولون كحالة استثنائية، حيث قالت إيطاليا إن قرارنا جاء بسبب عدم التزام غيرها من دول الاتحاد الأوروبي ببنود اتفاقية توزيع المهاجرين.
في المقابل قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، أوليفييه فيران، إن إيطاليا لا تفي بالتزاماتها تجاه فرنسا، مما يشكل خرقا لآليات التضامن الأوروبي، وبناء على ذلك فإن باريس لن تفي بالجزء الخاص بها من الاتفاقية، وستمتنع عن السماح لـ 3 آلاف مهاجر عبر الحدود الإيطالية من دخول أراضيها.
وبالفعل شهدت الحدود الفرنسية الإيطالية أمس الأحد، طوابير طويلة من السيارات على ضوء قرار باريس تشديد إجراءات معابرها الحدودية، ردا على رفض روما السماح لسفينة الإنقاذ "أوشن فايكنج” بدخول ميناء صقلية.
في حين أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بعد ذلك انسحاب فرنسا من آلية "التضامن" التي تمت الموافقة عليها في يونيو لتقليل الضغط على دول خط المواجهة مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا من خلال استقبال طالبي اللجوء.