بدأت مظاهر الحياة تعود إلى الحويجة بعد مرور ثلاثة أشهر على تحريرها من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية". المدارس تستقبل التلاميذ من جديد. يودِت نويرنك كانت أول صحفية غربية تزور المدينة المحررة، ووافت DW بهذا التحقيق.
في أكتوبر الماضي وبعد أسابيع من قتال مرير، سلّم نحو 1400 عنصر من تنظيم "الدولة الإسلامية"المعروفة إعلاميا بـ"داعش" انفسهم للقوات المهاجمة، ما سرع في عمليات تحرير المدينة.
ونفذت القوات العراقية عمليات عدة لتطهير المنطقة وما حولها من جيوب محتملة للتنظيم. لكنّ العمليات كما يبدو لم تجر كما يجب، فبقيت قرى في الحويجة غير آمنة وتنشط فيها خلايا نائمة تنتشر حولها وفيها، وتظهر ليلا لتجبر السكان على إطعامها.
كرد فعل على هذا النشاط، نفذت القوات العراقية عملية دامت تسعة أيام لطردهم،"وعثرنا على أنفاق، ومصنع قنابل وخلية طبية تابعة لتنظيم داعش" كما كشف المقدم على الذي تنتشر وحدته قرب مدينة كركوك التي تتبع لها الحويجة إداريا مؤكدا لـ DW " عثرنا على مركز عمليات ما زال يعمل".
داعش مر من هنا
معظم مناطق الحويجة دمرتها المعارك والغارات الجوية التي طالت مصنع قنابل لداعش، فتحولت إلى مدينة أشباح خاصة أنه لم يُسمح بعد لجميع من غادروها بالعودة إليها.
تتناثر على جوانب الطرق هياكل سيارات ممزقة استخدمها عناصر التنظيم لوقف تقدم القوات. الهياكل باقية اليوم شهادة على ضراوة المعارك التي جرت هنا. الشوارع خربتها حفر أحدثتها القنابل أو المفخخات التي تركها "الدواعش" (حسب الوصف العراقي لهم).
أما في القرى الأبعد، فما زلت بعض الألغام مزروعة في الطرق ولم يجر تفجيرها، وقد تم تأشيرها بدلاءٍ أو براميل صغيرة لتمييزها وتحذير الناس منها.
في الجزء الشرقي من المنطقة، شكّل الباقون من عناصر "داعش" مجموعة "العلم الأبيض"، وسميت كذلك لأنها اتخذت لنفسها بيرقا أبيض طبعت عليه صورة أسد، لكن لا يمكن التأكد من دقة هذه المعلومات.
النقيب معاذ العبيدي منسق الأمن مع الحكومة المركزية، كشف لـ DW أنّ المجموعة المشار إليها هي عبارة عن مظلة تضم عربا وكردا وتركمان بل وحتى إيرانيين، قاتل كثير منهم في صف داعش، أو في صفوف واجهات أخرى منها حزب العمال الكردستاني، وقد قاتلت بعض الفصائل منهم ضد داعش وعناصرها حتى وصلت القوات العراقية وحررت المدينة.
ويصفهم النقيب معاذ بالقول" الشيء المشترك الوحيد بينهم هو عداؤهم للقوات العراقية. إنهم تطبيق حي للمثل السائد "عدو عدوي، صديقي".
عودة الحياة
رغم المنع، عاد بعض السكان من سكان القرى البعيدة إلى أراضيهم وبيوتهم وشرعوا بإصلاحها. وأعادوا فتح المدارس، بما فيها مدرسة في قرية "حوض صيتا" التي يزورها أكثر من 300 تلميذ تتراوح أعمارهم بين السادسة والثالثة عشرة.
الفتيات يرتدين فساتين ملونة، وهو أمر بعيد تمامًا عن الملابس السوداء والنقاب الثقيل الذي فرضته "الدولة الإسلامية" على الناس. مدير المدرسة عبد الله نجم يقول " لأجل الطفولة لابد من توعية التلاميذ بأنّ الدواعش مجرمون".
أغلب القرويين يعملون الآن في القوات العراقية والشرطة ودوائر الدولة الرسمية، وقد عانوا الأمرين في ظل تنظيم"داعش". في تلك القرية قتل 18 شخصًا ونزح وشرد أغلب السكان، ومن بقوا في القرية عاشوا فاقة وفقرًا.
ورغم أن 6 فقط من رجال القرية انضموا إلى تنظيم داعش، فإنّ هناك انطباعا بين الناس أن القرية برمتها تدين بالولاء للتنظيم. وبهذا السياق يقول مدير المدرسة نجم" نتيجة هذا (الانطباع) عانينا حتى أثناء نزوحنا، فقد عاملونا باعتبارنا دواعش، وليس عراقيين أصلاء. في ذهن الجميع بما في ذلك الحكومة وأجهزة الاعلام " ببساطة، الحويجة هي داعش".
قرى ما زالت متهمة بالانتماء لداعش
ولم تعد حوض صيتا تقبل أي رجل له ارتباط بداعش، فقد دُمرت بيوتهم، ولا يسمح لأسرهم النازحة بالعودة إلى الديار. بالنسبة لأحمد خلف، معاون المدرسة فالأمر ببساطة محسوم "كل الدواعش يجب أن يرسلوا إلى السجن، ولابد أن توضع عائلاتهم في المخيمات"، في إشارة إلى المخيمات التي أعدتها الحكومة العراقية لإيواء أسر عناصر داعش، ويمضي متحدثا ل DW "لا نريدهم هنا، ونريد إيصال رسالة إلى الجميع بأننا نرفض عقيدتهم، وأن ليست كل الحويجة دواعش".
في القرية التالية، لم يتفق أحد شيوخ عشائر الجبور مع هذا الرأي، ويخشى أحمد المهيري الذي فقد والده وأثنين من أعمامه في الحرب على داعش أن يؤدي عزل الناس في المخيمات إلى إشعارهم بالتهميش "الأطفال الذين يكبرون في هذا الوسط سيكونون أسوأ من رجال أسرهم اليوم. وبهذا سنواجه أزمة أخرى خلال عشر سنين من هذه اللحظة".
ويشرح الشيخ وهو يتجرع قهوته المرة أنه يفضل اعادة النسوة والأطفال إلى محيطهم الذي مناطقهم، ليمكن أيضا مراقبتهم عن كثب، بدلًا عن تركهم في المخيمات، حيث يكونون معرضين لمزيد من عمليات التوجيه العقائدي. لكنها (الحكومة) تخوض حربا خاسرة، فنحن مجتمع صعب، والناس هنا لا يرون الحياة في المخيمات بديلا".
رفض أي مجموعة تجاهر بعدائها للحكومة
وبلغة الأرقام، فقد قتل في الحويجة وما حولها نحو 7 آلاف إنسان، وهناك أكثر من 5 آلاف ما زالوا مفقودين.
والشيخ أحمد الذي حل محل والده قبليا في عمليات الفصل العشائري في 22 قرية يقول إنّ الخسارة التي لحقت بالمنطقة تشعر الناس بالحاجة إلى مزيد من الأمن. الناس سابقا لم يكونوا مستعدين للإبلاغ عمن يجاهرون بعدائهم للحكومة أو يقاتلونها، بل إنّ كثيرًا منهم رحبوا بداعش باعتبارها ثورة سنية بوجه حكومة شيعية يكرها السكان. كل هذا قد تغير الآن تمامًا حسب رأي الشيخ أحمد.
ويحسم الشيخ الشاب الموضوع بقوله "الثورة السنية ماتت تمامًا في الحويجة، وإذا صادفنا من يدعم هكذا ثورة، سنبلغ عنه الجهات الأمنية. لن ندعهم يتجولون هنا بحرية. ولن نقبل ظهور أي مجموعة، دينية أو غير ذلك، تجاهر بعدائها للحكومة".