كانت "دميانة" ذات الـ20 عامًا تنتفض هلعًا، يَكاد قلبها يتوقف، بينما يُحاصر مُسلحون أربعة الميكروباص الذي تستقله مع 14 آخرين من عائلتها في طريق عودتهم من دير الأنبا صموئيل المعترف بالظهيري الصحراوي بمحافظة المنيا، تمتموا بكلمات ربانية، قبل أن يفتح الإرهابيون الرصاص العشوائي بكثافة، تخترق إحداها رأس شقيقتها الصغرى "ماريا" الجالسة بجوارها، لتلفظ أنفاسها بين يديها "خدت أختها وهي بتموت على صدرها" كما تحكي والدتهم "عايدة" بقهر.
داخل إحدى الغُرف بمستشفى الشيخ زايد التخصصي؛ كانت "عايدة شحاتة وصفي" ترقد متأثرة بإصابتها بطلقتين اخترقتا ركبتيها، وقلبها ينزف بالألم، فقدت السيدة الأربعينية 6 من عائلتها منهم زوجها "كمال يوسف شحاتة" وطفلتها.
داخل سيارة الميكروباص كانت بناتها الثلاثة تجلسن خلفها، تحجرت الدموع في عينها وهي تستعيد ما حدث، فقدت صغيرتها "ماريا"، لم تكد الابنة الكبرى "دميانة" تتلقفها حتى "خدت رصاصتين هي كمان في إيديها"، فيما نجت ابنتها الوسطى "ديانا" بأعجوبة.
مع اقتراب ظهر يوم الجمعة؛ كانت عائلة "عايدة" انتهت من زيارتهم للدير وفي طريق عودتهم لمدينة المنيا، عندما هاجم مجهولون سيارة "ميني باص" أمامهم لكنها تمكنت من الفرار بعد إصابة بعض أفرادها، بعدها وجد سائق حافلتهم نفسه في مواجهة الإرهابيين الذين تصفهم الأم الأربعينية بأنهم "4 ملثمين كانوا في عربية جيب".
لم يجد السائق مفرًا، توقف عقله للحظات، بعدها انطلق في طريقه "راح حط رجله على دواسة البنزين وخد في وشه ومشى على طول"، لاحقه المسلحون "دوروا ضرب في العربية من ورا"، في تلك الأثناء انتابت الجميع حالة من الهلع والرعب، ما بين الكبار والأطفال الجميع يطلق الصراخ والبكاء والاستغاثات "البنات بقت تقولي يا ماما العربية اللي بتضرب أهي جاية من الجبل هناك".
لدقائق، كانت سيارة العائلة في مرمى نيران الإرهابيين، حاول السائق الهروب منهم، قبل أن يقرر تغيير وجهته "لف بسرعة وراح راجع في اتجاه الدير"، طاردته سيارة المسلحين، بين الدروب الصحراوية ساد بين الحافلتين سباق كرّ وفرّ "بس لحقونا مع إننا جرينا بسرعة كبيرة، معرفش لحقونا إزاي!"، صوبوا النيران إلى السائق وأردوه قتيلاً "ضربوه بالرصاص من قدام".
حول الأم المكلومة، التف عدد من النسوة أقربائها، تشرد حينًا، وتذرف الدموع حينًا آخر، في خلال ذلك زارها أحد الآباء القساوسة، أخذّ يمسح بيديه على رأسها، يتلوا عليها ترانيم الصبر، انفجرت "عايدة" في البكاء "أهلي راحوا يا أبونا، 6 رجالة.. جوزي وبنتي راحوا السماء، صلوا عليهم النهاردة".
في تلك الأثناء، حضرت ابنتها "دميانة" التي تعافت لتوها من إصابتها، أجرى لها الأطباء عملية أمس لانتزاع الرصاصتين من كفها، اقتربت من أمها، أخذت تشد من إزرها، تطمئنها بسلامة باقي أفراد العائلة المغدورة "يوسف الصغير كويس، مقولنالوش بس حاسس إن مامته ماتت"، تسألها الأم عن سلفتها، تتنتهد وتقول "نانسي في العناية بس هي كويسة، مش إحنا شوفناها لما كنا بننزل من الباص".
حمل الأب القسيس قطعة من خبز القربان المقدس، اقتطع لُقيمة منه، حاول إعطائها لـ"عايدة"، كانت الأم شاردة، تنطق بصوت مبحوح "الميكروباص كله من أصغر عيل لأكبر نفر كلنا كنا رايحين نصلي يا أبونا"، يقرب اللقيمة من فمها، تأخذها وتتناولها بوهنٍ وهي تتمتم "أنا زعلانة على اللي راحوا، الحلوين هما اللي راحوا السماء"، يدعو لها بالصبر وصرف المكروه "إحنا من بيت واحد كله راح والعيلة راحت" تقولها وهي تنتحب.