راعي شيكاغو يروي كواليس بعض المآسي في حياة نبي الله داوود
01.01.2023 11:56
اخبار الكنيسه في امريكا الشماليه Church news in North America
الدستور
راعي شيكاغو يروي كواليس بعض المآسي في حياة نبي الله داوود
Font Size
الدستور

تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بنهضة داوود نبي بدءًا من يوم 1 يناير الله كاتب المذامير التي تقرأ في صلوات المسيحيين أكثر من 80 مرة في اليوم الواحد.

وعن داوود النبي وخطيته وتوبته واثار هذه الخطية.. قال القمص يوحنا نصيف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم للاقباط الارثوذكس في شيكاغو، في تصريح عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: يمكن تلخيص نتائج خطيّة داود في خمسة أحداث مؤلمة:
 1- الابن المولود يموت..
 2- مأساة اغتصاب أمنون لثامار أخته..
 3- مقتل أمنون ابن داود البكر على يد أبشالوم أخيه.
 4- إنقلاب إبشالوم على داود.
 5- اضطرابات عنيفة في المملكة 1- الابن المولود يموت..

هنا ينبغي أن نفهم أنّ العقوبة هي لداود، أمّا موت الولد فليس فيه ضرر أبدي عليه، بل ربّما هو رحمة من الله.
أيضًا من المهمّ تأكيد أنّ الطفل المولود نتيجة علاقة خاطئة (مثل حالة ابن داود) هو طفل بريء تمامًا، لأنّ الخطيّة هي خطيّة الوالدين. أمّا الجنين أو الطفل فهو إنسان بريء له الحقّ في الحياة، وله كرامته الإنسانيّة الكاملة.

نلاحظ أنّه عندما مرض الطفل صام داود وصلّى سبعة أيّام، وتذلّل وانسحق جدًّا، وكان ينام على الأرض، ولكن كانت توسّلاته وتضرّعاته في تسليم كامل لإرادة الله.. لذلك في النهاية بعد أن مات الولد، شكر داود الله وسجد له، وقال كلمته الشهيرة: أنا ذاهب إليه، وأمّا هو فلا يرجع إليّ.

نلاحظ أيضًا أنّ داود ذهب مع الجيش إلى الحرب بعدها مباشرةً. فقد تعلّم الدرس، ولا كَسَلَ بعد اليوم.

 2- مأساة اغتصاب أمنون لثامار أخته:

كانت ثامار ابنة داود أختًا شقيقةً لأبشالوم ابنه، أي من نفس الأم، ولكنّها أختٌ غير شقيقة لأمنون الابن البكر لداود.. وكان في ذلك الوقت من الجائز الزواج بين الإخوة غير الأشقّاء.. كما كان الوضع مع إبراهيم وسارّة (تك20: 12).

يبدو أنّ الشهوات غير المنضبطة من الأب، قد أدّتْ بطريق غير مباشر، إلى شهوات غير منضبطة وفضائح داخل الأسرة بين الأبناء.. فهُنا داود يحصد الثمار المُرّة لخطيّته.

في حالة هجوم الشهوة على الإنسان، من المهمّ جدًّا القضاء عليها منذ بدايتها، وطردها بعيدًا وهي مجرّد فِكرة، حتّى لا تدخل العقل والقلب وتسيطر على الإنسان، وتقوده إلى الهاوية.. فالشهوة كما نعرف إذا حبلت تلد خطيّة، والخطيّة إذا كملت تُنتِج موتًا (يع1: 15).
لقد اُحصِرَ أمنون للسُّقم (لدرجة المرض) من أجل ثامار أخته.. هل هذا يمكن أن يكون حُبًّا؟! بالتأكيد لا.. هذا انحصار في أنانية شديدة بغيضة مريضة.

هنا نرى أنّ الشهوة التي تحاصر الإنسان، عندما تتسلّط عليه تُمرِضه.. وتجعله ممزّقًا داخليًّا بين شهواته من ناحية، والأخلاقيّات العامّة وكلّ الاعتبارات الأخرى المنطقيّة من ناحية أخرى.

للأسف استعان أمنون بحكمة ودهاء يوناداب ابن عمِّهِ؛ وهي حكمة شيطانيّة خبيثة، مملوءة بالكذب والخداع.. فقدّم يوناداب لأمنون مشورة تبدو ذكيّة ومُحْكَمَة، حقّقَت له هدفه الرخيص، ولكنّها في النهاية أودَت بحياته. يا للخطورة.

كان كلام ثامار لأمنون منطقيًّا عاقلاً، ويحمل جُملة تحذيرات، بل ويقدّم حَلاًّ مناسِبًا جدًّا وشرعيًّا.. ولكنّ الشهوة أعمَت عينيه.. نلاحظ أنّ الشهوة تنقلب سريعًا، لأنّها ليست محبّة حقيقيّة.. فقد اكتشف أمنون (متأخّرًا للأسف) أنّ الشهوة لم تُشبِعه، بل هي مجرّد سراب لا يروي عطش الإنسان.
الشيطان زيّن له الخطيّة حتّى سقط فيها، ثمّ تركه ومضى، بعد أن اكتشف أمنون نتانتها وتفاهتها.. ولكنّه كان قد جَرح أخته جرحًا بالغًا.. لقد أهانها وأذلّها، ثمّ طردها، وكأنّها ليست أخته.. بينما هي كانت شخصيّة خدومة ومتعقّلة، وحافظة لبتوليّتها قبل هذه الحادثة المريعة.
ظلّت ثامار تنزف نفسيًّا لأيّام طويلة، في وحدة وكآبة ووجع، وشعور بالرفض والمهانة وعدم الأمان، مع حزن رهيب ومخيف.. وعندما علم أبشالوم أخوها بما حدث أخذها عنده، فأقامت كأرملة (بحسب النصّ السبعيني).. بينما بَيَّتَ هو في قلبه أن ينتقم من أخيه أمنون.
عندما سمع داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جدًّا.. ولكنّه مع الأسف لم يَحكُم بالعدل، ولم يأخذ أيّ موقف، لسبب انحيازه لأمنون ابنه البِكر.. وهذا أشعل دائرة الانتقام.. وفي النصّ السبعيني مكتوبٌ أنّ داود لم يُرِد أن يُحزِن روح أمنون ابنه، لأنّه أحبّه، إذ هو بِكرُهُ.

3- مقتل أمنون ابن داود البكر:
بعد سنتين من تلك الحادثة البشعة، انتهز أبشالوم إحدى الفرص وخطّط لقتل أمنون، وقتله بالفِعل.. وعندما علم داود الملك بمقتل بِكره أمنون، مزّق ثيابه وبكى وحزن جدًّا.. وهكذا تتوالى الأحزان والأوجاع والدموع المُرّة، التي هي ثمار الخطيّة؛ تلك التي تبدو في لحظة تنفيذها لذيذة وبسيطة.
فُقدان البنين أمرٌ صعب للغاية.. لذلك يقول الكتاب: ناح داود على ابنه الأيّام كلّها (جاءت في السبعينيّة: كان ينوح كلّ يوم).. بينما هرب أبشالوم من أبيه، وذهب إلى تلماي ملك جشور، وهي منطقة في سوريا. وتلماي هذا هو جدّه (والد أمه).. ومكث هناك ثلاث سنوات.. 
بعد فترةٍ هدأ داود، وكان في سلام من جهة موت أمنون، كما أنّ رغبته في مطاردة أبشالوم قد انتهت.. وعن طريق وَسَاطة وحِيلة من يوآب قائد الجيش وابن أخت داود، قَبِلَ داود أن يعود أبشالوم إلى أرض إسرائيل.. ولكنّه للأسف لم يحتضنه ولا قابله، بعد هذه السنوات الثلاث التي كان فيها متغرّبًا هاربًا.. بل أظهَرَ بعض الجفاء والصرامة، قائلاً: لينصرف إلى بيته، ولا يَرَ وجهي. فانصرف أبشالوم إلى بيته، ولم يَرَ وجه الملك.. وهكذا ظلّ سنتين إضافيّتين في أورشليم مرفوضًا ومعزولاً.

يبدو أنّ ذات داود وكبرياءه قد تغلّبا على عاطفته الجيّاشة تجاه ابنه.. مع أنّه وهو الأب كان ينبغي أن يكون هو صاحب المبادرة في المصالحة، وإلاّ تتولّد عداوة في قلب الابن.

مهما كانت الظروف، فإنّ روح الأبوّة كان يجب أن تسود، وبكلّ أسف هذا لم يحدث.. فعلى الرغم من محبّة داود الهائلة لابنه أبشالوم، إلاّ أنّ روح داود في هذا الموقف كانت جافّة وصعبة، فولّدَت عداوة بينه وبين ابنه.. وكانت النهاية أنّه خسره وفقده تمامًا، إذ لم يعطِهِ الفرصة للتوبة والرجوع لحضنه.. فخسر الاثنان بعضهما.. مع خسارة كبيرة للجميع عندما حدث الاصطدام بينهما، لأنّ الشخصيّتين كبيرتان في المجتمع.

كان لأبشالوم صورة جميلة جدًّا من الخارج، لكنّ قلبه كان قاسيًا متكبّرًا، وأسلوبه عنيفًا.. لدرجة أنّه لكي ينبّه يوآب حتّى يتدخّل لمصالحته مع أبيه، أحرق له زرعه بالنار. وبالطبع الله يعرف ما في القلب، إذ ينظر إلى الداخل.. ولا ينخدع أبدًا بالشكل الخارجي.

اضطر يوآب أن يتدخّل ثانيةً، ويكلّم الملك داود، لكي يصالح ابنه.. فاستجاب داود، ودعا أبشالوم للقائه، بعد أن غاب عن رؤيته لخمس سنوات كاملة.. أتى أبشالوم وسجد على وجهه إلى الأرض قُدّام الملك، فقبَّل الملك أبشالوم.

هنا نرى توبةً واعتذارًا من أبشالوم، وداود قبل الاعتذار، ولكن لم تعُد العلاقة بينهما كالسابق.. كما لم تكُن توبة أبشالوم موجّهة لله.. فالله غائب تمامًا عن حياته وحساباته.. ولهذا فقد استمرّ بعد ذلك في ارتكاب جرائم أشنع.. وقد بدأ الشيطان، وسط هذا الجوّ غير الصافي، يُغرِي أبشالوم بالتخطيط للانقلاب على أبيه داود.

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.