بقلم ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية يوم 20 أبيب من الشهر القبطي الموافق 27 يولية من الشهر الميلادي بتذكار استشهاد الشهيد العظيم الأمير تادرس الشطبي . والأمير تادرس الشطبي هو غير الأمير تادرس المشرقي ؛فتادرس الشطبي من شطب بمحافظة أسيوط ؛أما تادرس المشرقي فهو شهيد من مدينة صور بلبنان ؛ وتذكار استشهاده يوم 12 طوبة الموافق 20 يناير . ومعني كلمة تادرس هو "عطية الله " أو عطاالله " وفي النطق القبطي الصعيدي تنطق "تاوضروس" اما في اللغة اليونانية فتنطق "ثيؤودورس " ويقابلها "متاؤوس "باللغة الأرامية و"فوطيفار" باللغة المصرية القديمة .
أما عن الأمير تادرس الشطبي ؛ فهو ابن قائد عسكري يدعي يوحنا من شطب ؛ ثم سافر في مهمة عسكرية إلي مدينة أنطاكية وهناك تزوج من أبنة أحد الامراء الوثنين وتدعي "اوسانيا "؛ وزرق منها بطفل دعته تادرس ؛ ولقد حاولت الأم الوثنية أن تميل قلب زوجها المسيحي إلي الوثنية ؛ولكنها فشلت ؛ فأخذت تهدده بالطرد من البلد ما لم يتحول عن إيمانه المسيحي ؛وفي ذات ليلة ظهر ملاك الرب في رؤيا ليوحنا أبيه ؛ونصحه بالرجوع إلي مصر ؛وأن يترك زوجته وأبنه تادرس في هذه البلاد الغريبة ؛ وفعلا عاد الأب إلي مصر ؛وعاش الشاب تادرس في حيرة مترددا ما بين وثنية أمه وإيمان والده المسيحي ؛ وكبر القديس وأخذ لقب أمير لأنه من نسل الأمراء عن طريق أمه ؛ ثم الحقته أمه بمكتب البلاط الملكي ليتعلم الجندية لكي يصبح ضابطا في الجيش الروماني . وفي ذات يوم سأل أمه عن مصير أبيه فأخبرته أنه مات في الحرب لأنه كان لا يعبد الهتنا ؛ فدار بينهما الحوار التالي :-
تادرس :- عن أي آلهة تتحدثين ؛هل تلك الأصنام تدعي آلهة ؟
الأم :- ياولدي ما هذا الكلام الذي تقوله وكيف تغضب الآلهة ؟
تادرس :- لقد عرفت الحقيقة وعرفت أنك طردتي أبي لأنه كان مسيحيا ؛ ولقد رأيت أمس في منامي شخصا يخاطبني قائلا "أنا والدك يوحنا وقد طردتني أمك من أجل أوثانها فأحفظ نفسك إلي أن يشاء الله لقاءنا
الأم :- واحسرتاه ياولدي ؛ لقد فقدت عقلك ؛هلم أسجد للآلهة وأطلب الصفح منها
تادرس :- أنا لا أسجد إلا للرب إلهي إله أبي يوحنا ؛ أما هذه الأوثان فليس لها مكان في قلبي ولا في هذا المنزل بعد الآن . ثم ضرب تادرس الوثن الحجري بقدمه فتحطم .
وبعد ذلك خرج تادرس من المنزل ؛وتوجه إلي أحدي الكنائس وهناك طلب أن يعتمد ويصير مسيحيا ؛وكان عمره في ذلك الوقت حوالي خمس عشر عاما تقريبا .
ثم أخذ القديس ينمو سواء في الحياة الروحية أو حياة الجندية ؛ حتي سمع عنه الأمبراطور دقلديانوس فأعجب به جدا وقلده أعلي الرتب العسكرية حتي وصل إلي درجة "اسفهسلار " وهي كلمة رومانية تعادل درجة وزير الحربية حاليا .
وأشتاقت نفس الامير لرؤية والده ؛فسافر إلي مصر ؛وتوجه مباشرة إلي مدينة شطب ؛وتوجه إلي أحد الكنائس هناك لكي يصلي صلاة شكر خاصة علي سلامة وصوله ؛ وبعد انتهائه من الصلاة ؛ توجه إلي خادم الكنيسة العجوز وسأله عن شخص يدعي يوحنا ؛فرد عليه الخادم أنه يعرفه معرفة شخصية وسوف يصحبه إليه ؛ثم دخل الخادم إلي يوحنا وأخبره أنه يوجد أمير أنطاكي يسأل عنك ؛فرد عليه يوحنا أمير انطاكي؟! وما حاجته إلي وقد زال عني ملك العالم وداهمني المرض وضرب الموت سياجا من حولي دعه يدخل ؟!. وتقدم تادرس من والده ومثل أنه لا يعرفه وقال له "أنا أمير من أمراء مملكة الروم جئت في طلبك ؛ فرد عليه يوحنا :مرحبا بك يا ابني ماذا تريد مني ؟ وهل أستطيع أن اقدم لك أي خدمة وأنا في أيامي الأخيرة ؟ . فسأله تادرس هل تعرف يا سيدي الأميرة اوسانيا ؟ فرد عليه نعم أعرفها ؛فرد عليه ولكنك مسيحي وهي وثنية تعبد الأصنام ؛فمن أين عرفتها إذن ؟ فرد عليه يوحنا : هذه قصة طويلة يا ولدي ؛ثم أخذ يروي له بعضا منها ؛فأغرورقت عيني الأمير تادرس بالدموع وقاله له : أبي يوحنا ؛أنا تادرس أبنك ؛وقد تعمدت وصرت مسيحيا ؛ثم تعانقا عناقا حارا جدا ؛وبعد خمسة أيام توفي يوحنا . ثم أعلن الفرس الحرب علي الروم ؛فعاد الامير تادرس علي الفور إلي انطاكية ؛وجمع جيوشه ونظم صفوفه ؛ودخل في حرب طويلة مع الفرس حتي أنتصر عليهم . فأعجب به جدا الامبراطور دقلديانوس وعينه واليا علي أحد المقاطعات الرومانية بعد موت واليها ؛ وكان يوجد بالمدينة تنين ضخم "نوع من الثعابين البحرية المنقرضة " وكان من عادة أهل المدينة أن يقدموا له أطفالا صغارا طعاما له ؛وكان يوجد بالمدينة أرملة فقيرة لديها طفلان فأخذها منها أهل المدينة وربطوهما في شجرة فوق الجبل تمهيدا لتقديمهما طعاما للتنين ؛ فعندما سمعت بوصول الأمير تادرس إلي المدينة تقدمت إليه وهي تصرخ طالبة منه أن ينقذ ولديها ؛ وقالت له أنها أمرأة مسيحية ؛ولكن اهالي البلدة خطفوا مني طفلي ويريدون تقديمها طعاما للتنين ؛ فترجل الأمير عن جواده وسجد نحو الأرض ؛وصلي صلاة قصيرة ؛ثم تقدم نحو التنين وأخذ يقاتله نحو ساعتين كاملتين ؛حتي نمكن في النهاية من قتله .وخلص المدينة كلها من شروره .
ثم وصل الخبر إلي الأمبراطور أنه مسيحي ؛فأستدعاه إليه وطلب منه إنكار إيمانه المسيحي ؛ ولكن الأمير تادرس رفض بإصرار وأعلن شجب العبادة الوثنية .فأغتاظ الأمبراطور جدا وأمر بتعذيبه ؛فمر الشهيد بسلسلة طويلة من العذابات حتي يئس منه جدا وأمر بقطع راسه ؛وتعيد الكنيسة بتذكار استشهاده في يوم 20 أبيب . .
1- جزء منها موجود بديره الأثري بحارة الروم بالقاهرة
2- جزء منه موجود في كنيسته الأثرية بمنا الامير محافظة الجيزة
3- جزء منه محفوظ في كنيسة مارمرقس بالجيزة
4- جزء منه في كنيسة مارجرجس بمنيل الروضة
5- جزء موجود بكنيسته الأثرية بمنفلوط
والأيقونة الشهيرة للأمير تادرس تمثله وهو جالس فوق الحصان مرتديا كامل ملابسه العسكرية ؛وفي يده رمح طويل ؛ وسن الرمح مغروس في رأس التنين الواقع تحت قدميه مصروعا ؛ ويركب وراء علي الحصان ابن الارملة ؛أما الأبن الثاني فهو مربوط في شجرة من أشجار اللبخ .وأمام الحصان تقف الأرملة التي خلص الشهيد ولديها من فم التنين رافعة يديها تستنجد بالشهيد . وتوجد أيقونة أثرية له محفوظة بدير الأمير تادرس بمنا الأمير يرجع تاريخها إلي حوالي عام 1764 م تقريبا ؛ و هي علي الارجح من رسم ابراهيم الناسخ ؛ونفس الأيقونة تقريبا ولنفس الرسام موجودة بكنيسة الشهيد مرقوريوس بمصر القديمة . أما أقدم أيقونة له فهي مرسومة بالفريسك في قبة كنيسة الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر .
ومن أشهر الأديرة الأثرية التي علي أسم الأمير تادرس ديره الشهير بمنا الأمير بمحافظة الجيزة ؛ وأصل هذا الدير كما يذكر البعض أنه تم إنشاؤه في القرن الرابع علي يد والدة الشهيد "اوسانيا "والتي جاءت إلي مصر بجزء من جسده بعد إيمانها بالمسيحية ؛ وكان ذلك في عصر الملك قسطنطين وكان وصولها إلي مصر يوم 15 هاتور كما هو مدون في السنكسار ؛ويوجد رأي يقول أن أصل كلمة منا الأمير هي "أم الأمير " وذلك كما هو مكتوب علي أيقونة أثرية توجد بالدير ؛ويرجع تاريخها إلي عام 1852م ؛ ثم حرفت بعد ذلك إلي منا الأمير ؛ بينما يوجد رأي آخر يذكر أن كلمة "منا " هي تحريف لكلمة قبطية أصلها (بي موني ) ومعناها ميناء ؛ وذلك لأن مياه النيل وخصوصا وقت الفيضان كانت تصل إلي الدير وتحيط به وكانوا يصلون اليه بالمراكب ؛فلذلك سميت بهذا الأسم .وأول مؤرخ ذكرها هو أبو المكارم عندما ذكر بعض الكنائس في بلاد الجيزة فقال عنها (في منا الأمير يوجد بيعة ). كما ذكرها الرحالة الشهير فانسليب (1635- 1679 ) في الكتاب الذي كتبه بعنوان "تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 " فقال عنه "في منيا المير } منا الأمير { ؛نحو الغرب ؛كنيسة القديس تادرس " وذكره أيضا القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي ( 1848- 1935 )فقال عنه " دير وفيه كنيسة باسم الأمير تادرس بناحية من الأمير بمديرية الجيزة .ذكر في سجل الكنائس تبعا لكرسي أسقف الفيوم سابقا " . ولقد أوقف المعلم ابراهيم الجوهري 13 قيراطا مسجلة بتاريخ 4 اكتوبر 1784 ضمن أوقاف الدير ؛ويذكر التاريخ أن البابا كيرلس الخامس البطريرك ال 112 من بطاركة الكنيسة القبطية (1875-1927 )كان دائم التردد علي هذا الدير طلبا للراحة والهدوء ؛فقام ببناء مقر له من طابقين ومازال موجودا بالدير حتي الآن .ولقد ذكره الانبا صموئيل أيضا في موسوعته " الدليل إلي الكنائس والأديرة من الجيزة إلي أسوان " فقال عنه " تقع منا الأمير في الركن البحري الغربي من الحوامدية .... ويوجد بالكنيسة ثلاثة أحجبة علي الهياكل تعد من أروع الأحجبة في مصر بعد أحجبة كنائس مصر القديمة ؛ومن أهم ما يميزها زخرفة العظم الموجود داخل الحشوات بأشكال زخرفية متناسقة . كما توجد حواجز خشبيية خرط تفصل المكان المخصص للنساء عن باقي صحن الكنيسة . وفي منتصف صحن الكنيسة يوجد لقان اثري داخل حفرة مربعة كما يوجد لقان اخر . وبالكنيسة مقصورة بها أجساد القديسين :- الشهيد أبي سيفين والشهيد قرياقوص ويوليطة والأمير تادرس . كما توجد أيضا بعض الأيقونات ؛ أما المخطوطات فقد نقلت إلي مطرانية الجيزة ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة (19) ؛ الكنيسة رقم ( 4 ) ) .
. ومن أشهر الأديرة التي علي أسم الشهيد تادرس أيضا ؛ ديره الشهير بحارة الروم بالقاهرة وهو دير خاص بالراهبات ؛ولقد ذكره المقريزي في موسوعته فقال عنه "دير البنات بحارة الروم ؛وهو عامر بالنساء المترهبات "كما ذكره علي باشا مبارك في الجزء الثاني من "الخطط التوفيقية "فقال عنه ( وفي هذه الحارة وإلي وقتناهذا الدير ذكره المقريزي وسماه دير البنات ؛وهو موجود إلي الآن وتزوره نساء المسلمين كثيرا ؛ وفيه بئر ماء معينة يعتقدون في ماءها الشفاء ؛وبه مقصورة علي ضريح ؛ وبالمقصورة طاقة صغيرة تضع النساء أولادهن المرضي بها ؛ ويزعمون أن فعل ذلك بالولد يحصل
به الشفاء من المرض الذي به ) . أما البئر المقصودة هنا ؛والتي قال عنها علي باشا مبارك أنه يعتقد في ماءها الشفاء ؛فهي البئر التي يعتقد ان القديس ابا نوفر السائح كان يشرب منها حين كان يعيش في هذه المنطقة ؛وكلمة نوفر كلمة قبطية معناها "حسن" وتذكار وفاته تقع في يوم 16 بؤونة الموافق 23 يونية حسب التقويم الميلادي .
نشرت بجريدة القاهرة بتاريخ 14 اغسطس 2012