بقلم حمدي رزق
أحسن البابا تواضروس صنعًا أن نزع فتيل الفتنة فى المنيا، وأجل لشهور البت فى شأن إبراشية المنيا وأبى قرقاص، التى حاقت بها فتنة عظيمة، وأحال أمرها إلى أساقفة المجمع المقدس لمزيد من البحث والدراسة لحاجات شعب الكنيسة هناك، وبيان المصلحة المتيقنة قبل الشروع فى تجليس خليفة للأنبا المتنيح أرسانيوس.
لقى البابا تعاونًا طيبًا وتفهمًا راقيًا لمتطلبات المرحلة من الأنبا مكاريوس، أسقف عام الإبراشية، الذى تعامل بحكمة مع شباب الكنيسة الغاضب، وأخمد الفتنة فى مهدها وسكب ماء المحبة على أوراقها، وقدم إلى لقاء قداسة البابا تسبقه البشرى مع ثقة فى محبته، وتدبيره الحكيم للإبراشية.
البابا لم يشأ الانفراد بالقرار، وقبل الشروع فى المصلحة استمع بسعة صدر لرؤية الأنبا مكاريوس فى جلسة تفاكرية طالت لساعات من التفهم الواعى لظرف المكان والزمان، وتلقى البابا قبلا وبكل أريحية خطابات كهنة وشمامسة وأقباط كنائس المنيا جميعًا (بما فيها كنائس شرق النيل)، وهذا دأب البابا تواضروس لا يهمل خطابًا، وينصت سمعًا، ولا يشيح بوجه، يستقبل بود ويسمع ويتفهم ويقلب الأمر مرتجيًا صالح شعب الكنيسة.
الرجوات والنداءات والمطالبات المنياوية جميعًا تذهب إلى مطلبين بلغا قداسته، وحدة الإبراشية وتجليس الأنبا مكاريوس عليها، بعيدا عن شبح التقسيم لإبراشيتين أو ثلاث الذى ذاع بين شعب الكنيسة فى المنيا وأهاج مشاعر شباب الكنيسة، الذين قرروا وقفة احتجاجية يوم الجمعة قبل الماضية وكانت جد مزعجة لشعب الكنيسة.
الأنبا مكاريوس نجح فى احتواء الفتنة باكرًا، وحرر بيانًا بليغا كان له طيب الأثر فى تهدئة خواطر الغاضبين، ورسم طريقًا للتخارج مخاطبًا شباب الكنيسة: مثل هذه السلوكيات (الاحتجاجات) لا تليق بنا، وإنما ما يليق بنا هو الطاعة والخضوع لقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى جميع ما يتخذه من تدابير لصالح الكنيسة وهو أسقف الإبراشية الحقيقى.
الطاعة والخضوع، كلمتان مفتاحيتان صكهما الأنبا الحاذق، وهذا يتطلب تفهمًا من شعب الكنيسة لمتطلبات المرحلة والتسليم بحكمة البابا، وأن ما يتخذه من تدابير لصالح الكنيسة، وهذا يحتاج إلى تثبيت هذه القناعات فى أذهان شباب الكنيسة عبر مصارحات كنسية يتولاها البابا نفسه، لأنه محل ثقة وله فى النفوس محبة.
وقبلها شفافية فى الطرح المخطط للإبراشية، وحدة أو تقسيمًا، وإلى شجاعة فى مواجهة ما استقر فى المجمع المقدس، القرار نعم قاهرى، لكنه يستوجب تجليسه على الأرض فى المنيا، وهى ليست بعيدة، أخشى القرار بالحسابات القاهرية قد يظلم شعب الكنيسة فى المنيا.. وأخيرًا تصوير الأمر على أنه قرار ضد أنبا مكاريوس يظلم الأنبا قبل أن يظلم البابا، الأنبا ابن الطاعة وينشد البركة.