
في مشهد صادم يعكس استهتارًا صارخًا بالإرث الحضاري والديني لسوريا، أقدمت ما تُعرف بميليشيات “سلطة الجولاني” المتطرفة على ارتكاب جريمة جديدة بحق الذاكرة السورية، عبر هدم أحد أبرز المعالم التاريخية المسيحية في قلب العاصمة دمشق الضحية هذه المرة كان الشارع الحجري الشهير في حي باب توما، أحد الأبواب السبعة التاريخية التي تحيط بالمدينة القديمة، والمرتبط بشكل وثيق بتراثها الديني والمعماري الممتد لأكثر من ألفي عام.
باب توما.. أثر لا يشبه غيره
يعود تاريخ باب توما إلى القرن الأول الميلادي، وهو ليس مجرد معلم أثري، بل يحمل بين أحجاره حكايات عمرها آلاف السنين. يقع هذا الشارع في قلب الحي المسيحي العريق، ويُعد امتدادًا لما يُعرف تاريخيًا بـ”الشارع المستقيم”، الذي ورد ذكره في سفر أعمال الرسل في الكتاب المقدس. وقد شكّل هذا الممر الحجري، بواجهاته القديمة ورصفه الروماني، واحدًا من أندر وأهم الشواهد المعمارية المسيحية في الشرق الأوسط، بل ومن رموز الهوية الثقافية والدينية لسوريا عبر العصو
وعلى مدار أكثر من عشرين قرنًا، مرّ على دمشق حكّام ومحتلون من مختلف الحضارات والإمبراطوريات: من الرومان والبيزنطيين، إلى الأمويين والعباسيين، ثم المماليك والعثمانيين، وصولًا إلى الاستعمار الفرنسي. لكن المدهش –والمؤلم في آنٍ– أن أياً من هؤلاء لم يجرؤ على المساس بهذا الإرث المقدّس، بل تم الحفاظ عليه واحترام رمزيته التاريخية والدينية.
لكن كل ذلك تغيّر مع صعود “سلطة الجولاني”، التي لم تتورع عن تدميره دون وازع من ضمير، في سابقة تُسجّل كواحدة من أحلك اللحظات في تاريخ التعامل مع التراث السوري.
التراث تحت المقصلة.. وصمت دولي مخزٍ
المعْلم الذي تعرّض للهدم ليس فقط موقعًا أثريًا داخليًا، بل إنه مُدرج رسميًا ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة **اليونسكو**، ما يعني أنه من المفترض أن يحظى بحماية دولية بوصفه إرثًا إنسانيًا مشتركًا لا يخص السوريين وحدهم، بل العالم بأسره.
ورغم ذلك، لم يصدر حتى لحظة كتابة هذا التقرير أي موقف رسمي من الهيئات الدولية المعنية، وفي مقدمتها اليونسكو، إزاء هذه الجريمة، ما يعكس **تواطؤًا بالصمت** أو تجاهلًا متعمدًا لما يجري بحق التراث الديني والتاريخي السوري، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة.
أكثر من مجرد طمس معلم.. محاولة لمحو الذاكرة
ما حدث لا يمكن وصفه فقط بأنه “تدمير موقع أثري”، بل هو –بحسب مراقبين ومؤرخين– عدوان متعمّد على الذاكرة الجماعية السورية، واستهداف خطير للوجود المسيحي التاريخي في قلب دمشق، المدينة التي لطالما كانت رمزًا للتنوع الديني والثقافي والتعايش.
ويرى البعض أن هدم شارع باب توما يمثل محاولة ممنهجة لطمس أحد أبرز معالم الهوية المسيحية السورية، في وقت تشهد فيه الطوائف المسيحية تراجعًا كبيرًا في حضورها المجتمعي والديمغرافي، نتيجة للحرب المستمرة والنزوح والهجرة والتهديدات المتكررة من قوى متطرفة.
أصوات محلية تدق ناقوس الخطر
وفي تعليقها على الحادثة، عبّرت شبكة “أخبار السويداء S.N.N” عن بالغ أسفها وقلقها من هذا التطور الخطير، مشيرة إلى أن ما جرى هو ليس مجرد تصرف فردي أو تجاوز عابر، بل “جريمة مكتملة الأركان بحق الإرث الديني والتاريخي لسوريا”، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه حماية ما تبقى من المعالم التي تشكّل هوية هذا البلد الغارق في الأزمات.
86007z