يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار فى الذكرى 33 لعودة طابا، دور الوثائق التاريخية والآثار فى عودة طابا للسيادة المصرية حيث تعد قضية طابا تجربة مصرية رائدة وظّفت فيها الوثائق التاريخية والآثار والخرائط والمجسمات الطبيعية وكتابات المعاصرين والزيارات الميدانية وشهادة الشهود وأشرطة الفيديو والصبر والمثابرة فى استرداد الحق بشكل غير مسبوق جسّدها المؤرخ يونان لبيب رزق فى كتاب (طابا قضية العصر).
ويوضح الدكتور ريحان أن المنطقة المتنازع عليها فى طابا كانت تمثل شرفة صغيرة من الأرض المطلة على رأس خليج العقبة والممتدة على شاطئ طابا بين سلسلة الجبال الشرقية وربوة جرانيتية قليلة الارتفاع ملاصقة لمياه الخليج والتى تبلغ مساحتها 1020م 2 ورغم صغر مساحتها فكانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل عبّر عنها وكيل حكومة إسرائيل روبى سيبل فى المرافعات الإسرائيلية فى قضية طابا ذاكرًا أنها ذات أهمية بالغة لمدينة إيلات وهى فى حقيقتها ضاحية لها لذلك أقاموا استثمارات سياحية بها وبنية مدنية ليؤكدوا استحالة عودتها إلى السيادة المصرية.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن الجانب الآخر عمد إلى التضليل والتزييف للحقائق فمن خلال سيطرتهم على المنطقة من 1967 إلى 1982 قاموا بتغيير معالمها الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو فقاموا بإزالة أنف الجبل الذى كان يصل إلى مياه خليج العقبة وبناء طريق مكانه يربط بين إيلات وطابا وكان على المصريين أن يبحثوا عن هذه العلامة التى لم يعد لمكانها وجود ولم يعثروا إلّا على موقع العلامة قبل الأخيرة التى اعتقدوا لفترة أنها الأخيرة.
ولفت الدكتور ريحان إلى صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 فى يوم 13 مايو 1985 بتشكيل (اللجنة القومية العليا لطابا) من أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية وهى اللجنة التى تحولت بعد ذلك إلى هيئة الدفاع المصرية فى قضية طابا والتى أخذت على عاتقها إدارة الصراع فى هذه القضية من الألف إلى الياء مستخدمة كل الحجج لإثبات الحق ومن أهمها الوثائق التاريخية التى مثلت نسبة 61% من إجمالى الأدلة المادية التى جاءت من ثمانية مصادر، وقد نصت مشارطة التحكيم على أن المطلوب من المحكمة تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب أى فى الفترة بين عامى 1922 و 1948 وبالرغم من ذلك فإن البحث فى الوثائق ذهب إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر والوثائق فى الفترة اللاحقة على عام 1948 حتى حرب يونيو ونتائجها، وقد جرى البحث عن هذه الوثائق فى دار الوثائق القومية بالقلعة، الخارجية البريطانية، دار المحفوظات العامة فى لندن ، دار الوثائق بالخرطوم ، دار الوثائق باستنبول، محفوظات الأمم المتحدة بنيويورك.
وينوه الدكتور ريحان إلى دور منطقة آثار جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية فى قضية طابا حيث بدأ منذ عام 1986 بأعمال حفائر بقلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا كشفت عن أساسات القلعة وعناصرها المعمارية والذى تم على أساسها مشروع ترميم علمى للتحصين الشمالى للقلعة وترك التحصين الجنوبى كما هو وكان يمثل حصن بيزنطى وفنار لإرشاد السفن فى خليج العقبة قبل مجيء القائد صلاح الدين مع ترميم أجزاء من السور الخارجى وتزويد القلعة بخدمات من برجولات خشبية لراحة الزوار وخطة إضاءة متكاملة للقلعة.
وأضاف الدكتور ريحان بأن هيئة الآثار المصرية فى ذلك الوقت وكان على رأسها شخصية نبتت فى المؤسسة العسكرية وعشقت الآثار وحمل على كتفيه عبء ترميم الآثار الإسلامية فى مصر وكانت فى حالة سيئة بالقاهرة التاريخية والمواقع الأثرية بالمحافظات وهو المرحوم الدكتور أحمد قدرى وقد أصدرت هيئة الآثار المصرية عام 1986 كتيب يسجل أعمال الحفائر والترميم والمعالم المعمارية بالقلعة باللغتين العربية والإنجليزية وكان هذا الكتيب ضمن الوثائق التاريخية التى شكلت 61% من أدلة أحقية مصر فى الجزء المتنازع عليه فى طابا.
ويتابع الدكتور ريحان بأن معالم الكتاب تضمنت أهمية سيناء عامة التى كانت مسرحًا لمعظم العمليات الحربية التى خاضتها مصر كما أنها أحد المنافذ الهامة لقوافل التجارة والحج وأسباب بناء القلعة لتكون نقطة حصينة لحماية الطرق البرية والبحرية بين مصر والشام والحجاز وقاعدة بحرية متقدمة لتأمين خليج العقبة والبحر الأحمر من أى غزوة بحرية صليبية وتعرّض لدور القلعة فى صد أكبر غزوة بقيادة الأمير الصليبى أرناط عام 1182م ودور الحمام الزاجل فى حمل رسائل الغزو إلى القيادة المركزية بالقاهرة وقد كشف عن أجزاء من هذه الرسائل فى أعمال الحفائر فجاء الإمداد بأسطول بحرى تحت قيادة حسام الدين لؤلؤ الحاجب قائد الأساطيل المصرية وحاصر الصليبيين الذين وقعوا بين فكى كماشة وتم دحر حملة أرناط وحماية موكب حجاج بيت الله الحرام.
ولفت الدكتور ريحان إلى تضمن الكتاب لتخطيط القلعة مصحوبًا بالمسقط الأفقى والمساقط الرأسية لها وإلقاء الضوء على منشئات القلعة التى تضم سور خارجى كخط دفاعى أول يدعمه تسعة أبراج دفاعية ثم تحصينين شمالى ويخترقه 14 برج من بينها برج للحمام الزاجل، وتحصين جنوبى صغير، ولكل تحصين سور دفاعى كخط دفاعى ثانى، ويدعّم هذه الأسوار مجموعة من الأبراج بها مزاغل للسهام ويضم التحصين الشمالى صهريج مياه لتجميع مياه المطار وصهريج وحمام بخار وحجرات الجنود وحجرة القيادة الرئيسية وقاعة مشورة حربية ومخازن الغلال والمطبخ والمسجد وفرن لتصنيع الأسلحة ومخازن للمؤن، كما تضمن الكتاب إلقاء الضور على أعمال الترميم وكيف كان حال القلعة قبل الترميم بالصور.
ويعود بنا الدكتور ريحان لقضية طابا موضحًا أن الوفد المصرى لم يقبل الموقع الذى حدده الجانب الآخر للعلامة 91 وأصروا على الصعود لأعلى وهناك وجد المصريون بقايا القاعدة الحجرية للعلامة القديمة ولكنهم لم يجدوا العمود الحديدى المغروس فى القاعدة والذى كان يحمل فى العادة رقم العلامة وقد اندهش الإسرائيليون عندما عثروا على القاعدة الحجرية وكانت الصدمة الكبرى لهم حين نجح أحد الضباط المصريين فى العثور على العمود الحديدى على منحدر شديد الوعورة حيث نزل وحمله لأعلى، وطول هذا العمود 2م وعرضه 15سم ووزنه بين 60 إلى 70كجم وكان موجودًا عليه رقم 91 وأمام هذا الموقف لم يملك أحد أعضاء الوفد الإسرائيلى نفسه قائلًا "أن الطبيعة لا تكذب أبدًا" واتضح فنيًا أن العمود والقاعدة قد أزيلا حديثًا ورغم ذلك فقد رفضت إسرائيل الاعتراف بهذه العلامة حتى موافقتها على التحكيم فى 13 يناير 1986.
وينتهى بنا الدكتور ريحان إلى اللحظة الحاسمة ففى يوم الخميس 29 سبتمبر 1988 فى قاعة مجلس مقاطعة جنيف حيث كانت تعقد جلسات المحكمة دخلت هيئة المحكمة يتقدمها رئيسها القاضى السويدى جونار لاجرجرين لتنطق بالحق وعودة الأرض لأصحابها فى حكم تاريخى بأغلبية أربعة أصوات والاعتراض الوحيد من القاضية الإسرائيلية بالطبع ويقع الحكم فى 230 صفحة وانقسمت حيثيات الحكم لثلاثة أقسام، الأول إجراءات التحكيم ويتضمن مشارطة التحكيم وخلفية النزاع والحجج المقدمة من الطرفين والثانى أسباب الحكم ويتضمن القبول بالمطلب المصرى للعلامة 91 والحكم لمصر بمواضع العلامات الأربعة والثالث منطوق الحكم فى صفحتين جاء فيه فى الفقرة رقم 245 " النتيجة – على أساس الاعتبارات السابقة تقرر المحكمة أن علامة الحدود 91 هى فى الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم على الأرض حسب ما هو مسجل فى المرفق (أ) لمشارطة التحكيم " .
وتم رفع العلم المصرى على الجزء الذى تم استرداه من طابا فى 19 مارس 1989.