عندما نصف شخص ما بأنه مسيحي، فإن معني ذلك أنه منسوب للمسيح، نائب عنه، سفير له، له ملامحه وصفاته، مثل قولنا أن فلان اسيوطي أو فلان سكندري .. أو فلان كالبي ( 1صم 25: 3 ) أو أوريجاني أو أن فلانة "كورنثية" . فإذا أراد شخص ما أن يسلك علي نحو مغاير ( وله الحرية في ذلك طبعاً ) فلا بأس، ولكنه لا ُيدعى في هذه الحالة "مسيحياً" وانما شئ آخر يتوافق مع المبادئ التي يعتنقها أوالشخص الذي يعتبره مثاله ومرجعه، مثل الأريوسي والنسطوري والاسلامي والرواقي والعبثي والماركسي والبهائي .. الخ . وعندما يرد في سفر الأعمال أن التلاميذ دعوا مسيحيين أولاً في انطاكية فإن معني ذلك أنهم أشخاص رأي الناس فيهم صفات المسيح، أو ربطوا فيما بينهم وبين المسيح ( أعمال26: 11 ) .
ولنختار الآن خمس من هذه الصفات :
1- إيمان سليم : هو الإيمان المسلم مرة للقديسين أن أنه ليس فيه تفاوض أو يقبل التعديل بحسب الظروف او الزمن، وبعض الناس ايمانهم سماعي، مجموعة من التقاليد والمبادئ غير السليمة، والبعض الآخر ايمانهم فاسد بمعني أنه يحوي بعض الهرطقات دون أن يعرفوا، لا يعرفون كيف يشرحون الايمان فهم لم يقرأوا بشكل جيد ولم يدرسوا . مشكلة هؤلاء أنهم محرومون من الاستنارة، فهناك فرق بين شخص يتناول بحسب العادة .. أو الضمير، وآخر يعي جيدا ماهي الافخارستيا، وهناك فرق بين الضمير والروح القدس، وفرق بين شخص يؤمن بالثالوث الاله الحي، وآخر لا يؤمن فيعبد صنماً . شخص يدرك معني المعمودية وفعاليتها، وليس كرمز وعلامة، ويدرك جيدا كيف أنه في المعمودية تثبت بالميرون ( أي تدشن وتكرس ) . مشكلة ذوي الإيمان المهزوز أنهم قد يتنازلون عنه، عند أية تجربة، فبعض الذين ُغرز بهم لترك المسيح اتضح انهم لا يعرفون شيئاً عن المسيح، سوي تبعية شكلية، كانت أشبه بقشرة سقطت عند أو صدام، لهذا يقول القديس بولس "لهذا السبب احتمل هذه الأمور أيضا لكنني لست أخجل لأنني عالم بمن أمنت وموقن انه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم" ( 2تي12: 1 ) .
2- قلب محب : "أما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء" ( 1تي1: 5 ) القلب المحب هو بالطبع غير اللسان المحب .. أوادعاء الحب .. المحبة هي أعظم وصية "بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضكم لبعض" والمسيحي الذي ُيدرك كيف مات المسيح عن الأعداء، يحب هو الآخر الآخرين .. ( هذا فعله الشهداء ) كما أن الذي لا يعرف المحبة لا يعرف الله ( لأن الله محبة ) وهكذا يمتلك المسيحي أحشاء رأفة فيتحرك قلبه بالرحمة من نحو الكل .. كل الخليقة . الشخص الشرير يكره الكل، والشخص الطبيعي يحب من يحبه ويكره من يكره، وأمّا الشخص المسيحي فهو يحب الكل حتي الأعداء .. الذين عرفوا الله عرفوه من خلال محبة الآخرين لهم .. الايمان السليم لابد وأن يجعل من المسيحي شخصاً محباً ..
3- عبادة مفرحة : "افرحوا .. اكملوا تعزوا عيشوا بالسلام" ( 2كو13: 11 ) العابد هو شخص في الحضرة الإلهية لذا فإنه يكون فرحاً . هناك اشخاص تتقلص وجوهم وهم يصلون .. يفهمون الجدية والحرارة في العبادة علي أنها كآبه وحزناً ولطماً ونحيباً .. فيصير المقابل للتهاون في العبادة : هوالوجه المكفهر والحزن، أن الكنائس فيها من هذا النوع، ولكن الله يطلب منا أن نفرح فيه كل حين .. هناك اشخاص يمثلون لنا العبادة المفرحة والمسيحية المبهجة، يصومون في ارتياح .. يصنعون الميطانيات في رزانة، يسهرون في القراءة بفرح .. يصلون بأسارير منفرجة .. الجهاد بالنسبة لهم عمل لذيذ .. قيل أن شخصين ُوضعا تحت قانون روحي واحد لمدة سنة، خرج أحدهما بشوشاً سليما معافى، بينما خرج الآخر كئيباً نحيفاً .. وقيل عن القديس انطونيوس انه خرج بشوشاً بعد أن قضى 20 سنة في المغارة، لقد كان يوليانوس مخطئاً عندما ظن أن المسيحيين هم قوم مكتئبون يديرون ظهورهم للحياة والجمال والشمس .. بينما هناك أشخاص تحب أن تهرب من المكان الذي يوجدون فيه . إذا فمن كان إيمانه سليما لابد وأن تكون عبادته مفرحة "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا" ( 1كو21: 4 ) . نفرح لأن الرب تجسد وفدانا من اللعنة وترك لنا رصيد غفران، ونفرح لأن اسماءنا مكتوبة في السموات، ونفرح لأن الرب قادر أن ينجينا من كل شر، ونفرح لأننا موجودين إلي هذه الساعة، هكذا نعبر لله عن شكرنا بالفرح وعن فرحنا به بالشكر له ..
4- ملامح وديعة : "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة" ( كو12: 3 ) . كل اناء بما فيه ينضح .. لقد قابل القديس مكاريوس الكبير كاهن الوثن بوداعة وبشاشة .. وبذلك الروح الوديع الهادئ فأحب الرجل المسيح فصار مسيحياً بل وترهب، هل سمعت تعبير "فلان عليه نعمة" .. أو "فلان مريح" . يلاحظ أنه ليس شرطاً أن يكون الانسان ضاحكاً لنعتبره وديعاً .. وليس شرطاً أن يكون الجاد كئيباً .. هكذا يشيع المسيحي حوله جوا من السلام والالفة، فيصبح وجوده مفرحا ومريحا .. عليه مسحة من نور المسيح، ويقال أن الراهب هو شخص خرج يطلب من وجه النور .. لذلك فله وجه مشرق وابتسامة مريحة، انها روح الوداعة التي تكلم عنها القديس بولس .
5- كلمات هادئة : قد يكون الايمان سليما والملامح وديعة، بينما تكون الكلمات قاسية شريرة، وتحت بند الغيرة أو الجدية قد تكون التعبيرات جارحة، هنا ونتذكر قول عريس النشيد "شفتاك يا عروس تقطران شهداً تحت لسانك عسل" ( نش11: 4 ) ولنتخيل الآن شخصاً يتحدث في التليفون، فأنت لا تري ملامحه ولكنك تستمع إلى كلامه، وقد تشعر بالراحة والتعزية بسبب كلامه، وكذلك قد تكون الكلمات الهادئة هي وسيلة الكاتب والصحفي والذي تعتمد علاقته بالناس علي الكلمة المكتوبة . من هنا فقد تقرأ مقالاً مزعجاً يوترك، في حين تشعر بالفرح من مقال آخر .. ولذلك فإن الناس ينجذبون إلي الظرفاء علي الأقل حين يودون نسيان همومهم ومشاكلهم، مثل هذا الشخص يعرف كيف يجامل ويلاطف ويشجع، ُيشيع الرجاء، ويعرف كيف يدافع ويلتمس الأعذار، له شفتان مختونتان لذا فهناك فلترة مستمرة للكلمات الخارجة منه، ولعل موسى النبي قد قصد أنه لا يعرف كلام اللطف والمجاملة عندما قال "أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك بل أنا ثقيل الفم واللسان" ( خروج 4: 10 ) ولا شك أنه قال ذلك اتضاعا فهو الرجل الذي قيل عنه أنه كان اكثر أهل الأرض حلماً ( عد 12: 3 ) .
هذا هو المسيحي كما يجب وكما يليق به أن يحيا وأن يفعل .